مقابلات

"عربي21" في حوار شامل مع الجامعي البريطاني ديفيد ملير المناهض للصهيونية

إذا قررت الولايات المتحدة التي تورد 69 بالمائة من الأسلحة وألمانيا التي تورد 30 بالمائة، اليوم أنها لن ترسل أسلحة بعد الآن.. ستتوقف الحرب.. (إكس)
عادت قصة ديفيد ميلير أستاذ علم الاجتماع المتخصص في دراسة الإسلاموفوبيا والعلاقات الدولية في جامعة بريستول البريطانية، لتطفو على السطح مجددا بعد أن أنصفه القضاء البريطاني وبرأه من تهمة معاداة السامية، حيث كان قد واجه اتهامات بتبني خطاب معاد للسامية وإثارة الكراهية ضد بعض الطلاب، خاصة من المنتمين للاتحاد الصهيوني في الجامعة.

بدأت الأزمة في عام 2019، عندما أدلى ميلير بتصريحات تنتقد الصهيونية والحكومة الإسرائيلية، مشيرا إلى تأثيرات اللوبيات المؤيدة لإسرائيل على السياسات الغربية وعلى النشاط الأكاديمي. اتهمه بعض الطلاب والمنظمات بتجاوز النقد السياسي والوقوع في خطاب معاد للسامية، حيث اعتبر البعض أن تصريحاته مستهدفة لأفراد، وليس فقط للحركات أو الحكومات.

أثارت هذه القضية جدلا واسعا حول حرية التعبير وحدودها في الأوساط الأكاديمية، حيث تدخلت الجامعة للتحقيق في الاتهامات الموجهة ضده.

في أيلول/ سبتمبر 2021، قررت جامعة بريستول إنهاء عقد ميلير، بعد مراجعة داخلية خلصت إلى أن تصريحاته "تضر بسمعة الجامعة". هذا القرار أثار استياء بعض الأكاديميين والنشطاء الذين اعتبروا أن الجامعة خضعت لضغوط سياسية، بينما رأى آخرون أن القرار كان ضروريّا للحفاظ على بيئة آمنة ومحايدة للطلاب.

وقد أثارت قضية ميلير نقاشات واسعة حول حرية التعبير والأمان الأكاديمي، ومدى تأثير اللوبيات السياسية في الجامعات الغربية. كما طرحت تساؤلات حول كيفية تحقيق توازن بين حق التعبير وحماية المجموعات المستهدفة من التمييز.

في هذا الحوار الخاص مع "عربي21"، يسلط ديفيد ميلير أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة بريستول الإنجليزية، الضوء على مسار قضيته مع جامعة بريستول، وعن موقفه من الصهيونية كمشروع، وأيضا عن  رأيه في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ عام، ورهانات توسيع الحرب لتشمل إيران.

س ـ هل يمكنك تقديم نفسك لقراء "عربي21"، من يكون ديفيد ميلير؟

 ـ فصلتني جامعة بريستول من وظيفتي كأستاذ جامعي عام 2021، ورفعت دعوى قضائية ضدهم وربحتهم في ذلك.. قررت المحكمة أنه تم فصلي من العمل بشكل خاطئ، ولكن الأهم من ذلك أن السبب الحقيقي لفصلي من عملي، هو أنني كنت أحمل آراء معادية للصهيونية، وقررت المحكمة أن الآراء المعادية للصهيونية جديرة بالاحترام في مجتمع ديمقراطي، وهو ما يعني بالطبع أنه يجب حمايتهم، ومن ثم لا يجب فصل الأشخاص الذين يحملون آراء معادية للصهيونية من وظائفهم في المملكة المتحدة؛ لذا كان هذا انتصارا هائلا لكل من يدعم الفلسطينيين، وبالطبع يساعد أيضا على تدمير اللوح الرئيسي للدعاية الصهيونية، وهو الادعاء بأن معاداة الصهيونية هي معاداة السامية الجديدة؛ لذلك كان الانتصار هائلا في هذا الصدد؛ لأنه بالطبع له أهمية خارج المملكة المتحدة.

