برز دور
تركيا
في سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، حين قدمت دعمًا قويًا للمعارضة
السياسية والعسكرية، واستضافت العديد من قيادات المعارضة، كما أنها دعمت إقامة مناطق
آمنة على الحدود السورية لتوفير ملاذ للفارين من الحرب
ونشرت صحيفة
"
الغارديان" مقالا للصحفية روث مايكلسون قالت فيه إن المسؤولين الأتراك
رفعوا علمهم فوق السفارة في دمشق بعد أقل من أسبوع من فرار الرئيس السوري المخلوع
بشار الأسد إلى موسكو. وبينما ظلت العديد من مصاريع الفيلا الفخمة مغلقة، فقد حلق
العلم الأحمر والأبيض فوق سطح السفارة لأول مرة منذ 12 عاما.
كانت لحظة سبقت
أياما من وصول رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن إلى العاصمة السورية. في أعقاب
سقوط نظام الأسد مباشرة، ركب قالن سيارة سيدان سوداء يقودها زعيم هيئة تحرير
الشام، أحمد الشرع، الذي ارتدى ملابس مدنية بينما كان يقود قالن عبر الشوارع
المزدحمة. وصلى رئيس المخابرات تحت أقواس المسجد الأموي، قبل أن يخرج إلى الحشود
المذهولة التي تجمعت لرؤية أول شخصية أجنبية تزور القيادة السورية الجديدة.
تصف دارين خليفة
من مجموعة الأزمات الدولية غير الربحية زيارة قالن إلى العاصمة السورية بأنها
"جولة نصر"، حيث ظهرت أنقرة كمستفيد رئيسي من الحكومة الجديدة في دمشق.
لقد أثبت إسقاط الأسد صحة نهج رجب طيب
أردوغان بشأن
سوريا في الداخل التركي، ومنح
أنقرة فرصا جديدة في صراع على السلطة عبر المناطق الكردية في الشمال الشرقي ووفر
لها نفوذا جديدا مع إعادة بناء سوريا.
تقول خليفة:
"لا ينبغي المبالغة في تقدير العلاقات بين هيئة تحرير الشام وتركيا، فهي ليست
علاقة بالوكالة، لكن تركيا كانت ذكية في الانتظار حتى تستقر الأمور ثم تتدخل بقوة
بزيارة قالن وغيره من كبار المسؤولين أيضا".
وقال محللون إن
أنقرة أوقفت هيئة تحرير الشام لعدة أشهر وأرجأت إطلاق هجوم المجموعة، وحاولت بدلا
من ذلك استخدام اجتماع مع مسؤولين روس وإيرانيين في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر
على أمل إحضار الأسد أخيرا إلى طاولة المفاوضات. وقال أردوغان إن الأسد رفض عرضه
"لمناقشة مستقبل سوريا معا"، ففقد دون علمه فرصته الأخيرة لمنع الهجوم العسكري
الشامل الذي أنهى حكم عائلته الوحشي الذي دام 53 عاما.
لم يرفض الأسد
فحسب، بل استمرت قواته في ضرب الجيب الوحيد الذي يسيطر عليه المتمردون في إدلب
والذي تسيطر عليه هيئة تحرير الشام، ما أدى إلى تأجيج رغبة المجموعة في شن
هجومها. ويعتقد خليفة أن تركيا ناشدت حلفاء الأسد الروس، وطلبت من موسكو التحدث إلى
الزعيم السوري ووقف الضربات، دون نتيجة تذكر. وبحلول الوقت الذي اتصل فيه الشرع،
الذي كان معروفا سابقا باسمه الحركي، أبي محمد الجولاني، بأنقرة في وقت لاحق من
شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وأبلغها بأن قواته جاهزة لشن هجوم، فقد رضخت أنقرة بسبب عجز
موسكو عن إيقاف الأسد.
تقول خليفة:
"في النهاية، قالت تركيا حسنا، علموهم درسا، لكن أنقرة لم تدرك أن هيئة تحرير
الشام ستستولي على حلب، ناهيك عن البلاد بأكملها. لم يعتقد أحد أن الأمر سيصبح
شيئا كبيرا إلى هذا الحد. كانت أنقرة تعلم نوع المناورة التي قد تقوم بها هيئة
تحرير الشام، وأنها ستعطي الانطباع بأنها تسير في اتجاه واحد، شرقا، بينما كانت في
الواقع تريد الذهاب جنوبا. لكن الأمر لم يكن أكثر من ذلك".
وبحلول الوقت
الذي تجمع فيه المتمردون حول ضواحي حمص، ودفعوا جنوبا على الطريق السريع المؤدي
إلى دمشق قبل يومين من فرار الأسد، أعلن أردوغان علنا دعمه لما أسماه "مسيرة
المعارضة". وقال أردوغان، متحدثا خارج مسجد في إسطنبول، إن تركيا تراقب
التمرد عن كثب من خلال شبكتها من قنوات الاستخبارات فضلا عن التقارير العامة،
وأضاف: "نتمنى أن تستمر هذه المسيرة في سوريا دون أي حوادث أو مشاكل".
تقول غونول تول
من معهد الشرق الأوسط للأبحاث إن انتصار التمرد فاجأ تركيا، ما أدى إلى ما أسمته
"نجاحا كارثيا" من منظور أنقرة. وتضيف: "لقد فاجأ هذا أنقرة حقا،
وبالطبع الآن يعتمدون عليه - فهو يفتح فرصا خاصة للسياسة الخارجية التركية
ولأردوغان على المستوى المحلي، ولكن من الواضح أن هناك مخاطر أيضا".
لقد حاول الرئيس
التركي منذ فترة طويلة إيجاد توازن داخلي في قضية اللاجئين السوريين، حيث إنه عمل على
التوسط بين الصورة العامة التي تم رسمها بعناية باعتباره زعيما للعالم الإسلامي
الذي رحب بالمسلمين النازحين ورغبات شركائه في التحالف القومي في طرد العديد من
السوريين البالغ عددهم 3.2 مليون في تركيا.
ويقول تول إن
سقوط الأسد سمح لأردوغان بتعزيز صورته كزعيم بذل قصارى جهده لحماية السوريين بينما
غادر الآلاف، ما أدى إلى استرضاء مؤيديه القوميين. ولم يهدر المسؤولون الأتراك أي
وقت: فقد قال وزير الخارجية هاكان فيدان في اليوم التالي للإطاحة بالأسد إن
السوريين سيعودون إلى ديارهم، وتشير التقديرات إلى أن 7600 شخص عبروا الحدود بحلول
نهاية الأسبوع الماضي.
وقد تسبب تعهد
فيدان بأن تساعد الشركات التركية في إعادة بناء سوريا في ارتفاع أسهم شركات البناء
والأسمنت في اليوم التالي للإطاحة بالأسد، على الرغم من سمعتها المتضررة بسبب
الدمار الواسع النطاق بعد الزلازل القاتلة التي ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا في
أوائل العام الماضي.
في حين بدأت
أنقرة مؤخرا بالتواصل مع الجماعات المسلحة الكردية التي اعتبرتها منذ فترة طويلة
منظمات إرهابية، فقد أشارت تول إلى التحولات المفاجئة داخل سوريا التي أدت إلى تحول.
تعمل الجماعات المتمردة المدعومة من تركيا الآن على هزيمة القوات الكردية المدعومة
من الولايات المتحدة من المدن في جميع أنحاء شمال سوريا، وتوسيع نطاق سيطرتها
بسرعة.
تقول خليفة:
"بينما تتجه كل الأنظار إلى دمشق، فإن الأمر أشبه بالفوضى في الشمال الشرقي،
وأنقرة تحصل على كل ما تريده. سقطت مدينة منبج في أيدي القوات المدعومة من تركيا
دون أن تتصدر عناوين الأخبار، لذا فهم يتقدمون في الشمال الشرقي ويفلتون من العقاب
بطرق لم تكن لتحدث من قبل".
وفي حديثه خلال
مؤتمر حول سوريا في الأردن خلال عطلة نهاية الأسبوع، أوضح فيدان استراتيجية أنقرة.
وقال: "نحن ندعم الممثلين الشرعيين للأكراد السوريين في جهودهم للدفاع عن
حقوقهم في دمشق"، مشيرا إلى أن تركيا لن تقبل إلا بالتمثيل الكردي في العاصمة
السورية، ولكن ليس في أي مكان آخر.
وتقول تول إن
المسؤولين الأتراك الذين سيظهرون في دمشق سيستخدمون نفوذهم المكتسب حديثا على حكام
سوريا الجدد لضمان عدم سيطرة إدارة كردية مستقلة في الشمال الشرقي.
وتقول: "إن
سوريا ما بعد الأسد تمنح تركيا الكثير من النفوذ ويمكن لهيئة تحرير الشام استخدام
كل المساعدة التي يمكنها الحصول عليها". وتضيف أن المجموعة تسعى إلى تجنب
العزلة وستستخدم مدخلات تركيا لضمان حصولها في النهاية على اعتراف المجتمع الدولي.
ولكن في غضون ذلك، تظل تركيا بمثابة بوابة لهم إلى العالم الخارجي".
وتضيف:
"ستلعب تركيا دورا هاما، حيث تساعد هيئة تحرير الشام في إعادة البناء
والإعمار، بالإضافة إلى أن سوريا بحاجة إلى الاستثمار. وستلعب تركيا دورا هاما في
كل خطوة على الطريق".