مقالات مختارة

الشفرة الجديدة لمسيرة السلام

1300x600
لقد كانت الدعوة التي أطلقها "جميل بايك" الرئيس المشترك لمنظمة المجتمع الكردستاني "KCK"، مطالبا فيها بأن يكون الأمريكان هم "العين الثالثة" في مفاوضات "مسيرة السلام الداخلي"، بمثابة شفرة. ليس هذا فحسب، بل تعتبر تلك الدعوة أهم منهج وصيغة يمكننا من خلالهما فهم السبب في تأزم مسيرة السلام، وفهم حقيقة الأحداث التي شهدتها تركيا يومي 6 و 8 الشهر الماضي، بل وفهم كل من "كوباني-عين العرب"، وتنظيم الدولة الإسلامية والظرف الجديد لتلك الدعوة، كان بمثابة نافذة مهمة انفتحت أمامنا من أجل فهم نموذج العلاقة الجديدة التي طورتها الولايات المتحدة الأمريكية مع منظمة "بي كا كا"، أي فهم الوضع الجديد الذي ظهر قبالتنا. لكن الشفرة التي سأعرضها عليكم، لها علاقة بالنهج الذي تتبعه أنقرة.

لا يخفى عليكم أن الأحداث التي شهدتها تركيا، يومي 6 و8 الشهر الماضي، قد أدت إلى حدوث صدمة نفسية في الدولة، وذلك بقدر ما رأيت ولاحظت، فهذه الأحداث كانت تخدف للقضاء بالكامل على مسيرة السلام، هذا بالرغم من خريطة الطريق التي رُسمت مع حزب "الشعوب الديمقراطية" و"جبال قنديل" و"عبد الله أوجلان" زعيم "بي كا كا" الذي يقضي عقوبة السجن في جزيرة "إيمرالي".
الشعور بالخديعة.

لهذا السبب كان لتك الأحداث دور كبير في الاتجاه نحو إعادة النظر في مسيرة السلام. وهذا لا يعني أن هناك أي شكوك في تلك المسيرة، لكن لا بد من إجراء عملية "فحص وتوازن" عليها حتى تستقيم الأمور.

كنت قد ذكرت في مقالي الذي نشرته تحت عنوان "كوباني صغيرة واللعبة كبيرة"، أنه تم تأسيس منطقة ذاتية الحكم بالعراق للأكراد الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة ضد الرئيس الراحل "صدام حسين". ونفس اللعبة يتم حبكها الآن في سوريا. كنت قد قلت إن الخطة التي تجري في سوريا تهدف إلى إهداء "روج آفا" التي أضحت ذاتية الحكم، لعناصر حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذين يتعاونون مع أمريكا. لكن هذا التعاون الكردي الأمريكي له عدة مراحل سأعرضها على النحو التالي:

بخصوص المرحلة الأولى يمكننا القول إن أكبر عقبة تعترض طريق مسيرة السلام، هي الوضع الحالي في سوريا. فهذا الوضع يزداد سوءً مع مرور الوقت، وتحول إلى ورقة يتم من خلالها إعادة تصميم المنطقة وتقسيمها من جديد. نحن نحاول شرح كيفية إعادة تصميم المنطقة من خلال "كوباني"، ولعل هناك من يريد تحميل تركيا القسم الأكبر من فاتورة إعادة التقسيم هذه. وهنا يمكننا القول إن الولايات المتحدة تستخدم ورقتين:

1- "الدولة الإسلامية"

2- "بي كا كا" وحزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD)

لا شك أن تنظيم "داعش" الذي صممته الولايات المتحدة، وزُرع في رحم النظام السوري، وكانت ولادته في العراق، يتم استخدامه كسيف حاد خاص بأمريكا. 

وحينما نأتي للعراق، نجد أن أول شيء فعله هذا التنظيم الإرهابي، أنه احتجز موظفي القنصلية التركية بالموصل. والسؤال ما هي المشكلة بين تركيا و"داعش" الذي يدعي أنه ممثل العرب السنة؟ ولماذا تراجع هذا التنظيم عن التوجه إلى بغداد التي تقع تحت سيطرة الشيعة، وتمثل عاصمة السنة، واتجه إلى مدينة أربيل التي يسيطر عليها الأكراد السنة؟ ولماذا تغض الولايات المتحدة التي تعرف كل صغيرة وكبيرة في العراق، الطرف عن الألاف من عناصر هذا التنظيم وهم يتحركون من سوريا والعراق بسياراتهم ماركة "تويوتا"؟ وهل هجوم هذا التنظيم على "كوباني" بات يشكل تهديدا، بعد أن تم التغاضي عن سيطرته على الموصل، ووصوله حتى أبواب أربيل، وتوجهه من هنالك إلى سوريا؟

لا جرم أن كل هذا يشكل جزءً من الخطة. لأنه هناك مكانان يتم تهديدهما من خلال "داعش" و"بي كا كا" وهما:

1- تركيا

2- وإقليم شمال العراق بقيادة "مسعود بارازاني".

