قال رئيس
حركة النهضة والتغيير السلفية في جنوب
اليمن الشيخ عبد الرب السلامي إنّ "الوحدة مع الشمال انتهت، بعدما فشل نظام الرئيس السابق علي صالح في إعادة الشراكة مع أبناء الجنوب، عقب حرب صيف 1994".
وأوضح في حوار خاص لـ"عربي21"، أن "هناك فجوة بين المسارين الثوري والسياسي في الشارع الجنوبي المطالب بالانفصال، نتيجة تنازع القيادات السياسية وارتمائها في أحضان الدول الإقليمية متجاوزين مسؤوليتهم الوطنية تجاه مطالب أبناء
المحافظات الجنوبية".
ولفت السلامي إلى أن "أبناء التيار السياسي السلفي في جنوب اليمن، يقفون مع خيار الشارع الجنوبي في استعادة الدولة وتقرير المصير، عبر إنهاء الوحدة مع الشمال التي تحققت في 22 أيار/ مايو 1990".
وبيّن رئيس حركة النهضة السلفية أنّ "إيران، باتت طرفا مؤثرا في المشهد السياسي في جنوب اليمن، بعدما تمكنت من استقطاب بعض القيادات الجنوبية المطالبة بالانفصال عن شمال البلاد، وهو ما ترافق مع انشغال بعض الدول الإقليمية بدعم نظام الرئيس السابق علي صالح" .
وفيما يلي نص الحوار:
* بداية.. نود أن نعرف موقفكم كحركة سلفية من تطورات المشهد العام في جنوب اليمن.
- حركة النهضة للتغيير السلمي حاضرة في المشهد العام في جنوب اليمن منذ إشهارها في مطلع عام 2011م، وهي اليوم أحد المكونات الرئيسة في الساحة السياسية الجنوبية، وقد شاركت الحركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل بستة من أعضائها ضمن مكون الحراك الجنوبي وشباب الثورة. وللحركة حضور في الحراك السياسي في الجنوب منذ مشاركتها في المؤتمر الجنوبي الأول المنعقد في القاهرة عام 2011، ثم في لجان الحوار الجنوبي وفي المجالس الوطنية الجنوبية، وللحركة اتصالات مع أطراف دولية وإقليمية لدعم الحل السياسي للقضية الجنوبية..
* ماذا عن حالة الاحتجاج التي تطالب بالانفصال عن الشمال؟
- على الصعيد الثوري، شباب النهضة مرابطون في ساحات الاعتصام وفي فعاليات الحراك الجنوبي المختلفة منذ انطلاقة الحركة في شباط/ فبراير 2011م، كما أن رموز الحركة الجماهيريين هم أبرز خطباء الساحات، وقد تصدروا قيادة أربع مليونيات جماهيرية من المليونيات الكبرى التي شهدتها مدينة عدن جنوب اليمن، خلال السنوات الثلاث الماضية..
وعلى صعيد الحراك المجتمعي، فإن الحركة حاضرة في منظمات المجتمع المدني والنقابي والمجالس الأهلية وهيئات إغاثة الجرحى والمتضررين، وكذلك في الوسط الثقافي من خلال رموز الحركة الفكرية ومنتدياتها الشبابية، بهدف الدعوة إلى الفكر الإسلامي التجديدي المستنير وتجسيد رؤية الحركة المدنية.
* هل حسمتم خياراتكم باتجاه إنهاء الوحدة مع الشمال، في ظل تصاعد مطالب أبناء الجنوب نحو هذا المنحنى؟
- حركة النهضة السلفية في المحافظات الجنوبية ترى أن الوحدة في ظل الدولة الوطنية المعاصرة تحكمها مصالح الشعوب، ولهذا حسمت الحركة موقفها من وحدة 22 أيار/ مايو 1990م مبكرا، فرؤية الحركة المقدمة إلى المؤتمر الجنوبي الأول المنعقد في القاهرة عام 2011م، تنص على أن تلك الوحدة قد انتهت بسبب فشل نظام الرئيس السابق علي صالح بعد 1994، في إعادة الشراكة مع الجنوب.
