تشهد الساحة السياسية في
الجزائر خلال الأيام الأخيرة، تصاعدا للتوتر بين المعارضة التي رفعت سقف مطالبها إلى الدعوة لتنظيم انتخابات مبكرة؛ بسبب مرض رئيس البلاد عبد العزيز
بوتفليقة، وبين الموالاه التي تعتبر مطالب المعارضة محاولة للقفز على الشرعية وخطوة نحو المجهول.
وكانت دعوة أطلقتها أهم أقطاب المعارضة الجزائرية الشهر الماضي، لتنظيم انتخابات رئاسة مبكرة "لوقف مسلسل الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة"، أثارت حفيظة أحزاب الموالاة التي أكدت أن على الجميع انتظار عام 2019 تاريخ انتهاء الولاية الحالية للرئيس وتنظيم انتخابات جديدة.
ورفعت أقطاب المعارضة الجزائرية من شخصيات وأحزاب منضوية تحت لواء تكتل يسمى "
هيئة التشاور والمتابعة" من سقف مطالبها الشهر الماضي بالتأكيد على أن "الجزائر تعرف أزمة حكم، وأن الوضع السياسي الذي تمر به البلاد خطير وغير مأمون العواقب، بسبب الشلل الذي تعرفه مؤسسات الدولة الناجم عن فساد النظام السياسي وفشله وعدم شرعيته، والذي يعتبر شغور منصب رئيس الجمهورية أحد أسوأ مظاهره بشكل يستدعي التأسيس القانوني لهيئة مستقلة دائمة لتنظيم الانتخابات، وثانيا تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة".
وتعد هيئة التنسيق والمتابعة التي تأسست في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي أكبر تجمع للمعارضة الجزائرية، وتضم رؤساء حكومات سابقين على غرار علي
بن فليس، وعدة أحزاب من كافة التيارات السياسية إلى جانب شخصيات مستقلة وأكاديميين.
ورد عبد القادر بن صالح وهو أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي ثاني أكبر حزب في البلاد، على هذه الدعوة الخميس الماضي بأنه "انتهاج لسياسة الهروب للأمام والمغامرة نحو المجهول بشعارات غير مسؤولة غير بريئة" من قبل المعارضة.
وتابع بن صالح، وهو رئيس مجلس الأمة الغرفة الثانية للبرلمان، والرجل الثاني في الدولة بعد بوتفليقة: "هناك محاولة للقفز على الشرعية الشعبية من خلال محاولاتهم (المعارضة) تغليط الرأي العام الوطني بالادعاء بحالة شغور في منصب رئيس الجمهورية".
من جهته، اتهم عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في لقاء مع أعضاء حزبه الخميس الماضي، أحزاب المعارضة بمحافظة تيزي وزو شرقي العاصمة "بالسعي لإجهاض بناء دولة مدنية بدستور مبني على احترام التعددية".
وتابع: "يجب عليها (المعارضة) أن تعرف أن الانتخابات الرئاسية لن تكون قبل 2019، فالشعب فصل في الأمر يوم 17 نيسان/ أبريل الماضي".
وفاز بوتفليقة شهر نيسان/ أبريل الماضي بولاية رابعة بعد سنة من تعرضه لوعكة صحية نقل على أثرها للعلاج بفرنسا، وبعد عودته للبلاد في يوليو/ تموز من السنة نفسها مارس مهامه في شكل قرارات ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة وضيوف أجانب يبثها التلفزيون الرسمي دون الظهور في نشاط ميداني يتطلب جهدا بدنيا بحكم أنه ما زال يتنقل على كرسي متحرك.
ويلتزم الرئيس الجزائري الصمت حيال مطالب المعارضة، لكنه أعلن في تصريحات له يوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن "الجزائر تستعد لتعديل دستورها وهي تحضر لذلك بجدية وكلها دراية بنضج الأفكار التي أفرزتها المشاورات الواسعة التي نظمت لهذا الغرض" دون أن يكشف عن موعد لذلك أو حتى مضمون هذه التعديلات.
وتابع أن هذه المشاورات التي نظمتها الرئاسة الصيف الماضي وقاطعتها أغلب أطياف المعارضة كان هدفها "الوصول إلى توافق حول المسائل الجوهرية وضمان فعالية حقيقية للأحكام الدستورية الجديدة".
وقال علي بن فليس رئيس الحكومة السابق ومرشح انتخابات الرئاسة الأخيرة في بيان له أمس الأول الأحد: "لا التهم الباطلة أو التهديدات الصريحة يمكنها اليوم النيل من عزيمة المعارضة الوطنية على أداء واجبها الوطني على النحو الذي تمليه عليها مقتضيات الوضع الحرج والدقيق الذي تعيشه الأمة قاطبة".
وتابع ردا على تصريحات قادة أحزاب الموالاة أن "تأليب النظام أزلامه على المعارضة، هدفه تضليل الشارع و إن هذه المحاولات لا تضلل أحدا وخاصة الشعب الجزائري الملم إلماما كاملا بمخاطر الانسداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أوصل هذا النظام البلد إليه".
ووسط هذا الاستقطاب الثنائي بين المعارضة والموالاة، اقترح حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يوصف بأنه أقدم حزب معارض في البلاد تاريخ 23 و24 فبراير/ شباط 2015 تاريخا لعقد مؤتمر "الإجماع الوطني" لجمع كافة الأطياف السياسية في البلاد من أجل مشروع سياسي موحد.
وحزب جبهة القوى الاشتراكية هو أقدم حزب معارض في الجزائر أسسه الزعيم التاريخي المعارض حسين آيت أحمد العام 1963، لكنه اعتزل العمل السياسي العام 2012، ليعيش في منفى إرادي بسويسرا وسلم الرئاسة لقيادة جماعية من كوادر الحزب.
وأعلن الحزب في بيان له الجمعة الماضية أن "الجولة الأولى من المشاورات التي أطلقها شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي شارك فيها 36 طرفا بين أحزاب وشخصيات سياسية ومنظمات أهلية ونقابات".
وحسب الحزب الذي يسعى للتقريب بين مواقف المعارضة والنظام فإن "احزاب الموالاة التي شاركت في المشاورات اعتبرت شرعية الرئيس بوتفليقة خطا أحمر، كما رفضت أي مشروع سياسي يتحدث عن مرحلة انتقالية".
وبالنسبة للمعارضة، يقول الحزب إنها "ترى أن حل الأزمة يستدعي تغييرا جذريا للنظام القائم".
ويستعد الحزب، حسبما أكد في بيانه لإطلاق جولة ثانية من المشاورات مع كافة الأطراف السياسية من أجل إعداد قائمة نهائية للمشاركين في هذا المؤتمر المرتقب.
يشار إلى أن أحزابا وشخصيات منضوية تحت لواء تكتل "هيئة التشاور والمتابعة" المعارض تحفظت على هذه المبادرة بدعوى أن المعارضة لديها مشروعها الخاص لتجاوز الأزمة، لكن المشكلة في النظام الحاكم الذي يرفض أي مشروع للتغيير حسب تصريحات سابقة لقادتها.