اتّهم رئيس الجمهورية الاسلامية الشيخ حسن
روحاني في 28 كانون الأول الماضي، في معرض إثبات انتقاله من الدفاع إلى الهجوم، "الحرس الثوري مباشرة" بالفساد وتكديس الثروات. وكانت خطوة غير مسبوقة رغم أن "الحرس" تعرّض في السابق لتحديات "داخلية" قليلة. وقد فعل روحاني أكثر وبكثير من الانخراط في مبارزة كلامية مع هذا الجسم العسكري – الأمني – السياسي – الاقتصادي الضخم في
إيران. فهو خفّض ميزانيته واستهدف ذراعه الموجِّهة التي تقدَّر أموالها بنحو 20 مليار دولار أمريكي. وفي 29 من الشهر نفسه وجّه إلى "الحرس" لطمة بقوله إن قاعدة القوّة الوطنية الإيرانية ليست الصواريخ.
ذلك أن الاعتماد فقط عليها على أهميتها والتخلُّف في الصناعة والزراعة يعنيان أن القوة الوطنية العامة تبقى ناقصة. ولا يشك المتابعون الجدّيون أنفسهم لإيران في أن ملاحظات روحاني كانت مقصودة بهدف هزّ توازن "الحرس" ودفعه إلى الدفاع، بعدما مارس الهجوم سنوات كثيرة. وفي تحرُّك مماثل انتقد رئيس الجمهورية موازنة المؤسسة الإعلامية الرسمية (إذاعة وتلفزيون) لدفعها إلى الانخراط في عملية إصلاحية جدية. وفي الـ28 من الشهر إياه قال: "شكراً لله. التلفزيون والإذاعة استعملا قدرتهما بنسبة مئة في المئة لانتقاد الحكومة. طبعاً نحن نرحِّب بالانتقاد، وهو جيد ومفيد.
ونشكرهما عليه. ولكن في عملية التغطية الإعلامية لنشاطات دوائر الحكومة لا يتحرك أحد لنشر ماذا فعلت الحكومة، وما هي الخدمات التي وفرّتها للشعب". وفي الفترة نفسها تحدّث روحاني عن الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إليها بلاده بنفس وكلام جديدين عن السابق؛ إذ اعتبرها لا تمسّ الدولة وسيادتها في ظل نظام قوي.
هل هناك إشارات أخرى إلى انتقال المحافظين البراغماتيين في إيران إلى الهجوم بعد سنوات طويلة من الاكتفاء بالدفاع؟
طبعاً، يجيب المتابعون إياهم. وقد صدرت عن المجتمع المدني الإيراني وتحديداً النخبة فيه وعلى نحو شكّل استفزازاً. حصل ذلك في ندوة غير مسبوقة تناولت الموضوع النووي، استضافتها جامعة طهران في 17 كانون الأول الماضي. وقد جرى خلالها انتقاد مفتوح للتشديد الكبير وللتأكيد الأكبر لأهمية البرنامج النووي، اللذين تقوم بهما إيران ومؤسساتها الرسمية المتنوعة... وكان ذلك عندما أقدم العالِم السياسي المعروف صادق زيباكلام والمهندس النووي أحمد شيرزاد، وهما أكاديميان من أصحاب العقل الإصلاحي، على كسر محظور أو محرّم منذ ثلاثة عقود بتساؤلهما عن جدوى وملاءمة السلطة، أو القوة النووية لإيران وعن الحكمة منها. وقد شبّه شيرزاد البرنامج النووي بالبئر الذي لم يُستخرج منه شيء حتى الآن، إلا بعض المال لعدد من الأفراد. وأبدى أسفه لاحقاً لتحويل البعض هذا البرنامج شرفاً اصطناعياً أو فخراً اصطناعياً معرِّضاً البلاد إلى خسائر اقتصادية ومالية ضخمة. أما زيباكلام فقد لاحظ أن الـ250 صناعة جديدة التي تقول الدولة أنها نتيجة التكنولوجيا النووية، ليست عملياً حصيلة البحث والتطوير النوويين. وفي 22 كانون الأول نفسه أيضاً دعا شيرزاد، في مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية في طهران، الإيرانيين إلى انتقاد الصناعة النووية مثلما ينتقدون صناعة السيارات "المعطوبة" وغير الشعبية.
كل هذه الإشارات تفيد بحسب المتابعين أنفسهم، أن ميزان القوة صار في مصلحة الرئيس روحاني. وتجدر الإشارة هنا إلى أن زيباكلام كان قبل ستة أشهر من كلامه هذا، قيد مساءلة قانونية لإثارته قضايا أقل أهمية. ولم يحصل ردّ فعل سلبي أو قضائي عليه أو على ندوة جامعة طهران من أي معارض لروحاني. ويعني ذلك أمراً من اثنين؛ إمّا أن رأس القضاء الإيراني صار متعاوناً أو أقرب إلى التعاون مع فريق الحكومة، وإمّا أن المحافظين المتشددين الذين سيطروا على القضاء 30 عاماً بدأ الضعف يصيبهم. وفي أي حال لا يمكن إغفال حقيقة مهمة، هي أن معسكر المحافظين البراغماتيين برئاسة روحاني وقيادة حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني حقّق مكاسب مهمة. وما كان ذلك ممكناً لولا استمرار توقُّع الوليّ الفقيه علي خامئنيي نجاح روحاني في تنفيذ التزامه رفع العقوبات الدولية على إيران أو إضعافها على الأقل.
هل يعني ذلك أن روحاني انتصر وأن المحافظين المتشددين ألقوا السلاح؟ وما هي التحديات التي تواجه الأول؟
(نقلاً عن صحيفة النهار اللبنانية)