ظهر سلطان عُمان
قابوس على شاشات التلفزيون الشهر الماضي، وقد بدا عليه الوهن ليطمئن شعبه على صحته، غير أن غيابه الطويل في الخارج للعلاج أثار المخاوف بين كثير من العمانيين لأن سلطانهم، الذي ليس له ولد يرث الحكم من بعده، لم يعلن اسم الوريث الذي يراه أهلا لقيادة البلاد.
ولا تزال عمان جزيرة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط العاصفة، ويعتقد كثير من العمانيين أن عملية انتقال الحكم يمكن أن تتم بسلاسة عندما يرحل السلطان في نهاية الأمر، وسط مخاوف للبعض أن يؤدي أي غموض إلى تزاحم الورثة المحتملين للسلطان قابوس الذي لا يزال الحاكم المطلق للبلاد، رغم ما أدخله من إصلاحات تدريجية خلال حكمه المستمر منذ 44 عاما.
وحكم السلطان قابوس (74 عاما)، الذي يدعمه الغرب، عمان منذ تولى السلطة في انقلاب أبيض بمساعدة بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة، ومنذ ذلك الحين ساهم في تغيير شكل الحياة في البلاد لتتحول من بلد فقير تقسمه الخلافات الداخلية إلى دولة مزدهرة تلعب دورا مهما رغم صغره في الدبلوماسية الدولية.
ففي عمان على سبيل المثال أجرى دبلوماسيون من إيران والولايات المتحدة اتصالات سرية أدت إلى اتفاق مؤقت أبرم عام 2013 بشأن النزاع النووي الذي عمل لفترة طويلة على زيادة التوترات الاقليمية.
إلا أن المحللين يخشون أن يؤدي أي صراع على السلطة بعد رحيل السلطان داخل أسرة آل سعيد أو بين الأسرة الحاكمة وقادة الجيش إلى اهتزاز استقرار البلاد، إذ من المحتمل أن يشعل ذلك من جديد احتجاجات
الربيع العربي التي تمكنت السلطات من احتوائها عام 2011.
ويعتقد الخبير في شؤون عمان بجامعة إكستر البريطانية مارك فاليري أن على قابوس أن يقتدي بما فعله الملك حسين عاهل الأردن السابق الذي منع أزمة على خلافته كان يخشاها وذلك بإعلان ابنه عبد الله وريثا للعرش قبل أسبوعين من وفاته عام 1999، بقوله إنه يعتقد "أن من الأهمية بمكان أن يقرر من سيخلفه مثلما فعل الملك حسين، وإذا لم يحدد قابوس خليفة بنفسه فستزداد صعوبة ضمان استمرار احتواء الخلافات بين الأسرة."
وأي تهديد لاستقرار عمان يمكن أن تكون له انعكاسات غير مرغوبة على تجارة النفط العالمية إذ يمر 40 في المئة من صادرات النفط الخام المنقولة بحرا عبر مضيق هرمز الذي يفصل بين السلطنة وإيران، وكذلك على العلاقات بين طهران والغرب.
المظروف المغلق
وباستثناء بيانات مقتضبة لطمأنة العمانيين على صحة السلطان لم يذكر البلاط السلطاني أي تفاصيل عن حالته أو طبيعة العلاج الذي يتلقاه في ألمانيا منذ
تموز/ يوليو الماضي، بالإضافة لرسالته التي بثها التلفزيون في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قال فيها السلطان قابوس إنه لن يحضر الاحتفالات بيوم ميلاده، وهو العيد الوطني للسلطنة، وهي مناسبة لم يغب عن المشاركة فيها منذ عزل والده عام 1970.
ولم يذكر السلطان أي تفاصيل عن حالته الصحية سوى الإشارة إلى تحقيق نتائج جيدة تتطلب المتابعة وفق البرنامج الطبي، ومنذ ذلك الحين لم يظهر السلطان سوى مرة واحدة كان يقابل فيها أفرادا من الأسرة الحاكمة.