مما لا شك فيه أن نفط الأكراد له دور كبير في هذه اللعبة. لذلك تسعى الولايات المتحدة من خلال "داعش" وعناصر "الاتحاد الديمقراطي"، لتهديد كل من تركيا وأربيل مهندسي الاتفاق الخاص بنفط الأكراد. وفي هذا السياق كان ينبغي على تركيا حينما وصل "داعش" لأبواب أربيل، أن تكون بجانب بارازاني الذي عقدت معه شراكة استيراتيجية قبل الجميع، وقبل كل شيء. وبالفعل اتخذت أنقرة قرارا في هذا الشأن. لكن تحرك الآلية داخل الدولة بمنطق تركيا القديمة، وضع تركيا في موقف صعب. فكيف ستعقدون اتفاقية للنفط مع بارازاني، وكيف لن تكونوا بجوار أربيل، وهي تخوض صراع بقاء أو فناء؟ فلا يمكن بهذا المنطق، أن تكونوا قوة عظمى في الشرق الأوسط.

أما المرحلة الثانية للعلاقة بين الولايات المتحدة و"بي كا كا"، فتهدف إلى "تحويل مسار النفط الذي يمر عبر الأراضي التركية، من خلال تحويل أنابيب النفط عبر الممرات العراقية والسورية، لتصب في نهاية المطاف في البحر المتوسط.

ولنكتفي في هذا الأمر، بالإشارة إلى أهمية النضال الذي خاضه وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي "تانر يلديز" أمام الضغوط الأمريكية من أجل عرقلة ضخ النفط الكردي إلى تركيا.

وهكذا يتضح لنا أن دعوة "بايك" لجعل الولايات المتحدة بمثابة الطرف الثالث في "مسيرة السلام"، وكذلك الزيارة التي قام بها "صلاح الدين دميرطاش" الرئيس المشترك لحزب "الشعوب الديمقراطية"، فيما بعد لأمريكا، أمران يشكلان الجوانب الخارجية للعلاقة التي تربط بين واشنطن والأكراد.

وبذلك نكون قد سلطنا الضوء على المخاطر التي تعترض طريق "مسيرة السلام" ونفط الأكراد. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل طاولة مفاوضات حل القضية الكردية في تركيا، يمكن أن تنقلب في ظل هذه الأوضاع؟. 

منظمة "بي كا كا" تريد أن تكون تركيا هي الطرف الذي يقلب هذه الطاولة. وكان هذا هو الهدف من أحداث يومي 6 و 8 أكتوبر الماضي. لكن تركيا حريصة كل الحرص، على عدم قلب تلك الطاولة. لكن هذا لا يعني تقديم تنازلات لـ"جبال قنديل". ومن ثم فإن الحكومة بعد تلك الأحداث، أضافت قاعدة "النظام العام" على "مسيرة السلام". هذا وأظهرت أحداث 6 و 8 أكتوبر، أن "جبال  قنديل" تسعى لتقييد قوة "أوجلان".

خلاصة القول طاولة "مسيرة السلام" ستبقى. وإن هربت "بي كا كا" من الجلوس عليها، فالحكومة ستتجه إلى الشعب الكردي، وتبحث عن عناصر تمثلهم لتُجلسهم على الطاولة، وتمضي معهم في استكمال تلك العملية. أما "بي كا كا" التي أخذت تتدلل بسبب العلاقة التي تربطها بالولايات المتحدة، فسيكون لها شأن آخر. وهكذا أكون قد كتبت أكثر السياريوهات سلبية في هذا الخصوص.

أما الشفرة الجديدة لمسيرة السلام، فهذ إعلان "بي كا كا" تركها الكفاح المسلح. فالخطوة التي ستتخذها تلك المنظمة التي لم تفِ حتى الآن بالوعود التي قطعتها على نفسها بخصوص الانسحاب، وخارطة الطريق سيكون إعلانها إنهاء الكفاح المسلح في تركيا. ومسألة "العين أو المراقب الثالث"، وعمليات التطبيع ستكون، ستكون في مرحلة قادمة.

وأخيرا أقول إننا نمر بمرحلة صعبة بخصوص مسيرة السلام.

( يني شفق 26/11/2014)