س ـ ما تحليلك للأحداث الجارية في الشرق الأوسط الآن، وكيف ترى الإجراءات المتخذة من الحكومة الإسرائيلية؟ وما رؤيتك للتفاعلات الدولية مع هذه الأحداث، وكيف تؤثر على الوضع في الغرب بشكل عام؟

 ـ الوضع هو أننا مررنا بعام من الإبادة الجماعية، والرأي العام العالمي، بما في ذلك الرأي العام في الغرب، قد سئم من الإبادة الجماعية وأصابه الغثيان والرعب، وهذا يعني أن الدول الغربية التي تقترب أكثر من التورط المباشر، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا، تحاول هي الأخرى تقديم نفسها على أنها منتقدة لإسرائيل، لكن في الوقت نفسه، يستمر الصهاينة في توريد الأسلحة إلى شمال غزة، وفي الوقت نفسه يستمرون في توريد الأسلحة؛ لذا هناك رقصة تجري، حيث تحاول الأنظمة الغربية التظاهر بأنها تستجيب للرأي العام، في الوقت نفسه الذي تحاول فيه الاستمرار في الدعم المباشر للإبادة الجماعية.

س ـ ما رأيك في موقف الحكومة البريطانية من الصراع في غزة وفلسطين؟

ـ الحكومة البريطانية متواطئة في الإبادة الجماعية، وقد زودت هذه الطائرات بالمعلومات الاستخباراتية ومعلومات المراقبة التي جمعتها طائرات المراقبة التابعة لها، التي تتمركز في القاعدتين العسكريتين في قبرص. لقد قاموا بتدريب أفراد من قوات الاحتلال الإسرائيلي في المملكة المتحدة، ولا شك أنهم قاموا بأشياء أخرى كثيرة لا نعلمها حتى الآن، حيث إنهم في الآونة الأخيرة، قالوا بأنهم سوف يلغون حوالي 9 بالمائة من تراخيص تصدير الأسلحة لإسرائيل، وهذا بالطبع ليس كافيا، ولكنها محاولة لإظهار أن الحكومة البريطانية تأخذ على محمل الجد المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولي، ومن خلال اتخاذ بعض التدابير بحيث إن ما يحاولون القيام به هناك هو الدفاع عن أنفسهم من أن يُؤخذوا إلى لاهاي في محاكمات جرائم الحرب في المستقبل، بالقول حسنا، لقد أكد لنا الإسرائيليون أن هذا كان يحدث، وحاولنا الضغط عليهم؛ لذلك لم يكن بإمكاننا فعل أكثر من  ذلك. إذن هذه محاولة ببساطة لحماية وزراء الحكومة من المحاكمة كمجرمي حرب.

س ـ ما تعليقك على قرار محكمة العمل؟

في قضية محكمة التوظيف، قمت برفع دعوى قضائية ضد الجامعة إلى المحكمة وفزت فيها، بشكل شامل. لذا؛ ما أشعر به حيال ذلك، هو أن هناك حاجة إلى ألا يخجل الناس من معاداة الصهيونية، وألا يفرضوا رقابة على أنفسهم أو يعتقدوا أنهم لا يستطيعون التحدث علانية، أو أن القضية معقدة. الأمر ليس معقدا؛ الصهيونية عنصرية ولطالما كانت كذلك، وسيكون كذلك دائما ولا يوجد عنصرية غير صهيونية أو معادية للصهيونية، ومن ثم فإن الصهيونية شيء يجب أن ينتهي، ويجب أن نصبح أكثر ثقة في قول ذلك، وآمل أن يساعد النصر الذي حققته في أن يكون الناس أكثر ثقة في القول بأن الصهيونية عنصرية.

س ـ هل هذا القرار نهائي؟ ومن ثم يمكنك العودة للعمل في الجامعة؟

 ـ لا، لن أستعيد وظيفتي، لا أعتقد ذلك، لكن العملية أن هناك عملية استئناف، ستقوم الجامعة بالاستئناف، وستعقد جلسة استماع في العام المقبل لهذا الغرض، أنا واثق تماما أننا سنفوز بجلسة الاستماع تلك. ولكن، دعنا نرى ماذا سيحدث، وإذا فزت في تلك الجلسة، فسيطلب منهم دفع بعض التعويضات لي.