وبمقتضى الدستور العماني يتعين على مجلس الأسرة المالكة أن يقرر من يخلف السلطان خلال ثلاثة أيام من رحيله، وإذا لم يتوصل إلى اتفاق خلال الأيام الثلاثة يتولى مجلس الدفاع المؤلف من كبار ضباط الجيش ورئيس المحكمة العليا ورئيسي غرفتي مجلس الشورى تثبيت اختيار السلطان المتضمن في وصية سرية مودعة في مغلف مغلق.
غير أن محللين يقولون إن تشكيل مجلس الأسرة المالكة غير معلن، ويبدو أنه لا يوجد من يقوم بدور الوسيط إذا ما نشب خلاف.
فقد قال الباحث في الشؤون الاستراتيجية عبد الله بن محمد الغيلاني إن "هذه الاجراءات المنصوص عليها في الدستور تنطوي على جملة من الثغرات الدستورية: (1) مجلس الأسرة المالكة ليس معروفا لدى الشعب وبحسبانه مؤسسة دستورية، فينبغي أن يكون معروفا بأعضائه واختصاصاته وكيفية تعيينه. (2) هناك فراغ في السلطة لمدة ثلاثة أيام فمن يقود الدولة خلال هذه المدة؟ (3) إعطاء مجلس الدفاع حقا دستوريا بهذا الحجم يعطي ثقلا سياسيا مضافا للمؤسسة العسكرية. (4) إخفاق مجلس الأسرة في تعيين السلطان القادم وانتقال هذا الحق إلى مجلس الدفاع يقلص الأهمية السياسية للأسرة المالكة ويضعف أدوارها المستقبلية."
الربيع العربي
وخلال انتفاضات الربيع العربي نظم العمانيون احتجاجات في العاصمة مسقط ومدن أخرى للمطالبة بوظائف ووضع حد للفساد وزيادة صلاحيات مجلس الشورى المنتخب، في حين سارعت دول الخليج العربية الغنية بالنفط إلى دعم الوضع المالي للسلطنة لتحقيق استقرار البلاد.
وقال فاليري إن السلطان قابوس عزل وزراء ليست لهم شعبية، وحاكم بعض المسؤولين بتهم الفساد، ووعد بإيجاد 50 ألف فرصة عمل جديدة، لكن المظاهرات أوضحت أن السلطة المطلقة لم تعد مقبولة للعمانيين، على حد قوله.
ويقول المحللون إن العمانيين حددوا معيارا عاليا لأي زعيم جديد، فبدوره قال أحمد المخيني، المحلل المستقل والأمين العام المساعد سابقا لمجلس الشورى العماني، وهو من كبار مستشاري السياسات بالمجلس، إن "ما يتطلع إليه العمانيون في أي سلطان جديد أن يكون شابا يمكنه أن يمنح الشعور الذي يولده الوالد، وألا يحظى فقط بالاحترام، بل يعمل على تلبية احتياجات الشعب".
وكان التقدم بطيئا صوب دولة المؤسسات، فقد استحدث السلطان قابوس حق الاقتراع العام في انتخابات مجلس الشورى، وهو أحد غرفتين تأسستا بموجب القانون الأساسي لعام 1996، لكن سلطاته ظلت دون سلطات السلطان، في وقت يقول فيه محللون إن التأييد كبير للأسرة الحاكمة، غير أن غياب الديمقراطية النيابية يجعل السلطنة عرضة للغموض الذي قد يصاحب أي انتقال للسلطة.
وأضاف الغيلاني أن "هناك مطالب متصاعدة لإنشاء نظام سياسي يتحقق فيه: مشاركة سياسية حقيقية، سلطة تشريعية بصلاحيات كاملة، حرية التنظيم، مجتمع مدني فاعل، نظام قضائي مستقل، عدالة اجتماعية، حرية التعبير، الشفافية والنزاهة المالية، المحاسبية، تدابير صارمة لمحاربة الفساد."