كانت الأسابيع الأخيرة من 2014، إيذانا بكارثة بالنسبة للقيادة الأميركية ولقيم سيادة القانون. فخلال الأسبوعين الأخيرين من ديسمبر، جابهت الولايات المتحدة ثلاثة جهود مختلفة تهدف إلى تأكيد الحقوق الفلسطينية. وكان هذا مؤسفاً، حيث إنه من خلال ذلك قوضت الولايات المتحدة التزاماتها المعلنة بدعم سيادة القانون في العلاقات الدولية، وتأييد قرار يهدف لدعم السلام والابتعاد عن العنف في الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي.
وفي 17 ديسمبر، التقى ممثلو الـ 126 دولة التي أقرت اتفاقية
جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بناء على دعوة من الحكومة السويسرية، ومرروا في الاجتماع إعلاناً من عشر نقاط يعيد تأكيد إمكانية تطبيق الاتفاقية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967. وبعد العمل لشهور من وراء الكواليس لإجبار الحكومة السويسرية على إلغاء الجلسة، كانت الولايات المتحدة واحدة من عدد قليل من الدول التي رفضت حضور الاجتماع.
وقد صيغت اتفاقية جنيف الرابعة وتم التصديق عليها من قبل المجتمع الدولي في نهاية الحرب العالمية الثانية وكانت تهدف إلى ضمان أن الانتهاكات التي حدثت أثناء الحرب لن تتكرر أو يتم التسامح بها في الصراعات المستقبلية. وتشمل مواد الاتفاقية على حظر: ضم الأراضي المحتلة، وقيام دولة الاحتلال بترحيل سكان هذه الأراضي. كما تحظر الاتفاقية: تغيير وضع الموظفين العموميين للشعب المحتل، وتدمير الممتلكات العامة، وكافة أشكال العقوبات الجماعية، والاعتقال الإداري، والعنف والإهانات وتخويف السكان الواقعين تحت الاحتلال، واستخدام الإكراه والتعذيب البدني. وعلاوة على ذلك، تلزم الاتفاقية القوة المحتلة بمعاملة الشعب الواقع تحت سيطرتها معاملة إنسانية واحترام حقوقه الإنسانية والقانونية.
ودعا الإعلان الذي صدر بالإجماع في نهاية الاجتماع القوة المحتلة (إسرائيل) إلى «الاحترام الكامل لاتفاقية جنيف الرابعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية».
وحيث إن الولايات المتحدة قد أكدت، في الماضي، على إمكانية تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة وأن هناك أدلة لا تقبل الجدل على أن إسرائيل خلال الأربعة عقود ونصف الأخيرة قد انتهكت مراراً وتكراراً أحكام الاتفاقية، فإن جهود الولايات المتحدة لمنع عقد الاجتماع ومن ثم رفضها حضور الجلسة تدعو إلى التساؤل بشأن التزامها بالاتفاقية، وتعزز من شعور إسرائيل بإمكانية العمل ضد الفلسطينيين، والإفلات من العقاب.
وفي 17 ديسمبر أيضاً، قدم الأردن إلى مجلس الأمن الدولي، قراراً تقره الجامعة العربية يعيد تأكيد حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ودعا إلى تجديد المفاوضات الهادفة إلى إبرام حل الدولتين وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني و«تأكيد الحاجة للتوصل، في موعد لا يتجاوز 12 شهراً، إلى حل سلمي شامل ينهي الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ 1967 ويحقق رؤية دولتين مستقلتين تتمتعان بالديمقراطية والازدهار، إسرائيل ودولة فلسطين ذات السيادة، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمان».
وكما هو متوقع، اعترضت الولايات المتحدة على القرار، واصفة إياه بأنه «غير متوازن للغاية وغير بناء»، حيث إنه اشتمل على «مواعيد نهائية لا تأخذ في الحسبان أية مخاوف أمنية مشروعة لإسرائيل». وضغطت الولايات المتحدة على العرب من أجل عدم تقديم القرار، وضغطت على دول أخرى لمعارضته أو الامتناع عن التصويت. وفي 30 ديسمبر، صوتت الولايات المتحدة ضد القرار.
وبذلك، تجاهلت الولايات المتحدة حقيقة أن قدراً كبيراً من لغة القرار جاء من مواقف تم إقرارها في وقت سابق. وبعيداً عن كونه «غير متوازن» كما تزعم، فإن القرار يدين الإرهاب ضد المدنيين وأعمال التحريض، كما تضمن دعوة لتنفيذ الترتيبات الأمنية لضمان تحقيق السلام. وتجاهلت الولايات المتحدة أن يأس الفلسطينيين من جهود صنع السلام التي تقودها هي التي دفعت قيادتهم لتقديم القرار في المقام الأول.
ومنذ توقيع اتفاقات أوسلو قبل 21 عاماً، ادعت الولايات المتحدة قدرتها على القيام بدور «الوسيط النزيه» في عملية السلام. ولكن الإدارات المتعاقبة غضت الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين. والنتيجة أننا لا نرى أي سلام، في حين تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة ثلاث مرات وأصبحت القيادة الفلسطينية أمام وضع صعب، ما جعلها تقدم هذا القرار إلى الأمم المتحدة. ولكن الولايات المتحدة، برفضها مشروع القرار، عززت من تعنت الإسرائيليين وأرسلت رسالة خاطئة في وقت خطأ للفلسطينيين.
إن سلوك الولايات المتحدة خلال العقود المنصرمة، أوضح عدم قدرتها على إدارة ملف «عملية السلام». وهناك أيضا مخاوف من عدم قدرتها على تأكيد التمسك بإطار القانون الدولي الذي تدعي تعلقها به.
(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإمارتية)