نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقال رأي للكاتب توماس فريدمان حول
الانتخابات الإسرائيلية القادمة، قال فيه إن نتنياهو حدد يوم 17 آذار/ مارس لإجراء انتخابات مبكرة، ومع أن إسرائيل مرت بانتخابات حساسة من قبل، إلا أن هذه الانتخابات قد تكون الأكثر أهمية؛ وذلك لأن
اليمين الإسرائيلي لم يعد يسيطر عليه صقور الأمن ومؤيدو السوق الحرة مثل نتنياهو، ولكن من يسيطر عليه اليوم هم المستوطنون والقوميون المتدينون مثل نفتالي بنيت، الذين إن أداروا الحكومة القادمة فسوف يقومون بضم الضفة الغربية، وسيقودون إسرائيل إلى زاوية مظلمة، حيث تزداد عزلتها عن أوروبا وأميركا بل وعن الجيل القادم من يهود أميركا.
ويضيف فريدمان أن المنطقة التي تعيش فيها إسرائيل لم تكن أبدا مليئة بالتهديدات كما هي اليوم، فإن كان اليمين الوسط واليسار الوسط في إسرائيل لا يريدون تجنب وضع كوضع جنوب أفريقيا، وهو المستقبل الذي يعده اليمين المتطرف، فعليهم إنشاء تحالف يقنع الأغلبية الصامتة في إسرائيل بأنهم يدركون المخاطر التي تحيق بإسرائيل، وأنهم سيعملون على التخفيف من حدة تلك المخاطر بما يسمح لإسرائيل بالانسحاب من معظم مناطق الضفة الغربية، باتفاق مع الفلسطينيين أو من جانب واحد بشكل آمن.
ويشير الكاتب لما كتبه آري شافيت في هآرتس: "يصعب وصف كم هي مهمة انتخابات 2015، فهذه المرة ليست المسألة مسألة ثمن شقة سكنية أو ثمن أغدية، بل إن كان سيكون لنا بيت أصلا. هذه المرة ليس الأمر متعلقا بالراحة، ولكنه يتعلق بجوهر وجودنا؛ وذلك لأن هذه المرة من يهدد الديمقراطية الإسرائيلية والمشروع الصهيوني من الداخل، يمتلكون قوة لم يسبق لهم أن امتلكوها".
ويعلق فريدمان بالتساؤل: فكيف يمكن إذن للوسط الإسرائيلي أن ينافس في هذه الانتخابات التأسيسية؟
ويجيب "أحسن مقاربة سمعتها كانت من عاموس
يادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية، والطيار الذي قصف المفاعل النووي العراقي. يقول يادلين، الذي يدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن على الوسط الإسرائيلي أن ينافس في الانتخابات على مبادئ رئيس الوزراء المؤسس ديفيد بن غوريون، وذلك يعني دولة (تفهم معنى محدودية إمكانيات بلد صغير)، وتركز على بناء (دولة ذات أغلبية يهودية، دولة ديمقراطية يتساوى جميع سكانها، دولة آمنة حتى لو كان المحيط غير ذلك، ودولة تكون أخلاقياتها العالية بالأهمية ذاتها التي كانت عليها في السابق). وهذا يعني دولة بحدود آمنة مع جيرانها الفلسطينيين".
ويواصل فريدمان "يعد يادلين محللا قويا، وما يقلقه هو أن اليمين الإسرائيلي غائب عن مكانة إسرائيل في أنحاء العالم، واليسار غائب عن المخاطر المحيطة. ومع أنه يعرف أن الأهداف، كما تصورها بن غوريون، لا يمكن تحقيقها بالكامل، وأن إسرائيل لن يكون لديها شريك فلسطيني، إلا أنه يريد من أي حكومة إسرائيلية مستقبلية أن تحاول جهدها لتحقيق تلك الأهداف. وما يميزه عن نتنياهو هو أن يادلين لا يبحث عن أعذار ليقول ليس هناك شريك للسلام، كما فعل نتنياهو، خوفا من تفكك ائتلافه مع اليمين، كما أنه لا يفكر بطريقة المستوطنين اليهود، الذين يعرفون أن مفاوضات حقيقية سيتبخر معها حلمهم التلمودي، بإبقاء السيطرة على الضفة الغربية إلى الأبد".
ويلفت الكاتب إلى "قول يادلين إنه يريد الحكومة الإسرائيلية القادمة أن تستثمر (كل ما لديها من روح إبداعية وطاقة فكرية للتفكير خارج الصندوق)؛ لإيجاد طريق آمنة نحو المستقبل. وقام برسم ثلاث سبل بناء على نظام إدارة السير (ويز دوت كوم)، وقال إنه (كما هو في نظام ويز، الذي يختار طريقا آخر يوصل إلى المكان المقصود نفسه إذا كان الطريق الأول مغلقا)، والطرق
الثلاثة التي اقترحها هي المفاوضات الثنائية والمبادرة العربية للسلام والطريق المستقل".
ويبين فريدمان أن "يادلين يقول إن الطريق الأفضل (هو المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق نهائي، وإن كان هذا الطريق مستحيلا، كما ثبت خلال الفترة 2013- 2014، يكون قد آن الوقت لسلوك الطريق الثاني، وهو المبادرة العربية المعدلة). ويرى أنه يجب محاولة تجريب مدى رغبة الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل إن هي توصلت إلى صفقة مع الفلسطينيين، وكلما قدمت الدول العربية أكثر تعطي الفلسطينيين غطاء أكبر لتقديم التنازلات التي يجب عليهم تقديمها، ويضيف أنه (وإن ثبت أن هذا الطريق أيضا مغلق، فعلينا التحرك على الطريق المستقل، الذي يضمن بقاء حل الدولتين حلا عمليا، وتعيد إسرائيل انتشار قواتها على الحدود؛ لضمان أكثرية يهودية ودولة آمنة)".
ويخلص الكاتب إلى أنه "سيكون نتنياهو مرشحا مهما، ولكن من المثير للاهتمام أن شعبيته نزلت للحضيض عندما دعا لانتخابات مبكرة، وأنا أعرف لماذا: لأن الإسرائيليين مع أنهم متشككون في نوايا الفلسطينيين، إلا أنهم أيضا متعبون من قائد يقول لهم إننا نعيش في منطقة خطرة، وإنه لا مخرج لنا من هذه الحالة، وإننا سنعيش الكثير من أيام أمسنا. ففي بلد نشيدها الوطني يحمل عنوان (الأمل) أصبح رئيس الوزراء رمزا لعكس ذلك لكثير من الإسرائيليين الذين لا يزالون يرنون إلى قائد يحمل صفات بن غوريون، ليحاول مرة وأخرى للتأكد من وجود أمل. وستكون فرصة المرشح أو الحزب الذي يفهم هذه المعادلة أكبر من غيره".