ملفات وتقارير

جنود "فضائيون" في العراق.. ورواتبهم في جيوب قادتهم

(عربي21)

هل هناك من يصدق أن مراجعة أولية وسريعة جدا لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وفي حيز ضيق في وزارة الدفاع، تؤدي إلى كشف هذا الغاطس في الفساد في المؤسسة التي يفترض أنها من أكثر المؤسسات دقة في سجلاتها وتدابيرها وإجراءاتها وأوجه الإنفاق فيها وهي المؤسسة العسكرية؟ كيف كان يمكن الوصول إلى هذه الحقائق المروعة في أسابيع، وهي التي ظلت عصية على الكشف أكثر من عشر سنوات؟ هذه الفضائح عبرت كل ما هو معقول وقابل للتصديق من أوجه الفساد..

بهذه العبارات الحزينة بدأ حديثه ابن المؤسسة العسكرية الذي عاصرها من مقتبل عمره حتى وصل إلى رتبة لواء ركن، قبل أن يرمى على رصيف الزمن بقرار حل الجيش العراقي الذي اتخذه حاكم العراق الأمريكي بول بريمر.

يقول اللواء الركن المتقاعد لـ"عربي21"، إن السجلات الرسمية للجيش العراقي كانت دقيقة، لدرجة أنها كانت تزعج الكثير من صغار الضباط الجدد لأنهم أصحاب خبرة محدودة، ليتفهموا أن "فلس الحكومة" يحرق غابة، كما كان أحد كبار قادة الجيش العراقي يقول، ولكنهم مع الوقت كانوا يجدون في ما تذمروا منه في بداية حياتهم العسكرية، مثار فخر وحماية لهم وللمؤسسة التي ينتمون إليها، حسب قوله.

ولكن ما أعلنه حيدر العبادي عن وجود 50 ألف "جندي فضائي"، وهو مصطلح عراقي يضاف إلى مصطلحات الفساد المالي والإداري، في ملاك أربع فرق عسكرية عراقية من جيش ما بعد الاحتلال الأمريكي ودمج الميليشيات داخل المؤسسة العسكرية، يعني أن أربع فرق لا يزيد عدد منتسبيها عن عشرة آلاف عسكري، كانت تتسلم مرتبات جنود لتسع فرق كاملة.

ولو عرفنا أن الفرقة الواحدة تتألف من ثلاثة ألوية، وأن اللواء يتألف من ثلاثة أفواج على الأقل، وأن الفوج يتألف من ثلاث سرايا على الأقل، فعلينا أن نتوقع كيف كانت المناصب تباع في زمن رئيس الوزراء السابق نور المالكي، حسبما يقول منتقدوه.

وفي كشف لواحد من أوجه الفساد، قال أحد الضباط الذي لم يشأ التعريف بنفسه، إن كل آمر فوج كان يتسلم رواتب 40 جنديا "فضائيا"، وإذا عرفنا أن معدل راتب الجندي الواحد يصل إلى 750 دولار، فعلينا أن نتوقع المكاسب التي يحصل عليها من دون وجه حق. ولكن ما هي المكاسب التي يحصل عليها آمرو السرايا والألوية وقادة الفرق".

في حديث حيدر العبادي آنف الذكر، كسر رئيس الوزراء حاجز الصمت عن واحدة من أسوأ ظواهر الفساد التي نخرت بالمجتمع العراقي، وأظهرت أن ما كان يطرح من جانب أجهزة الإعلام ومن جانب منظمة الشفافية الدولية وتنكره حكومة نوري المالكي بقوة وتتهم من يتحدث فيه بالإرهاب والانتماء لحزب البعث، عن تربع العراق على عرش الفساد في العالم لعدة سنوات متتالية، كان صحيحا جدا، ولكن تنقصه الدقة في جانب واحد، وهو أن حجم الفساد في أية وزارة من الوزارات العراقية لو تمت مقارنته بالدول التي تلي العراق في الجدول المعتمد عن مستويات الفساد في العالم، لوجدنا أن فسادا في  وزارة مثل وزارة الدفاع يفوق بعدة أضعاف حجم الفساد في كل من الصومال وأفغانستان والسودان واليمن، وذلك بحكم حجم الأموال المخصصة لموازنة الدفاع وبحكم ما يمتلكه العراق من ثروة.

كان المالكي يشغل منصب وزير الدفاع ووزير الداخلية بشكل فعلي طيلة ثماني سنوات من حكمه، فهل يمكن أن يكون المالكي بعيدا عن هذا؟ فإذا كان يعرف به وسكت عليه لضمان ولاء المؤسسة العسكرية له شخصيا فهو شريك في الفساد بصورة مباشرة. وإذا كان المالكي جاهلا بما جرى، فهذه كارثة أيضا؛ لأن معنى ذلك أنه شغل مناصب من دون استحقاق وبلا أدنى حرص أو دراية أو أمانة، ويمكن أن تنسحب هذه المسؤولية على المالكي في دوره رئيسًا للوزراء، لأن الفساد ينمو مع نمو المناصب التي يحتلها الفاسدون أو المتسترون عليهم.

قبل أن ينجز حيدر العبادي مهمته في وزارة الدفاع، اتخذ قرارا بإحالة 24 من كبار قادة وزارة الداخلية التي كان يشغلها نوري المالكي بنفسه، يقول مراقبون سياسيون وأمنيون، إن مباشرة العبادي بملفي الدفاع والداخلية، لا يعدو عن كونه رسالة للمالكي بأن عهده يخضع الآن لعملية تعرية بطيئة ولكنها قوية، وتقول لطهران إن وقوفها مع المالكي لم يعد يخدم سمعتها، ولمرجعية النجف إن عليها أن تؤكد مصداقيتها بتبني سيرة الإمام علي بالتصدي لسارقي المال العام.