في 15 نوفمبر 2014، كتبت مقالاً تحت عنوان "الدور الإقليمي: تجديد النصيحة للمملكة العربية
السعودية"، ذكرت فيه أنّ جعل ملف "محاربة جماعة
الإخوان المسلمين" أولوية على الصعيد الإقليمي لدى المملكة وحلفائها، نجم عنه أربع نتائج كارثية خلال المرحلة الماضية، هي:
1) فتح جبهات متعددة لحروب سنية-سنية تبدد الجهد والوقت والمال والأرواح وتشتت الأولويات.
2) ضياع الاستراتيجيات الحاكمة في المنطقة.
3) تراجع مخيف ومهول في آخر منظومة عمل عربية "منظومة عمل مجلس
التعاون الخليجي نتجية انتقال الصراع إلى أعضائها.
4) صعود النفوذ الإيراني من جديد ووصوله إلى مستويات غير مسبوقة في المنطقة بما في ذلك الحديقة الخلفية للسعودية. وصعود "داعش" أيضاً، مما أعطى دفعاً جديداً للتعاون الأمريكي- الإيراني، مع اتساع نطاق دائرة المصالح الإقليمية المشتركة بينهما في الطريق نحو الصفقة المنتظرة.
وقد اقترحت في المقال حينها:
1) أن تقوم المملكة بإعادة ترتيب الأولويات، المتضاربة بين محاربة الإخوان وداعش وإيران والأسد.
2) التوصل إلى حل بشأن ملف الإخوان إذا كان هو المشكلة التي تعرقل تقدم المملكة إقليمياً في مواجهة المخاطر الأخرى، على اعتبار أنّنا بحاجة إلى أن نوقف استنزاف أنفسنا أولاً، وأنّ هناك جهات معروفة يمكن طرح مثل هذا الموضوع عليها للمساعدة في التوصل إلى حل شامل، يتيح لنا جميعاً التفرغ لمواجهة النفوذ الإيراني وتداعيات الاتفاق بين طهران وواشنطن، الذي من المفترض أنه التطور الأخطر في المنطقة. ففي النهاية، نحتاج إلى مد شعبي لمواجهة التطرف الإيراني من جهة ولمواجهة جماعات مثل "داعش" من جهة أخرى.
3) عكس النفوذ الإيراني والانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وهي عملية صعبة تتطلب الاستعانة بلاعبين إقليميين آخرين لإعادة التوازن إلى ميزان القوى الإقليمي المختل لصالح إيران، وأن تركيا مؤهلة لتأدية هذا الدور، على اعتبار أن هناك تطابقاً كبيراً في المصالح الإقليمية بين تركيا والمملكة في معظم ملفات المنطقة باستثناء الملف المصري، وأن تحقيق قدر عال من التفاهم الاستراتيجي بين الطرفين (المملكة وتركيا)، وتوسيع إطاره ليشمل دولاً أخرى في المنظومة الخليجية والعربية والدولية، سيحقق الأهداف المرجوة.
وسرعان ما أثبتت الوقائع المتتالية خلال فترة وجيزة جداً صحة تقييمي على الأقل لناحية المخاطر، إذ أنهت قمة الرياض الاستثنائية الخلافات الخليجية وأعلن في 17/11/2014 عن عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى قطر، كما تمّ في 9/12/2014 عقد القمة الخليجية الـ35 في الدوحة، والتقى المبعوث الخاص لأمير قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في 20/12/2014 بالرئيس المصري بحضور المبعوث الخاص للملك السعودي رئيس الديوان الملكي السعودي خالد بن عبد العزيز التويجري. ماذا تعني كل هذه التطورات؟
1) ملف محاربة الاخوان لم يعد أولوية إقليمية، وتراجع لصالح "أخطار أعظم" على المملكة والخليج تأتي من إيران بالدرجة الأولى، ومن التطرف الذي تمثله حركات تسمى "سلفية جهادية" مثل تنظيم القاعدة و"داعش".
2) إعادة الاعتبار لمجلس التعاون الخليجي كمنظومة عمل جماعي بقيادة المملكة في مواجهة الخطر المتزايد لإيران. لكنّ هذا التجمّع لن يكون كافياً للقيام وحده بهذه المهمّة، لذلك قد نشهد خلال المرحلة المقبلة خطوات أسرع باتجاه تعاون أكبر وتنسيق أوسع مع تركيا، خاصة وأنّ قطر تترأس الآن مجلس التعاون الخليجي مما قد يسهل إمكانية حصول مثل هذا الأمر. علماً أن النظام المصري يحاول الالتفاف على هذا الطرح من خلال جهود دبلوماسية وغير دبلوماسية/ مهمتها فقط محاولات التشويش على تركيا.
في جميع الأحوال، من المهم بمكان أن يقرأ الإخوان هذه المعطيات الإقليمية والتحولات الجارية بدقة، وأن يتحلوا بالمرونة وأن يحاولوا فصل حساباتهم الداخلية عن الحسابات الخارجية، وكذلك الحسابات الآنية والعاجلة عن الحسابات الاستراتيجية أو البعيدة المدى.
صحيح أنّ عدد الشهداء الكبير والأعداد المتزايدة من المعتقلين ممن ينتمون إلى خطهم في مصر تضغط عليهم للحصول على نتائج سريعة في الساحة المصرية، وتعقّد الأمر بالنسبة لهم وتجعل موقفهم أكثر حرجاً وصعوبة وتسلبه القدرة على المناورة، لكن النفس الطويل مطلوب، والمنطقة مقبلة على تحولات أكبر من دون شك، كما أنّ المعطيات الموضوعية (صعود حركات السلفية الجهادية والخطر الإيراني)، تفترض أن هناك حاجة إلى دور ما لحركة الإخوان المسلمين في مواجه هذين التهديدين، وهو الأمر الذي قد يشكّل باباً للتواصل أيضاً مع الأطراف الإقليمية المعنية.
بمعنى آخر، قد تنشأ حاجة متبادلة لدى كل من السعودية والإخوان للتقارب على قاعدة هذه الملفات الإقليمية، كما أنّه في حال تحقق التقارب الخليجي-التركي، قد يضطر الإخوان في جميع الأحوال إلى الانحناء، لذلك سيكون من الأفضل فتح قنوات تواصل من الآن أو على الأقل عدم إغلاق الباب أمام إمكانية حصول مثل هذا الأمر، وسيكون هناك دوماً في هذه المعادلة لاعبون عقلاء يحاولون رأب الصدع، ولاعبون متهورون قد يرون في حصول مثل هذا الأمر خطراً على وضعهم. لكن باعتقادي أنّه وبقدر ما يقترب الإخوان من تفهّم هذا الخطر، بقدر ما كان الانفتاح عليهم بالمقابل ممكناً أكثر، وبقدر ما كان تقرّبهم من هذا الخطر أكبر، بقدر ما كانت الانعكاسات السلبية عليهم أكبر خلال المرحلة المقبلة، على الأقل بانتظار ما سينجم عن المفاوضات الأمريكية – الإيرانية من نتائج.