كانت
روسيا ومازالت المستفيد الأول من الصراع في
سوريا، و إلى الآن مازالت تحشد طاقاتها وجهودها للاستفادة أكثر و أكثر.
قد يبدو للبعض -كما غرد لي بعض السياسيين، من الذين رفضوا دعوات روسية للتحاور بشأن حل سياسي- أن القرار بإنهاء الصراع في سوريا لن يأتي عبر موسكو، وأن الحل لا بد أن يكون بأمر من أمريكا وإسرائيل، وبصيغة أدق، يبدو لهم رأس بشار
الأسد في حقيبة من يسيطر على قرار اللوبي الأمريكي، وليس في حقيبة بوتين، كما أظهرته دعوات بوغدانوف ولافروف، وغيرهما من ممثلي حكومة موسكو.
لكن موسكو تدرك تماماً من أين تؤكل الكتف، فعلى الرغم من دعمها للأسد، الذي يشكل أهم أسباب استمراره، إلا أنه بكل تأكيد ليس وفاء للصداقة البريئة التي تجمع النظامين، وإنما هي لعبة مافيوية قذرة، تدرك روسيا تماماً كيف تخرج منها بأكبر المكاسب.
ولو دقق الحساب في ما حصدته روسيا من مكاسب إثر الصراع في سوريا، قد يجد السوريون الإجابة على العديد من الأسئلة المتعلقة بالمبادرات السياسية الروسية، التي تخرج إلى الضوء عمياء وقاصرة، وقد يساهم ذلك أيضاً في صوغ طرق التعاطي الأسلم مع المفاوضين الروس، إضافة إلى أنه يبصر بالحجم الحقيقي للدور الروسي مما قد يساعد في التعاطي معه بعقلانية أكبر.
في نوفمبر الماضي، أعلن وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري، في تصريح لجريدة لبنانية بأن سوريا ستحصل قريباً على صواريخ روسية بعيدة المدى، ومضادة للطائرات، وأسلحة أخرى دفاعية ونوعية من شأنها تعزيز قدرات سوريا الدفاعية وتمكينها، وبالتالي مواجهة التحديات المقبلة، هذا وأضاف: "لدينا تسهيلات ائتمانية كافية من الحليف الإيراني، وأن هنالك تجاوباً من الروس حول سلسلة من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية، التي ستساهم في دعم الاقتصاد السوري، وتعزيز الصمود، وإعادة الإعمار".
الاثنين الماضي تصدرت نشرات الأخبار "غارات
إسرائيلة على مواقع سورية تحتوي على أسلحة نوعية نتج عنها أضرار مادية".
يبدو أن هذه الضربات جاءت بناء على إخبارية، نتكهن بأنها روسية، تضمنت استلام سوريا لدفعة من الأسلحة النوعية قادمة من روسيا. و بذريعة الأمن الإسرائيلي، وبحجة منع نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان عدوة إسرائيل، كما جاء على لسان وزير الاستخبارات الإسرائيلية، تم التخلص من هذه الأسلحة.
قد نتساءل ما هي مصلحة روسيا الدولة الصديقة للنظام الأسدي بالإبلاغ عن موقع التسليم و توقيته؟
بكل بساطة، لأنه أسلوب تجاري مافيوي قديم، حيث يتم بيع الأسلحة، وبعد استلام ثمنها كاملاً، ترسل المافيا عصابات تابعة لها من أجل تفجيرها أو إتلافها، بطريقة تكون فيها خارج الشبهات وبالتالي، تستفيد بعقد صفقات جديدة، وأرباح جديدة، من خلال تنشيط عمليات البيع، وإتلاف القديم والفاسد من سلاحها، بكل تأكيد، لن يتسنى لدمشق التأكد من صلاحية الأسلحة التي باعتها إياها موسكو، بعد أن أتلفت جميعاً فور استلامها.
إن اعتماد نظام الأسد على الخبراء الروس و الإيرانيين، و خصوصاً في التدريب على الأسلحة الجديدة، استخدامها، وحفظها و تخزينها، لم يعد خفياً على أحد، وبالتالي فالخبراء الروس قطعاً هم من أشرف على تخزين هذه الصفقة من الأسلحة، و يبدو من تصريحات موشيه يعلون وزير الجيش الإسرائيلي "بأنها تجاوز للخطوط الحمراء وتعرض أمن اسرائيل للخطر". إن ما كان في الهنغارات التي قصفت ثمين للغاية ؟
وأما السؤال الآخر الذي أثارته التصريحات الإسرائيلة المتعددة، لماذا تعقد صفقة
سلاح متطورة باسم النظام السوري، ويتم تسليمها على الأراضي السورية المشتعلة، والمخاطرة باستيلاء مجموعات يصفونها بالإرهابية عليها، و بعدها تحمل إلى لبنان أو إيران؟
ألم يكن أكثر منطقية و أقل تهوراً ، لو تم تسليمها للأراضي اللبنانية أوالإيرانية مباشرة؟ أم أنها مجرد محاولة إخفاء توتر وزعزعة في العلاقة بين إسرائيل و ابنها البار بشار؟
سوريا اليوم أرض خصبة بالنسبة لروسيا، تستثمر حجرها وبشرها، فإضافة إلى ما نشهده من تجارة سلاح وصفقات اقتصادية مشبوهة، تتم بضمانات إيرانية، اليوم سفن النظام السوري التي تعبر إلى روسيا محملة بالثروات، من قطع آثار سورية وأعضاء بشرية يتم بيعها بأبخس الأثمان لتجار قطع الغيار البشرية الروس، يستأصلها النظام من جنوده المصابين بالدرجة الأولى نتيجة لاضطرارهم العلاج في مشاف تابعة للنظام، ومن ثم من المعتقلين و المفقودين، ومن ثم تعود هذه السفن محملة بالأسلحة والحبوب المهلوسة والكوكائين، لتوزيعها على المجندين في النظام السوري.
وهذا كله يتم جهاراً نهاراً دون رقيب ولا حسيب.
اليوم روسيا تعلم تماماً أهمية المرحلة القادمة من الصراع في سوريا، وتأثيره على العلاقات بينهما. وعلى الرغم من اهتمامها في استثمار الصراع اليوم، إلا أنها لا تهمل العمل على صياغة سيناريو مرض لمرحلة ما بعد الصراع، بحيث يدر عليها بالمنفعة الاقتصادية ويحول دون خسارتها لطموحاتها في المنطقة، التي بكل تأكيد لا تقتصر على قاعدة متواضعة في ميناء طرطوس السوري.
هذا إضافة إلى الصراع الروسي الأمريكي، على فرض النفوذ والسيطرة، ومحاولة روسيا سحب البساط السوري من تحت الإدارة الأمريكية لزلق الأخيرة في أزمة سياسية داخلية.
بالنتيجة، ما نراه يرتد سلباً على الشعب السوري و يزيد من همجية الصراع في المنطقة ويعقد من الأزمة أكثر.
أما النهاية المتوقعة لهذا الصراع كما يثبت التاريخ، فهو تقاسم النفوذ بين القوى الكبرى، مما يضمن مصالح كل منها على حساب الشعب الذي تكسرت أظافره، وتمزقت أجنحته، فبات يحلم بأي قرار يضمن أمنه وسلامة ما بقي منه.
ترى هل سيدرك الأسد أخيراً أنه قد وضع رأسه في حجر الثعبان بدلاً من حضن أمه سوريا؟!
نشك في ذلك، لأن الغباء والخيانة قد أظلما بصيرته ففقد القدرة على الإدراك.