أثارت فقرات في البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي، الثلاثاء الماضي، بخصوص الأزمة
اليمنية الراهنة جدلا واسعا في اليمن بين مؤيد للبيان ومنتقد له، بعد وصفه لسيطرة جماعة
الحوثي على أجزاء واسعة من البلاد بـ"الاحتلال"، ودعوته لها إلى سحب مليشياتها من المدن والمناطق التي تسيطر عليها منذ أيلول/ سبتمبر الماضي.
وكان البيان الصادر عن القمة الخليجية التي عقدت مؤخرا في العاصمة القطرية الدوحة، قد "أدان استخدام العنف من قبل مليشيا الحوثي واحتلالها للمدن (اليمنية)"، معتبرا تلك الممارسات "خروجا على الإرادة الوطنية وتعطيلا للعملية السياسية الانتقالية في البلد".
ودعا البيان جماعة الحوثي إلى "الانسحاب الفوري من المدن التي احتلها، وإعادة جميع المؤسسات والأسلحة التي نهبتها إلى الدولة، كما حث جميع الأطراف اليمنية على الالتزام بتسوية خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور ونبذ اللجوء إلى أعمال العنف لتحقيق أهداف سياسية".
إلا أن البيان لم يرق لجماعة الحوثي (أنصار الله) التي وجدت نفسها المعني الأكبر به، لتشن هجوما لاذعا على مجلس التعاون الخليجي الذي اتهمته بالتحريض السياسي والإعلامي ضدها، والتماهي مع ما وصفته بـ "المشروع الأمريكي" في المنطقة.
وقالت الجماعة في بيان صادر عن مكتبها السياسي يوم الأربعاء، إن "اعتبار قمة الدوحة بعض المحافظات اليمنية مناطق محتلة من قبل أنصار الله ومطالبتهم بالانسحاب منها، هو توصيف يندرج في خانة التدخل المباشر في شؤون الغير، والإمعانَ في ذلك بالتحريض الإعلامي والسياسي والتمويل المالي للعابثين في بلادنا اليمن، كما هو انتهاكٌ للمواثيق الدولية المنظمة للعلاقات بين دول الجوار".
ودعت الجماعة الدول الخليجية إلى مراجعة مواقفها تلك، وعدم التماهي مع ما وصفتها بـ"مشاريع أمريكا الساعية للهيمنة على القرار السياسي في بلادنا (اليمن) ومساندة مراكز الفساد".
وعلق الكاتب المقرب من جماعة الحوثيين محمد عايش، رئيس تحرير صحيفة "الأولى" اليومية على البيان الحوثي بأن "رد أنصار الله على الموقف الخليجي تجاههم، يبدو كرد من لم يفهم الرسالة الخليجية على وجهها الصحيح".
وكتب عايش على صفحته عبر "فيسبوك" أن "بيان القمة الخليجية وصف الحوثيين بالمحتلين وطالبهم بالانسحاب من مؤسسات الدولة ومن المناطق التي انتشروا فيها. وهذا يعني، في الحد الأدنى، أو في الوجه الأكثر إيجابية في الرسالة، أن القمة الخليجية لم تعتمد موقف
السعودية والإمارات المتمثل في اعتبار الحوثيين جماعة إرهابية، وبرأيي فإن ما حدث في الدوحة يبدو كتعديل خليجي لموقفي الرياض وأبوظبي".
وتابع "اكتفى البيان بالتعامل مع الحوثيين، توصيفا وإدانةً، بالاستناد على الوقائع السياسية والأمنية الصرفة في اليمن، دون الذهاب بعيدا ولحد تبني التهمة "الإرهابية" مثلا، أو حتى مجرد تكرير التوصيف الشائع خليجيا عن كون الحوثيين "أداة" بيد طرف خارجي".
وأضاف: "لا أرى الموقف الخليجي الأخير سيئا لهذه الدرجة بالنسبة للحوثيين، إلا أن ردهم جاء منفعلا، فهو رد بكيل الاتهامات للخليجيين دون أن يعير مسألة التباينات داخل دولهم والتي قد تلعب لمصلحة أنصار الله، فلغة البيان تبدو كما لو كانت موجهة لطرف داخلي إجمالا، وليس إلى طرف يشكل بمجمله جل الإقليم الذي يحيط بنا والذي ينبغي دفعه وبأي قدر إلى موقع الحياد على الأقل".
وعايش هو أحد الحوثيين القلائل، أو المقربين من الجماعة كما يفضل هو هذا الوصف، ممن يدعون إلى فتح الخطوط مع الجوار الخليجي وعدم العداء معه لما فيه مصلحة الجماعة ومستقبلها في الحكم، على أساس تبادل المنافع وتقديم الخدمات، كالحرب على الإرهاب، والذي تحاول الجماعة تسويقه لأمريكا أيضا على الرغم من شعارها الشهير (الموت لأمريكا).