ومن هذا المنطلق حددت حركة النهضة توجهها السياسي باتجاه إيجاد حل سياسي للقضية الجنوبية ينطلق من قاعدتين: الأولى- الإقرار المبدئي بفشل وحدة 1990م، والثانية- الشراكة في بناء دولة مدنية اتحادية جديدة مع الاحتفاظ بحق شعب الجنوب في الاستفتاء عليها، وهذا ما كانت تتمناه الحركة السلفية من ثورة 11 فبراير 2011، وهذا هو ما تبناه أعضاء الحركة في مؤتمر الحوار اليمني.. وإن كان قد تحقق شيء من الإنجاز المحدود في هذا الاتجاه في مؤتمر الحوار، فإنه للأسف باتت مخرجات الحوار اليوم مفرغة من محتواها، لا سيما بعد فشل العملية السياسية في صنعاء التي أجهزت عليها أحداث 21 أيلول/ سبتمبر 2014م الأخيرة، وهو ما جعل الحركة تزداد قناعة أكثر من أي وقت مضى بخيارها الاستراتيجي لحل القضية الجنوبية القائم على حق شعب الجنوب في تقرير مصيره بإرادته الحرة.
* ما الدور الذي يلعبه سلفيو الجنوب في ساحة الاعتصام المقامة في مدينة عدن للمطالبة بإنهاء الوحدة مع الشمال؟
- قبل فعالية 14 من تشرين الأول/ أكتوبر 2014م بعشرة أيام، دعت حركة النهضة على لسان رئيسها جماهير الشعب في الجنوب إلى الاحتشاد في مليونية سلمية، ودعتهم للاستعداد إلى البقاء للاعتصام في الساحة.
* لماذا أنتم تصرون على الاتجاه نحو هذا المنحنى؟
- .. إدراكًا منا لأهمية هذه المرحلة في تاريخ القضية الجنوبية التي تتطلب تصعيدا ثوريا جديدا، لا سيما بعد انسداد أفق الحل السياسي، وظهور بوادر الإجهاز على قضية الجنوب من قبل النافذين الجدد في صنعاء.
وتنظر حركة النهضة السلفية إلى ساحات الاعتصام الحالية في مدينتي عدن والمكلا على أنها حلقة من حلقات النضال الثوري الجنوبي الطويل. ولذا فقد دفعت الحركة بشبابها إلى هذه الساحات من أول يوم من أيام الاعتصام، فشباب النهضة السلفية اليوم ملتحمون مع المعتصمين في مخيمات مدينة عدن، وفي اللجان التنظيمية للاعتصام، وتهدف الحركة من هذا الحضور إلى الإسهام في هذه المحطة النضالية من جهة، وإلى الإسهام في الحفاظ على سلمية الاعتصام وترشيد المعتصمين من جهة أخرى.
* ما طبيعة العلاقة بين سلفيي الجنوب والتيارات الأخرى، ومنها الحراك الجنوبي بتعدد فصائله؟ وهل أعلن سلفيو الجنوب فك ارتباطاتهم السياسية مع سلفيي الشمال؟ أم أن الأمر أبعد من هذا السياق؟
- أنا لا أحبذ هذه المصطلحات.. سلفيو الجنوب وسلفيو الشمال.. الخ. يا أخي، نحن بلد مسلم، وهذه قضايا وطنية وسياسية نعمل فيها من منطلق كوننا حملة مشروع وطني، وليس من منطلق كوننا مذاهب سلفية وغير سلفية.
أما التيارات التي ما زالت تتخندق في مشاريعها السياسية تحت عباءات طائفية ضيقة، فنحن على مفترق طرق معها، سواء كانت في الشمال أم في الجنوب.. لأن مآل المشاريع السياسية التي تنشأ من منطلقات طائفية، هو إلى الانغلاق والعنف والصراع الصفري المدمر للأوطان والمهلك لطاقات الشعوب..
لكنّ موقفنا من الوحدة، لا يعني القطيعة الأخوية مع تلك التيارات في الشمال، فحركة النهضة ليست حركة شوفينية عنصرية، بل هي صاحبة مشروع تجديدي، وستظل صابرة محتسبة في إيصال رسالتها التجديدية إلى أوسع نطاق ممكن في الأوساط الشبابية السلفية وغير السلفية، على أمل إيجاد تيار صحوي عريض من شباب الأمة، قادر على صناعة مشروع حضاري تغييري نهضوي.
* الكثير يطرح أن المسار الثوري المطالب بالانفصال يسير في اتجاه، والمسار السياسي يسير في اتجاه آخر.. برأيك لماذا هذه الهوة بين هذين المسارين؟ وإلى أين سيذهب الجنوب في ضوء هذا المعطى؟
- صحيح حصلت فجوة بين المسارين الثوري والسياسي في الجنوب.
