سؤال طرحه المحلل السياسي أليستر سلون في موقع "ميدل إيست مونيتور" (ميمو). وذكر في بدايته كيف حذرت وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" صناع السياسة البارزين في واشنطن من التداعيات السلبية للغارات بطائرات دون طيار. وقد تجاهلت واشنطن نصيحة "سي آي إيه"، وزادت من معدل
الغارات.
ويقول سلون إنه قتل في باكستان 751 شخصا، بينهم 84 مدنيا. ولم يقدم المئات الذين قتلتهم القنابل ولا الذين ضغطوا على الزناد للقتل، أمام هيئة محلفين أو القاضي.
وجاء تقرير سلون للتعليق على تقرير أصدره موقع
ويكيليكس قبل احتفالات أعياد الميلاد المسيحية. وقد أعد التقرير المكون من 20 صفحة، محللون في "سي آي إيه"، وحللوا فيه برامج تمت في مناطق وظروف مختلفة.
ويشير الكاتب إلى أن التقرير "السري" لم يتوصل إلى أن برامج استهداف "الأهداف الثمينة" واغتيالها فكرة سيئة بالكامل، وأشار إلى ثلاث حالات نجحت في تحقيق أغراضها؛ اثنتان منها حدثتا في عام 2008، وهما قتل راؤول ريس وإيفانز ريوس، قائدا حركة "فارك" الانفصالية في كولومبيا، حيث اغتالتهما فرق من القوات الخاصة الأمريكية والكولومبية، والمثال الثالث هو اغتيال "أبو الليث" الليبي ونائبه في منطقة وزيرستان. واعتبرت العملية التي استهدفت الليبي، الذي كان زعيم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، ناجحة لأنها أخرت انضمام الجماعة لتنظيم القاعدة، وهو ما فعلته لاحقا.
ويبين الموقع أنه تم الحديث عن اغتيال إسرائيل لقائدي حماس في عام 2004 الشيخ أحمد ياسين ومن ثم عبد العزيز الرنتيسي، وهما مثالان ناجحان عن عملية
القتل المستهدف. مع أن "سي آي إيه" حذرت في حينه أن الاغتيالين وإن أثرا على معنوية حماس، إلا أنها تظل حركة مصممة وتحظى بشعبية، وأنها منظمة عسكرية قوية.
ويظهر سلون أنه في المقابل عندما درس محللو "سي آي إيه" حالات القتل المستهدف التي مورست ضد طالبان وحزب الله ومنظمة التحرير الفلسطينية والطريق المشع في بيرو ونمور التاميل وحركة التحرير الوطني الجزائري، وجدوا أنها لم تكن فاعلة وذات آثار سلبية.
ويذكر "ميدل إيست مونيتور" أنه بناء على التجارب في تايلاند حذرت الوكالة من أن القتل المستهدف "يمكن أن يلفت انتباه صناع السياسة والمخططين العسكريين بدرجة يجعل فيها الحكومة تفقد النظرة الاستراتيجية حول النزاع أو تتجاهل ملامح مكافحة التمرد"، وعلاوة على هذا فإن "سي آي إيه" قالت إن طالبان والقاعدة تحديدا لا تصلحان للقتل المستهدف.
ويقول التقرير إن "بنية طالبان العسكرية تجمع ما بين نظام القيادة من الأعلى إلى الأسفل، وتمزجه مع البنية القبلية الأفغانية، ما يجعلها قادرة على تحمل عملية القتل المستهدف"، بحسب الموقع.
ويفيد الكاتب أنه في فقرة أخرى لاحظ معدو التقرير أن البنية اللامركزية لتنظيم القاعدة تعني أنها قادرة على تحمل خسارة القيادات، مثل خسارتها التي تمثلت بمقتل أبي مصعب الزرقاوي في عام 2006، عندما قتلته غارة أمريكية في
العراق.
ويكشف الموقع عن توصل التقرير إلى أن إساءة استخدام القتل المستهدف تؤدي إلى مخاطر زيادة مستويات الدعم للتمرد، وتقوي صلات الجماعة المسلحة مع السكان، وتزيد من تشدد قادة الجماعة المتبقين، وتخلق فراغا يفتح المجال أمام جماعات راديكالية أخرى لملئه وتصعيد النزاع بطريقة تخدم مصلحة المتمردين.
ويرى الكاتب أن التحذير قاس؛ لأن ما حذرت منه "سي آي إيه" وقع في باكستان واليمن وأفغانستان والعراق. واستمر البرنامج ضد القاعدة وطالبان رغم تحذيرات "سي آي إيه" أن البرنامج لا يصلح لهما.
