أضحت تهمة
التخابر مع جهات أجنبية في
مصر تهمة من لا تهمة له، وفقدت التهمة التي من المفترض أن تنتهي بصاحبها إلى حبل المشنقة رونقها؛ بعد أن بدأت السلطات المصرية بإلصاقها بأي معتقل، إذ يكفي أن يكون أجرى اتصالا دوليا أو غادر في زيارة رسمية ليحمل صفة "متخابر".
ويذكر مشهد توجيه تهمة التخابر للمعتقلين -وآخرهم الدكتور محمد علي بشر- بمشهد الممثل المصري عادل إمام في مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" حين دفع فاتورة الهاتف "علما إنو معندوش تلفون"، فبحسب مراقبين، سيدفع المتهمون بالتخابر ثمن اتصال لم يجروه وتآمر على مصالح الدولة لم يكونوا طرفا فيه.
واتهمت السلطات المصرية قبل أيام، بشر، القيادي بتحالف دعم الشرعية ووزير التنمية المحلية إبان حكم الرئيس محمد مرسي بالتخابر مع أمريكا والنرويج كما تتهم مرسي و30 قياديا بجماعة الإخوان المسلمين من بينهم محمد بديع وخيرت الشاطر وعصام العريان ومحمد البلتاجي بالتخابر مع جهات أجنبية للإضرار بمصالح الدولة.
كما وجهت ذات التهمة إلى الصحافية أسماء الخطيب والإعلامي ومدير مركز الدراسات الفلسطينية إبراهيم الديرواي، وسكرتير مرسي أمين الصيرفي وابنته كريمة.
وكانت وزارة الداخلية المصرية أصدرت بيانا قالت فيه إنها ألقت القبض على مواطنين مصريين بحوزتهما شهادات تخابر مع "حماس" صادرة من إدارة "متخابرون مع حماس"، علما أنها حملة ساخرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد توجيه تهمة التخابر مع حماس للرئيس الأسبق محمد مرسي.
المتخابر الحقيقي
الناشط الحقوقي المصري، ومدير مركز "ضحايا لحقوق الإنسان"، هيثم أبو خليل قال لـ"عربي21" إن تهما مثل التخابر والتحريض على العنف هي تهم معلبة وجاهزة يرسلها جزافا "المتخابرون الحقيقيون".
وأضاف أبو خليل أن أصحاب التهمة هم "الذين يقتلون في سيناء من أجل إسرائيل، ويعملون لمصالح إقليمية خليجية، ويخربون الزراعة المصرية لصالح مزارع القمح الأمريكي، ويغضون الطرف عن سد النهضة بإثيوبيا".
وتهدف تهمة التخابر بحسب أبو خليل إلى خلق حالة من التشويه بحق المتهم، ومخاطبة اللاوعي عن المغيبين من الشعب المصري، ولتخويف الشعب ليقبل بالحكم العسكري، مشيرا إلى أن ما يجري في مصر مسرحية هزلية ينتحر فيها المنطق وتلعب أدوارها الأجهزة المخابراتية الكرتونية، على حد تعبيره.
ولم يستغرب الناشط الحقوقي دخول النرويج إلى مجموعة الجهات الأجنبية (حماس، وحزب الله، وإيران، وقطر، وتركيا)، لافتا إلى أن الأجهزة الأمنية في عهد مبارك وجهت تهمة التخابر مع الشيشان وأفغانستان لبعض المعتقلين.
وعن النرويج قال أبو خليل إن السلطات المصرية أرادات إدخال أوروبا من ضمن الأماكن التي تلاحق فيها المصريين واختارت دولة أوربية "لا أظافر لها" فهي لا تستطيع مثلا اتهام بشر بالتخابر مع فرنسا مثلا، بحسب تعبيره.
وتوقع أن تصدر أحكام بالبراءة لبعض المعتقلين إذا ما وصل الأمر لمحكمة النقض التي قال إن فيها أشخاصا لم يصلهم بعد "التلوث" الحاصل في سلك القضاء المصري، أما فيما يتعلق بالتهم الموجهة لمرسي وقيادات الإخوان فاستبعد أن يحصلوا على أحكام بالبراءة بعد كل هذا التشويه.
اتهام خطير
ويخالف مدير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان طارق زغلول، الناشط الحقوقي أبو خليل، مشيرا إلى أن تهمة التخابر من التهم الخطيرة والتي لا توجه لشخص إلا بناءً على إثباتات أو مستندات، وهي من عمل الجهات السيادية في الدولة.
وفيما يتعلق باعتقال بشر بين زغلول لـ"عربي21" أن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أصدرت بيانا طالبت فيه بالإفراج عنه لكونه من الشخصيات التي لم تحرض على العنف.
واستدرك زغلول قائلا إن المنظمة لم تكن تعلم حين أصدرت البيان أن التهم التي اعتقل على خلفيتها بشر هي تهم متعلقة بالتخابر.
وأشار زغلول إلى أنه من حق المتهم إذا ما ثبتت براءته رفع قضية لرد الاعتبار.
وكانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أعربت في بيان لها عن قلقها لإلقاء القبض علي الدكتور محمد علي بشر مطالبة بالإفراج عنه وعن غيره من الذين لم يرتكبوا أعمال عنف أو قاموا بالتحريض عليه.
وقالت: "إن الذين يتبنون الحوار والعمل السلمي يجب أن لا يتم القبض عليهم".
وفي مقال له قال الكاتب والمفكر فهمي هويدي إنه في الوقت الذي اتهمت السلطات المصرية الرئيس الأسبق محمد مرسي بالتخابر مع حركة حماس، كتبت الصحف لاحقا أن الرئيس عبدالفتاح
السيسي -كان برتبة فريق وقتها- أجرى 17 اتصالا هاتفيا مع وزير الدفاع الأمريكي قبل الإطاحة بمرسي، ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" تصريحات لرئيس المخابرات المصرية اللواء محمد التهامي قال فيها إنه على اتصال دائم برئيس المخابرات المركزية الأمريكية.
وتابع هويدي في مقاله المنشور في صحيفة الشروق في نوفمبر 2013 أنه "لا شك في أن ذلك المستوى من التخابر يدخل في نطاق المهام الوظيفية لكل منهم، ولكن الحسابات السياسية جعلت من تخابر الدكتور مرسى تهمة، وتخابر الآخرين من مقتضيات تحقيق المصلحة الوطنية العامة".