إلا أن الموقف الحوثي العام هو العداء مع المملكة العربية السعودية (أكبر دول الخليج والجار الأكبر لليمن) والتي يبني الحوثي مجده على انتقاد دورها التاريخي في اليمن، والذي يقول عنه إنه كان يكرس قوى الاستبداد والفساد، ومن يقول إنه ثار عليها في أيلول/ سبتمبر الماضي لينهى معها حقبة من الهيمنة السعودية في البلد.
غير أن الحوثيين يحاولون التمييز في مواقفهم بين الدول الخليجية، حيث يجدون دولة كعُمان، ذات العلاقة المتميزة من حليفتهم الإقليمية الكبرى
إيران، الأقرب إليهم من بين دول الخليج، والتي فضلوها كوسيط لإطلاق سجناء إيرانيين ولبنانيين ويمنيين متهمين بتهريب السلاح للجماعة من إيران من سجن بـ "عدن" مقابل فك الحصار على مبنى الأمن القومي المخابرات، أثناء اجتياح مليشيا الجماعة للعاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر الماضي.
وبالإضافة إلى عُمان، ربما يجد الحوثيون دولة الكويت قريبة إليهم أيضا لربطها بعلاقة محايدة مع إيران، إلا أن بقية دول الخليج لا تروق للحوثيين وفي المقدمة السعودية لدورها التاريخي والمؤثر في اليمن والذي لا يزال الحوثيون يتوجسون منه ويخشونه، ثم البحرين بتأثير الأزمة الشيعية، والإمارات بسبب تصنيفها لهم كجماعة إرهابية، وقطر وإن بدرجة أقل بسبب دورها في سوريا حيث يتعاطف الحوثيون مع نظام الأسد الشيعي، إلا أنهم يحرصون على إبقاء الصلات معها؛ نظرا لدورها في التوسط بين الحوثيين والدولة في حروب صعدة السابقة منذ 2004 حتى 2008.
ومع أن دول الخليج مجتمعة، باستثناء قطر، هي من ترعى المرحلة السياسية الانتقالية في اليمن منذ العام 2012 عبر المبادرة الخليجية الموقع عليها من قبل الأطراف اليمنية في العاصمة السعودية في (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011)، إلا أنه يمكن القول أن الملف اليمني خليجيا هو ملف سعودي بدرجة رئيسية وأي موقف خليجي تجاه اليمن هو يحتاج إلى أن يعبر الرياض أولاً.
وتملك المملكة السعودية منفردة أو مع دول الخليج الكثير من الأوراق التي يمكنها الضغط من خلالها على جماعة الحوثي المتهمة بالتحالف مع إيران في سيطرتها على اليمن، حيث تستطيع المملكة الضغط سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ولا يزال يمكنها التأثير داخل اليمن على الرغم من التوسع الحوثي السريع.
تدرك كل الأطراف السياسية في اليمن تلك الحقيقة، وأغلبها بادر إلى تأييد البيان الخليجي الأخير عن قمة الدوحة، هل يكون الحوثي استثناء؟. وإن كان، فإلى أي مدى هو يستطيع الذهاب باليمن بعيدا عن المملكة، بعيدا عن الخليج؟
الأستاذ في جامعة الملك سعود والعضو السابق في مجلس الشورى السعودي علي العنيزي، قال إن المملكة ومعها الخليج لن يسمحوا للحوثي بأن يذهب باليمن بعيدا عن محيطه العربي والإقليمي الخليجي باتجاه إيران، وإن السعودية لن تألو جهادا في تصحيح هذا الوضع الذي وصفه بالشاذ.
هذا الوصف استخدمه أيضا مستشار رئيس الجمهورية عبدالكريم الأرياني الذي هاجم في مقابلة صحفية مؤخرا جماعة الحوثي وإيران، اللتين وصف سيطرتهما على اليمن بالوضع الشاذ، والذي قال إنه غير مقبول محليا وإقليميا ودوليا.
ومؤخرا ناقش اجتماع بين وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف والرئيس الأمريكي باراك أوباما في واشنطن الأوضاع في اليمن وسبل توحيد الرؤية بين بلديهما تجاهه، الملاحظ أن اجتماعا مماثلا ضم نجل الملك السعودي قائد الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله والرئيس الأمريكي قبل أسابيع ناقش هو أيضا الوضع في اليمن.
ويبدو أن ثمة سباقا بين ضفتي
الخليج العربي والذي تصر إيران على تسميته بالفارسي على اليمن، على الأرض تبدو إيران هي المسيطرة عبر جماعة الحوثي إلا أن الواضح أن الأمر لم يستقر لها بعد، حيث لا تزال المملكة مؤثرة داخل اليمن، والأكثر تأثيرا أيضا في المحيط الإقليمي والدولي فيما يخص اليمن.