يعلق الكاتب إيان بلاك على
التعاون التكتيكي بين الولايات المتحدة وإيران في الحرب ضد
تنظيم الدولة الإسلامية، قائلا إنه تعبير واضح عن المثل القديم "عدو عدوي صديقي"، وهو مثال يصدق على العلاقة المعقدة، ولكن إلى حد معين.
ويشير بلاك إلى أن التأكيدات التي صدرت عن واشنطن، التي قالت فيها إن
إيران أرسلت مقاتلات لشن هجمات ضد الجماعات الجهادية في محافظة ديالى شرق
العراق، والتي نفاها الإيرانيون، منسجمة مع استراتيجية إيران المتعلقة بجارها العراق، حيث تلعب دورا مهما في مواجهة المقاتلين السنة المتشددين.
ويضيف الكاتب أن التفاصيل عن التنسيق بين طهران وواشنطن هي متساوقة مع المصاعب التي يواجهها كل طرف في التعامل مع عدو قديم، حتى لو أجبرتهما المصلحة للتعاون، وإن بشكل مؤقت، والوقوف في الخندق نفسه. وربما يقول الطرفان الحقيقة.
ويلفت الكاتب في هذا الاتجاه إلى نموذج التعاون الأميركي- الإيراني في أفغانستان في مرحلة ما بعد 11 / 9. ففي نهاية عام 2001 قدمت الولايات المتحدة الغطاء الجوي والمعلومات الأمنية للتحالف الشمالي، حلفاء إيران، وفي الوقت نفسه قامت إيران باختيار أهداف طالبانية وزودت المقاتلات الأميركية فيها. ولكن شهر العسل القصير انتهى عندما وضع جورج دبليو بوش طهران فيما أسماه "محور الشر" إلى جانب عراق صدام حسين وكوريا الجنوبية، ما عزز من الموقف الإيراني تجاه "الشيطان الأكبر" أي أميركا.
ويبين بلاك أن المشاعر العدائية المتبادلة لا تزال واضحة، حتى بعد التوصل لاتفاق مبدئي حول مشروع إيران النووي ورسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، في محاولة لتسوية تنهي طموحات إيران النووية.
وتذكر الصحيفة أنه تمت مناقشة موضوع العراق على هامش المفاوضات الطويلة حول الملف النووي. ولكن لا توجد أدلة حول تعاون أو تنسيق مباشر، مثل المشاركة في غرفة عمليات مشتركة يجلس فيها الضباط الأميركيون والإيرانيون جنبا إلى جنب.
ويفيد التقرير أن التنسيق مع الحكومة العراقية يتم في بغداد، التي طلبت دعم الطرفين، أي إيران والولايات المتحدة في محاولة لهزيمة تنظيم الدولة.
وينقل التقرير عن الخبير حسين رسام قوله: "في السياق العراقي لا يحتاج الإيرانيون للتنسيق مباشرة مع الأميركيين"، مضيفا "كل ما يريدونه هو العمل مباشرة مع الجيش العراقي، فالإيرانيون لا يرغبون بعلاقات ثنائية مباشرة مع الأميركيين، وهذا لم يحدث؛ لأن عدم الثقة لا تزال قائمة".
ويرى بلاك أن هناك سببا آخر له علاقة بالنزاع السوري، فالبلدان يقفان على جانبين مختلفين من الحرب السورية، ففي الوقت الذي تدعو فيه الولايات المتحدة للإطاحة بنظام الأسد ودعم المعارضة السورية المعتدلة، تدعم إيران النظام السوري كونه خيارا استراتيجيا وتزوده بأسلحة ومساعدات مالية.
ويجد الكاتب أنه رغم العداء المتبادل بين البلدين إلا أن واشنطن وطهران اشتركتا في المصالح في العراق، حتى في الوقت الذي كان فيه الحرس الثوري الإيراني يدرب الميليشيات الشيعية العراقية؛ كي تنفذ عمليات ضد القوات الأميركية.
ويتابع بلاك أنه في الوقت الذي تمتع فيه نوري المالكي، المسؤول عن تعزيز الطائفية في العراق بدعم أميركي وإيراني عند انتخابه، إلا أنه استبدل به الآن شخصية متفق عليها، وهو حيدر العبادي الذي انتخب قبل شهرين.
ويشير الكاتب إلى تقرير لموقع "ستراتفور"، الذي يقول فيه إن تنظيم الدولة الإسلامية لديه القدرة لشل الحكومة في بغداد، ويمكن أن يضعف موقفها في العراق، حيث توسع التنظيم وسيطر على مدينة الموصل في الصيف الماضي.
ويوضح بلاك أن الصفقة التي تمت بين أميركا وإيران تقوم على تعزيز طهران للاستقرار في الجنوب، فيما تؤثر أميركا على حلفائها في الشمال، وهم الأكراد، طالما ضمنت إيران تدفق النفط العراقي من الجنوب.
ويقول الكاتب إن المفوض السامي الإيراني في العراق الجنرال قاسم سليماني، وقائد فيلق القدس قام بتعزيز وتنسيق عملية الدفاع عن بغداد، وتعاون مع الميليشيات الشيعية والقوات الكردية. وكشفت إيران في الأسابيع القليلة الماضية عن دورها شبه السري، حيث يحتفظ سليماني بعلاقات مع حزب الله اللبناني وجماعات فلسطينية، ولديه دور إداري في الحرب السورية.
ويتوقع بلاك تباينا في المصالح الأميركية – الإيرانية على المدى البعيد. فالولايات المتحدة ترغب بنشوء ديمقراطية شاملة لأطياف العراقيين كافة، فيما ترغب إيران بحماية الشيعة والمقامات الشيعية وتعزيز وضعها ضد السعوديين ودول الخليج الأخرى.
ولإيران حلفاء يعتمدون عليها في العراق، خاصة عصائب الحق التي عبرت عن مواقف معادية تجاه أميركا.
وتنقل الغارديان عن توبي دودج، الباحث في مدرسة لندن للاقتصاد، قوله: "إن هناك نوعا من التعايش بين الأميركيين والإيرانيين من خلال الوسطاء العراقيين حول ما يمكن للأميركيين فعله وعدم فعله".
ويذهب دودج إلى أن الأميركيين يستخدمون العراقيين أداة تنفيذ، فهناك مجموعة من القوى العاملة على الجبهات لا يمكن للولايات المتحدة العمل معها، وبعضها جماعات طائفية خبيثة يسيطر عليها سليماني".
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة لرأي دودج بأنه "ربما اعتقد الأميركيون أن هناك توافقا في المصالح مع طهران، ولكن هذا اعتقاد خاطئ. فسياسة طهران دائما تعمل على جعل النزاع طائفيا والعودة للشوفينية الإيرانية، وهو عكس النتيجة التي يريدها الأميركيون، وهي مواطنة ومساواة للجميع في ظل دولة العراق".