منذ إعلان تشاك هاغل استقالته، والصحف العالمية والعربية مشغولة بأسباب هذه الاستقالة والبحث في أقوى المنافسين على كرسي وزارة الدفاع في حكومة
أوباما. الملفت للنظر هو توظيف النظام السوري هذه الاستقالة لتحسين صورته في أعين مواليه، فعلى الرغم من أن النظام
الأسدي عودنا على مواقف مشابهة، إلا أنها لم تتجاوز الوقوف عند أخطاء المعارضة ومشاكلها، ولكن أن تصل الأمور الى البيت الأبيض! نعتقد أنه بلغ من الاستخفاف بعقول مواليه ما نعجز عن وصفه.
من الممكن أن نقبل بأن هنالك خلافاً بين أوباما وهاغل تجاه سياسية أوباما الخارجية بعد متابعة تصريحاتهما المنفردة، والتي غالبا ما اتسمت بتناقض الرؤيا واختلاف في وجهات النظر، وخصوصا في إدارة ملف التحالف الدولي ضد داعش، ولكننا بكل تأكيد نرى من السخف الحديث عن أن أوباما يتخلى عن وزير دفاعه، من أجل الإبقاء على الأسد، وتصريحات أوباما الأخيرة تدل على تغيير واضح في موقفه تجاه الأسد، وهي تقودنا إلى توقع توسيع كبير في آلية التدخل العسكري في العراق وسوريا، والتي ربما لن تقتصر على العمليات الجوية والاستشارات العسكرية فقط وإنما ستتجاوز ذلك لتدخل بري واسع.
لقد حاولت واشنطن ومازالت تحاول دفع الأتراك للتدخل البري في
سوريا، وزجهم في معركة ستستنزف الكثير من إمكانات
تركيا العسكرية والاقتصادية، ولكن الموقف التركي إلى الآن مازال حاسما تجاه التدخل البري في سوريا، ورافضا الدخول مع قوات التحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة في العراق والشام، بل وحتى السماح باستخدام قاعدة إنجرليك البحرية، ما لم يكن هناك خطر حقيقي على الأمن والسيادة التركية، أو الاقتناع بأن تدخلها سيحقق – بالفعل – القضاء على منبع الإرهاب.
لقد أوضح السيد أردوغان سابقا، شروط دعمه لعمليات التحالف بأولوية القضاء على بشار الأسد وحكومته، وإقامة منطقة عازلة، ولكن على ما يبدو أن واشطن لم تكن في الفترة السابقة على استعداد لاتخاذ قرار حاسم بشأن الأسد، وخصوصا مع الخيبة التي تعرض لها أوباما إزاء خسارة حزبه أغلبية المقاعد في الكونغرس الأميركي، والارتباك الذي تسبب به فشل عمليات التحالف في إضعاف قوات تنظيم الدولة، أو حتى تجميدها في مناطق محددة ومنعها من التمدد، هذا إضافة إلى الضعف الواضح في استراتيجيته لإدارة التحالف والتي لم تتعد كونها مسودة أوراق كتبها بقلم رصاص بحيث يتمكن من تعديلها حسب تطور الأوضاع في المنطقة. ناهيك عن الاضطرابات الداخلية التي تعاني منها بعض الولايات الأميركية بين الحين والآخر – كان آخرها الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها ولايات أميركية نتيجة عدم إقرار هيئة محلفين عليا، وتوجيه اتهامات جنائية إلى ضابط شرطة أبيض أطلق النار على شاب أسود أعزل مما تسبب في وفاته في بلدة فيرغسون بولاية نيوجرسي- والتي إن دلت على شيء فهي تدل على الأخطاء القاتلة في المنهجية السياسية التي يتبعها أوباما وعجزها عن تحقيق الهدوء والاستقرار والأمن في الولايات المتحدة الأميركية.
