في السابع من شهر يونيو عام 1494 وقعت الدولتان الكبيرتان في ذلك الوقت إسبانيا والبرتغال اتفاقية تورديسيلاس والتي تم بموجبها تقسيم العالم المعروف حينئذ بينهما، بارك البابا في
روما هذه الاتفاقية التي شطرت العالم إلى نصفين، القديم منه بكل بشره وجباله وأرضه ومائه وهوائه، ملك لملك البرتغال، والعالم الجديد بكل ما عليه من بشر وما يحويه من ثروات ملك لملك إسبانيا.
وبناء على هذه الاتفاقية التي باركت سفك دم المغلوبين وأموالهم وأعراضهم وديارهم، أرسلت إسبانيا أساطيلها للسيطرة على أمريكا الجنوبية وجزرها، فكان أن حدثت الكثير من المذابح التي دونها الغالبون ونسيها المغلوبون، فتمت إبادة جزء كبير من السكان الأصليين، مرضا وجوعا وسيفا، وتم إخراجهم من التاريخ والجغرافيا بقوة السلاح، فهجروا ديارهم واستوطنوا الجبال حتى تمت إبادتهم بشكل نهائي ولم يحصل أحفادهم على حقوقهم إلا في أواخر القرن العشرين بعد أن تولى بعض سلالاتهم الحكم في دول أمريكا اللاتينية.
أما شرقا، حيث ملكت البرتغال كل العالم القديم، فقد حصلت الكثير من المذابح التي يعجز اللسان عن وصفها والقلب عن ذكرها، فطبقت البرتغال، حالها حال إسبانيا، محاكم التفتيش في أجزاء كبيرة من العالم، وتم تنصير الناس بالقوة أو حرقهم أحياء أو بطرق قتل ابتكرها عقل شيطاني، سواء في سواحل إفريقيا والهند والأرخبيل الآسيوي مرورا بمنطقة الخليج.
ثم تكررت القصة عدة مرات على مر التاريخ كان آخرها اتفاقية
سايكس بيكو 1916، التي قسمت العالم العربي إلى الدول المعروفة حاليا، بعد عدة نماذج تم التفاوض عليها حتى خرج هذان المجرمان بشكل يرضيهما ويرضي جشع حكومتيهما.
لم تكن المذابح التي حصلت بعد سايكس بيكو بحجم المذابح التي ارتكبت في أواخر القرن الخامس عشر ولكن الحروب التي مرت بها المنطقة بعد ذلك والصراعات التي لا تكاد تنتهي أودت بأضعاف أضعاف البشر الذين وجدوا أنفسهم تحت حكم عسكري طارئ لم يكن لهم رأي فيه ولا يمت لهم بصلة، وحدود عشوائية قسمت الأهل والعشيرة والأرض بين دول ولدت فجأة بشكل غريب، لن أضرب أمثالا، فالربيع العربي جاء ليصلح خطأ ارتكب منذ حوالي 100 سنة، وما نراه من مآسٍ وحروب وسفك دماء وإهدار للكرامة هو ذات ما عانى منه أجدادنا منذ خمسمائة سنة مضت.
أتساءل أحيانا، إلى متى سنبقى عرضة للعبث من الآخرين؟ وما هي وسائل الخروج من هذا الضعف الذي نحن عليه؟
من الصعوبة تحديد خريطة طريق للخروج من حالة الذل والهزال الذي نعيشه، ولكن البعض قرر أن الوسيلة المثلى هي القتال والإثخان وإظهار البأس، كما يفعل تنظيم الدولة، ولكن هذا الأسلوب لا يجد قبولا عند عامة الناس، فقد تكون نتائجه أسوأ من الحال التي يعيشونها.
استطعت بعد جهد، مشاهدة مقطع "ولو كره الكافرون"، الذي بثه تنظيم الدولة، وهو مقطع قاس جدا جدا جدا بالنسبة لي، فقد وضعت يدي على الشاشة محاولا حجب بعض المقاطع التي لا أستطيع تحمل مشاهدتها، فتساءلت عن سبب نشرها، وما الحسنة في ذلك؟ هل هو بث الرعب؟ ربما، ولكن من الواضح أن هؤلاء الشباب قد وصلوا إلى مرحلة اليأس من الإصلاح، إصلاح العالم لحالهم وإصلاح الحكام لأمرهم، فأثروا الإعلان عن غضبهم وسخطهم بهذه الطريقة الدموية، وكأنها رسالة موت أرسلوها للعالم، إما أن تتوقفوا عن العبث بنا أو سنعبث بكم.
من الصعوبة بمكان السيطرة على مجموعة تشعر أنها تعرضت للظلم والقهر لعقود طويلة ثم محاولة إقناعها بعدم جدوى العنف وهي ترى أنها ضحية له، ولست أرى بديلا عن هذه المرحلة سوى الإصلاح والإصلاح الحقيقي الذي يغري من تبنى العنف أو يكاد على تغيير رأيه، ولكن العالم قد قرر طريقته في حل هذه المشكلة والتي ستصبح كالدائرة المغلقة تحرق كل ما بداخلها.