س ـ هل تعتقد أن هذا القرار سيقلل من الحملة الممنهجة ضدك؟

ـ لا، الصعوبة بالنسبة للصهاينة، عندما أقالوني، ظنوا أن ما سيفعلونه هو التخلص من أحد منتقدي الصهيونية، كانوا يريدون إقالتي من منصبي، وأنني سأكون بالكلمات التي يستخدمونها طول الوقت في خزي، ولكن بالطبع ما حدث هو أنني ربحت قضيتي، وقد اتضح من القضية ومن التحقيقات الثلاثة السابقة، أنني لست معاديا للسامية، أنا لست عنصريا، وأيضا بالطبع منذ أن تمت إقالتي لست مضطرا للقيام بالتدريس أو الإدارة في الجامعة، لذا؛ فقد تمكنت من قضاء كل وقتي تقريبا في التحقيق والبحث في الصهيونية، وإعداد تقارير عن النتائج التي توصلت إليها، ونتيجة لذلك لا بد أن الصهاينة يشعرون ربما بالندم قليلا؛ لأنهم حاولوا إقالتي.

س ـ ما أهمية هذا الحكم بالنسبة لحرية البحث الأكاديمي؟

 ـ هذا يترك طريقا للبحث الأكاديمي حول الصهيونية من أجل حمايتها، والآن بالطبع ليس هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يشجع الناس على البحث عن الصهيونية، إنها منطقة لا يزال الناس فيها مترددين للغاية في العمل فيها. لا يكاد يوجد أي شخص أو أي أكاديمي في المملكة المتحدة أو في أي مكان آخر يدرس الصهيونية كحركة على وجه الخصوص. هناك البعض وسيبدأ الناس في القيام بذلك بشكل متزايد، كما آمل. ولكن هذا قرار سيستخدم لحماية أي شخص يريد القيام بهذا النوع من الأبحاث.

س ـ كيف ترى مستقبل المظاهرات الضخمة في الدول الغربية؟ وهل تعتقد أن الحكومات الغربية ستسمح باستمرار هذه الاحتجاجات دون اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل لوقف الحرب؟

 ـ نعم، إن الحكومات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا، لا تهتم بما يفعله الجمهور، وما لم ينتفض الشعب بطريقة تمنع الحكومات من القيام بما تفعله فلن يهتموا، لن يقوموا بإجراء أي تغييرات، لا تنجح المظاهرات الجماهيرية من تلقاء نفسها في تغيير سياسة الحكومة، ولهذا السبب، من الضروري بالطبع أن تبدأ الحركة المناهضة للإبادة الجماعية في أخذ زمام الأمور بيدها، واتخاذ إجراءات مباشرة ضد الحكومات التي تدعم الإبادة الجماعية وضد الحركة الصهيونية المنظمة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا وأماكن أخرى، وأعني بذلك منظمات مثل منظمة "فلسطين أكشن"، التي تغزو شركات الأسلحة الإسرائيلية في المملكة المتحدة وتقوم بتحطيمها وتدميرها.

وبالطبع، ما يحدث بعد ذلك، هو أنه لا تتم إدانتهم في المحكمة؛ لأن هيئة المخلفين تقرر أن الجرائم التي ارتكبوها أقل سوءا بكثير جدا من الجرائم التي يحاولون تجنبها، أي الإبادة الجماعية، لذلك أعتقد أنه من المهم أن نبدأ في التفكير في إحداث تأثيرات مادية على الحركة الصهيونية وعلى الحكومة البريطانية أكثر بكثير، مما يمكن أن تحدثه المظاهرات الجماهيرية.

س ـ ما الخطوات التي يمكن أن تتخذها الدول الغربية لوقف الحرب الحالية في الشرق الأوسط؟ وما الاحتياجات الأساسية التي يجب تلبيتها لتحقيق هذا الهدف؟

 ـ يمكن للغرب أن يوقف هذا الأمر غدا.. إذا قررت الولايات المتحدة التي تورد 69 بالمائة من الأسلحة وألمانيا التي تورد 30 بالمائة، اليوم أنها  لن ترسل أسلحة بعد الآن. ستتوقف الحرب، لكنهم لن يفعلوا ذلك. لقد اكتشفنا اليوم فقط أن الألمان أسقطوا طائرات بدون طيار في لبنان، لذلك أصبح الألمان متورطين عسكريا بشكل مباشر في الصراع إلى جانب إسرائيل، ولذلك لن يغيروا هذا الموقف إلا إذا أجبروا على ذلك. وبالطبع الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجبرهم على ذلك، هو محور المقاومة. ولذا، فإن ما يجب أن يحدث فعلا هو أن يتكاتف المجتمع الدولي مع محور المقاومة ويوقف الكيان الصهيوني عسكريا، بل والقوى الغربية الداعمة له، هذا هو الشيء الوحيد الذي سيوقفهم. الهزيمة العسكرية.