ويتساءل الكاتب عن سبب تجاهل النصيحة؟
ولدى ويكيليكس وثائق تتعلق ببرنامج التعذيب الذي تم الكشف عنه "من خلال جون كيرياكو الذي لا يزال في المعتقل"، لأن الرئيس باراك أوباما يتعرض لضغوط من أجل إغلاق معتقل غوانتانامو. وعليه منح القتل المستهدف الإدارة الفضلى لتفجير المشتبه بهم في بلدان أخرى مع من حولهم من أصدقائهم باعتباره "الخيار الأفضل"، الذي حشر البيت الأبيض نفسه فيه.
ويلفت الكاتب هنا إلى معضلة السياسة الخارجية الأمريكية الفاشلة، خاصة في الشرق الأوسط.
ويتابع أنه في عام 1948 عندما قرر هاري ترومان الاعتراف بإسرائيل خلافا لنصائح وزارة الدفاع ووزير الخارجية جورج مارشال، فقد وقف الطرفان ضد القرار، وقالا إنه سيضر بعلاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي، وسيزعزع استقرار الشرق الأوسط بشكل دائم، وستصبح قدرة أمريكا للحصول على نفط المنطقة مقيدة. ولكن ترومان تجاوز النصيحة.
ويتساءل سلون هنا ما الذي دفع بترومان للميل يمينا رغم النصيحة بالميل للشمال؟ والجواب هو الضغط الشعبي، تماما مثل الذي تعرض له أوباما عام 2009، الذي كان لا يزال راغبا بالوفاء بتعهداته الانتخابية وإغلاق معسكر غوانتانامو. فقد كان ترومان راغبا بتأمين الصوت اليهودي في الانتخابات المقبلة. وكان واحدا من معارضي قرار ترومان الاعتراف بإسرائيل كلارك كليفورد، مستشار ترومان الخاص للشؤون الانتخابية والسياسية. وفي ذلك الوقت كان هناك عدد كبير من اليهود الأمريكيين يعارضون الصهيونية. ولكن قرار ترومان كان مدفوعا بالأيديولوجية والمثالية وليس البراغماتية. وكان قرارا أثبت أنه حماقة مشؤومة.
ويذكّر الكاتب بقرار احتلال العراق عام 2003، فقبل ثمانية أشهر من الغزو، علمت "واشنطن بوست" أن عضوا في هيئة الأركان المشتركة وهو الجنرال جوزيف بي هور، حذر لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس أن أي مغامرة ستكون مخاطرة غير محسوبة وغير ضرورية، فيما حذر رئيس اللجنة مورتون هالبيرن أن الغزو سيزيد من مخاطر التهديد الإرهابي، وهو تحذير عرفنا أن المخابرات البريطانية رددته.
ويواصل سلون أنه مع قرب الغزو ذكرت مجلة "تايم" أن واحدا من بين ثلاثة ضباط كبار في الجيش الأمريكي تساءلوا عن حكمة العملية العسكرية في العراق. وكتب برينت سكركروفت، الذي عمل مستشارا للأمن القومي لجورج بوش الأب، "لا تهاجموا صدام"، وحذرت افتتاحية "وول ستريت جورنال" من أن الغزو سيحرف الانتباه عن قتال القاعدة. وقال الجنرال هيو شيلتون، رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الكلام ذاته. والأمر ذاته قاله الجنرال المتقاعد أنتوني زيني، الذي نصح قائلا "لست مقتنعا أننا بحاجة لهذا الآن". كما استقال جوزيف ويلسون، السفير السابق في بغداد، احتجاجا على الموضوع ذاته، وتبعه دبلوماسيون آخرون مثل جون براي كيسلينغ وجون أتش براون وماري آن رايت.
ويذهب الكاتب إلى أن من سيطر على البيت الأبيض من المجانين عملوا كل ما بوسعهم لتجاهل النصيحة الجيدة، بل وقام وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد ببناء جهاز أمني بديل عن "سي آي إيه"؛ لأنه لم يكن راضيا عن المعلومات التي يقدمها المجتمع الأمني حول صدام حسين. وعليه فيجب ألا يتم التقليل من الأخطاء التي ارتكبها جورج بوش وعصابته من المحافظين الجدد.
ويجد سلون أنه من المثير للتفاؤل وجود أشخاص يقولون الحقيقة، لكن ماذا عن محاسبتهم، فهل هناك نظام محاسبة للرؤساء الذي ارتكبوا الأخطاء وتجاهلوا النصيحة؟ وهل يرغب الناخبون بأمر ليس موجودا؟
ويخلص الكاتب إلى أنه بالتأكيد قد يخطئ الأمريكيون وينتخبون رؤساء حمقى، لكن هذا غير مبرر، ولا يصلح ما تعرض له الناس في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن ممن تأثروا بالسياسة الخارجية الأمريكية. فالدولة التي تنفق على قضايا الدفاع بمعدل ما تنفقه ثماني دول مجتمعة، ليس لديها نظام للمحاسبة والمراقبة على من يقوم برمي القنبلة.