* ماهي الأسباب؟
- طبعا، تعود هذه الفجوة إلى سرعة تحرك الشارع الجنوبي وبطء وتخلف وتنازع القيادات السياسية وارتماء بعضها في أحضان بعض القوى الإقليمية دون مسؤولية وطنية، كما إن الحالة الثورية فرضت على بعض القوى السياسية الجنوبية – بما فيها العريقة والمعتدلة- طرح رؤاها السياسية في قالب ثوري خالص، ما خلق حالة من عدم القدرة على التعايش والحوار بين الرؤى والمشاريع المختلفة المختلفة، وخلق حالة من عدم التوافق على رؤية سياسية وخطاب سياسي موحد، قادر على صناعة رأي ثوري واحد. وهو ما أدى إلى تصدع الجسم الثوري، وتفريخ عشرات المكونات التي صارت تتسابق على منصات الساحات، دون تقديم رؤية سياسية ناضجة للعالم، وبعضها باتت تجتهد منفردة في صناعة برامج تصعيد ثورية دون مرجعية سياسية موحدة.. وهذا حال خطير ومخيف على الجنوب ومستقبل قضيته الوطنية.
* ماهي أبرز المشاريع والرؤى السياسية المطروحة في الساحة الجنوبية؟ وما موقفكم أنتم كحركة سياسية إسلامية منها؟
- الساحة الجنوبية لم تنضج بعد حتى يمكن الحديث عن فرز المكونات الثورية على أساس المشاريع والرؤى السياسية، لكن المعايش للواقع الجنوبي ولخلفيات المكونات الحراكية القائمة يستطيع تصنيفها – رغم كثرتها- مرحليا إلى ثلاثة تيارات سياسية.
* ماهي تلك التيارات؟
- هناك تيار من المكونات الجنوبية يتبنى المطالبة باستعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل الوحدة مع الشمال. وهناك تيار آخر لا تعترف مكوناته من حيث المبدأ بالدولة التي كانت قائمة في الجنوب قبل الوحدة، ويحاول هذه التيار توجيه الشارع إلى خيار المطالبة باستقلال جديد وبناء دولة جديدة بهوية جديدة.
وهناك تيار سياسي ثالث يضم طيفا من المكونات السياسية والمدنية ينتصر لمبدأ الإرادة الشعبية الحرة، ويحاول توحيد مطالب الجنوبيين السياسية باتجاه خيار الاستفتاء وتقرير المصير.
* أنتم كحركة سلفية لها وجودها الفاعل في الساحة الجنوبية، إلى أي الخيارات تميلون؟
- حركة النهضة السلفية تتبنى خيار استعادة دولة الجنوب التي كانت قبل الوحدة مع الشمال في 22 أيار/ مايو 1990، لقناعتها بمنطقيته القانونية وسلامته الشرعية، مع قناعتها بأن التوصل إلى رؤية توافقية مع المشاريع الأخرى لا يزال ممكنا إذا توفرت الإرادة الوطنية الصادقة في الجلوس على طاولة حوار وطني جنوبي جدي يفضي إلى مصالحة وطنية جنوبية حقيقية..
* ما حجم التواجد الايراني ــ أقصد هنا الدور الإيراني ــ في الجنوب، لا سيما بعد أحداث أيلول/ سبتمبر الماضي، في صنعاء ومدن الشمال الأخرى التي سيطر عليها الحوثيون الشيعة؟
- إيران قوة إقليمية لديها مشروع توسعي في المنطقة العربية عموما.. ولأهمية اليمن والجنوب خصوصا للمنطقة، فمن الطبيعي أن تعمل إيران – كقوة إقليمية- على التواجد سياسيا بشكل مباشر أو عن طريق بعض الأطراف السياسية المحلية. ومن هذا المنطلق مدت إيران يدها لبعض القيادات الجنوبية مبكرا، في حين كانت القوى الإقليمية والعربية الأخرى داعمة لنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح وآل الأحمر في صنعاء.
هذا السبق الإيراني في الجنوب حوّلها إلى طرف مؤثر في مشهدها السياسي، ثم تضاعف ذلك الحضور والتأثير بعد أحداث 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، التي سقطت فيها صنعاء بيد الحوثيين.
لكنّ هذا الأمر، لن يجعل المحيط العربي مكتوف الأيدي تجاه بلد يمثل عمقه الاستراتيجي وحديقة أمنه الخلفية. ومن هذا المنطلق، أرى ضرورة التعجيل بتوحيد القوى الوطنية الجنوبية على قاعدة مشروع وطني يحدّ من تحويل الجنوب إلى ساحة للصراعات والاستقطابات الإقليمية والدولية.