س ـ هل تعتقد أن إسرائيل ستتخذ خطوات عسكرية ضد إيران؟

 ـ الصهاينة يريدون حربا ضد إيران، لكنهم يريدون حربا فيها الأمريكيون في صفهم مباشرة. إنهم يريدون جر أمريكا إلى هذا الأمر. لقد تظاهرت أمريكا أو قدمت نفسها على أنها مترددة، ولكن من الواضح أن أمريكا تريد حربا مع إيران بشروطها أيضا، ولذلك سيجدون طريقة للقيام بذلك.

بالطبع، تم ثني الصهاينة ربما من قبل أمريكا، وربما بسبب التفوق التكنولوجي الهائل للصواريخ الإيرانية، التي أصابت جميع أهدافها تقريبا بدقة في عملية الوعد الصادق الثانية، لذلك أعتقد أنهم بالطبع يريدون حربا، ولكن إذا دخلوا حربا الآن فمن شبه المؤكد أنهم سيخسرون تلك الحرب.

س ـ كيف تتوقع أن تتطور العلاقة بين الحكومات الغربية والجاليات المسلمة لديها؟ وما التداعيات المحتملة إذا قامت الحكومات بسن قوانين جديدة تستهدف المسلمين؟

 ـ كانت هناك حملة قوية لمحاولة إبعاد المسلمين عن الحياة السياسية العامة في المملكة المتحدة، وبالطبع هذا يدفع بقيادة مركز الأبحاث "بوليسي إكس تشانج" الممول من الصهيونية. لقد كانت جمعية هنري جاكسون منذ سنوات عديدة حتى الآن، وكانت من أوائل النتائج التي توصلنا إليها في بحثنا في هذا المجال. وبالطبع سيحاولون الدفع بمزيد من التشريعات لتهميش المسلمين ودور المسلمين في الحياة العامة، وبالطبع، فإن الطريقة الوحيدة لمكافحة ذلك، ليس أن يصمت المسلمون ولا يشاركون، بل أن يشارك المسلمون بأعداد أكبر من أي وقت مضى، وأن توضع مسألة الانقسامات الطائفية داخل الإسلام جانبا لصالح هزيمة الصهيونية. هذه مهمة تاريخية عالمية تتجاوز أي انقسامات هناك، أو قد يكون هناك بين السنة والشيعة أو عناصر أخرى من الإسلام.

لذلك، أعتقد أنه من المهم أن يفهم الناس المسلمون في المملكة المتحدة أنهم بحاجة إلى الوقوف، وسيجدون أن ذلك يساعد على بناء حركة أكثر قوة ضد الصهاينة، سواء في هذا البلد أو في فلسطين.

س ـ ما رسالتك للحكومات الغربية وللشعوب الإسلامية وللعالم العربي وللفلسطينيين أيضا؟

 ـ أفترض أن الرسالة التي أود إيصالها، هي أننا نفهم أن وقف إطلاق النار ليس كافيا، نحن نفهم أن الحل، قرار السلام لا يكفي، وأن المطلوب الآن، ولا يوجد خيار آخر، هو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وإقامة دولة فلسطينية، وفي هذا الظرف يمكن لليهود أن يقرروا ما يجب أن يفعلوه، يمكنهم أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون أن يكونوا مواطنين في دولة فلسطينية، وإذا لم يفعلوا ذلك فسيتعين عليهم طريقة أخرى للتعامل مع ذلك، إما بالرحيل أو بالقتال وربما الهزيمة بالفعل، لذا؛ فهي مسألة تاريخية. نعم، بالنسبة للفلسطينيين ولكن أيضا بالنسبة لأولئك اليهود الذين يريدون أن يصبحوا فلسطينيين في المستقبل، لاتخاذ هذا القرار، لا أرى أي علامات أو كتيبة كبيرة من اليهود الذين سينسلخون حتى الآن، ولكن قد يصل الأمر إلى ذلك.