حاليا: وبعد المحادثات التي تمت بين أردوغان وبايدن نائب الرئيس الأميركي، وعلى الرغم من التصريحات التي تؤشر على استمرار بعض التشنج في المواقف بين الحكومتين، إلا أنهما اتفقتا على أن المرحلة القادمة لسوريا يجب أن تكون انتقالية و بدون الأسد، هذا بالضبط الخيار الذي يرضي تركيا، وهذا فقط ما قد ينبىء بإمكانية تعاونها وتنسيقها مع التحالف، وربما مشاركتها في قيادة المرحلة القادمة من عمليات التحالف ضد تنظيم الدولة، بعد صياغة استراتيجية أميركية تركية جديدة لتسيير الأوضاع في المنطقة.
لقد جاء عن لسان بايدن في مؤتمر صحفي : " فيما يتعلق بسوريا بحثنا ليس فقط حرمان تنظيم الدولة الاسلامية من ملاذ آمن ودحره وهزيمته، لكن أيضا تقوية شوكة المعارضة السورية، وضمان فترة انتقالية بعيدا عن نظام الأسد". وهذا تحديدا ما تنتظر تركيا توقيعه مع واشنطن قبل أن تقوم بأي تدخل عسكري في سوريا.
منطقيا؛ لن ترغب الإدارة الأميركية في توسيع عملياتها العسكرية، لتشمل القوات البرية، دون الاعتماد على قواعد عسكرية محمية وقريبة كقاعدة إنجرليك البحرية، والتي ستكون بكل تأكيد تحت تصرفها في حال موافقة الحكومة التركية على ذلك هذا إضافة إلى مكاسب أخرى كمشاركة قوات من الجيش التركي والدعم اللوجستي وإمكانية مراقبة سير العمليات عن قرب ومتابعتها، وهذا لن يتحقق حسب ما يبدو دون أن يكون من أولويات التدخل العسكري ضرب نظام الأسد، ودعم المعارضة السورية وعليه يحتم بالضرورة تقديم التنازلات من كلا الفريقين.
سواء- عند الشعب السوري - أن نتج رفض تركيا الانتقال السياسي السلمي للسلطة في سوريا عن رغبة الأتراك في تلقين الأسد درسا، يكون عبره لمن قد يتجرأ على التواقح مع العثمانيين من دول الجوار لاحقا، أم كان نتيجة لقراءة الواقع السياسي الهش والبشع للمعارضة السورية، وبؤر الخلافات الكبيرة بين أعضائها والتي لا تبشر بإمكانية التوصل إلى انتقال سياسي سلمي منصف بحق الشعب السوري ومرض له، أم كان رغبة من تركيا في تعديل خريطة المنطقة بما تراه مناسبا لأمنها ومصالحها في المنطقة، فإن من يتابع ردات فعل الشارع السوري، على المبادرات والخيارات السياسية السلمية وخصوصا تلك التي تعطي الأسد صلاحيات للبقاء فترة انتقالية مع تقليص صلاحياته تبدو مرفوضة وبعنف وبشدة لدى أغلبية السوريين، وأما المطلب الواضح لدى الغالبية، فهو ضرب الأسد واقتلاع نظامه الإجرامي الدموي الذي يتغذى على دمائهم؛ علويين وسنة. وأخباره تشير إلى أن وجبته المفضلة :أعضاؤهم التي يتاجر بها أيضاً- ويمكننا الجزم بأنه تعدى أن يكون مجرد مطلب قابل للتفاوض، فهو ضرورة حتمية لتحقيق الهدوء والاستقرار الداخلي على حدود تركيا الجنوبية في سوريا.
لقد أدرك أوباما أنه قد فشل تماماً وأن عليه أن يستعين بتركيا لينجح في الاختبار الأخير قبل أن يُعلِن البيت الأبيض والبنتاغون رسوبه ومن ثم
سقوطه سياسياً بعد سقوطه أخلاقياً.