مما لا شك فيه، أن
عملية السلام الداخلي التي تشهدها
تركيا في الوقت الراهن، تعدّ واحدة من أهم الحملات التي شهدتها البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة. وأهم سمة تميز تلك العملية، أنها مشروع وطني خالص، لا تدخل خارجي فيه.
ولقد اصطدمت بالجدار الوطني لهذه العملية، تلك المبادرة التي أعلن عنها، مؤخراً، "جميل بايك" الرئيس المشترك لمنظمة المجتمع الكردستاني (KCK)، والتي طلب فيها بتدخل الولايات المتحدة فيها، كمراقب أو على حد تعبير المبادرة كـ"عين ثالثة".
إذا طالعنا التصريحات السابقة التي صدرت عن "عبد الله أوجلان" زعيم منظمة "بي كا كا" الذي يقضي عقوبة السجن في جزيرة "إيمرالي"، لاتضح لنا أنه غير متحمس لمثل هذا الاقتراح الذي نقلته مبادرة "بايك".
وجدير بالذكر، أن ثمة حقيقة لا يختلف عليها اثنان، مفادها أن أي عمليات سلام تتدخل فيها أطراف خارجية كثيرة، غالباً ما تبوء بالفشل أو تصل إلى طرق مسدودة. وذلك لأن هذه الأطراف أو الجهات الخارجية، حينما تأتي إلى طاولة المفاوضات الخاصة بتلك العمليات، غالباً ما تصطحب معها ملفا كبيرا ضمنته كل مصالحها والمنافع التي ستعود عليها هي. لذلك تتعقد مثل تلك العمليات وتصل لحالة لا يمكن معها التوصل لحل.
ودعوني أسوق لمن لا يروقه كلامي هذا، شواهد حية أمام ناظرينا، تعضد زعمي، وذلك مثل القضية الفلسطينية، والأزمة في الجزيرة القبرصية، ناهيكم عن الأزمة التي تشهدها سوريا في الوقت الراهن. فالخبراء والمتخصصون، متفقون على سبب واحد فقط، أدى إلى تعقد مثل هذه القضايا، وعدم توصل القائمين عليها إلى حل لها، على الرغم من عقدهم لعشرات الجلسات والمؤتمرات. وهذا السبب يكمن في كثرة الأطراف التي تقوم بالوساطة من أجل تلك الأزمات.
فالأطراف الخارجية، ومن يقومون بدور الوساطة لحلها، كثرٌ، لدرجة أنهم حينما يجلسون على طاولة المفاوضات، لا نسمع لأصحاب القضايا صوتا، فحينما يجلسون يتحدثون بأصوات عالية، لا نسمع في ظلها الفلسطينيين ولا السوريين ولا القبارصة. إذ يتحدثون جميعا، وحينما يأتي الدور على السوريين والفلسطينيين أصحاب القضية الأساسيين، نرى الاجتماعات تنتهي دون أن يتحدثوا.
لكن بخصوص عملية حل القضية الكردية في تركيا، فمن الممكن إيجاد طرف ثالث يمكن أن يكون مراقبا لا يتحدث كثيرا. أما بالنسبة لمن دفعني لهذا الطرح، هو ما فهمته من "فولكان بوزكير" وزير شؤون الاتحاد الأوروبي، كبير المفاوضين الأتراك، حينما تناولت معه الإفطار في العاصمة البلجيكية بروكسيل، على هامش المباحثات الرسمية التي يجريها هناك. إذ قال لي بعض المعلومات التي من خلالها فهمت أن طرحا كهذا وارد. وقال أنهم سيبلغون الاتحاد الأوروبي بتطورات عملية السلام المذكورة.
أما المسؤول التركي الذي سيتولى مهمة إبلاغ الاتحاد الأوروبي بذلك، فهو "يالتشين آق دوغان" نائب رئيس الوزراء، الذي من المنتظر أن يزور العاصمة البلجيكية، خلال الأيام المقبلة لهذا الغرض. إذ سيقوم بعقد لقاءات مع مفوضي الاتحاد الأوروبي، لينقل لهم تطورات عملية السلام، كما سيجيب على كافة الأسئلة المتعلقة ببعض النقاط التي تشكل نقطة غموض لدى المسؤولين الأوروبيين. لكن أبعاد طريقة إبلاغ
أوروبا بتلك التطورات، لازالت غامضة.
غير أن الأكيد بالنسبة لي، هو أن أي تعديلات قانونية تم إجراؤها في إطار عملية السلام، ستُعرض على المسؤولين الأوروبيين قبل عرضها على البرلمان التركي. كما أن الوزراء في الحكومة سيتوجهون إلى بروكسل أيضا، ليحيطوا المفوضين الأوروبيين علماً بالتعديلات القانونية، كل حسب وزراته ومجال عمله.
وأنا على قناعة من أن مثل هذه الخطوات سيكون لها فوائد كثيرة. فمن المعلوم للجميع، أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، يتهمون تركيا منذ عامين، بأنها نسيت كونها دولة تجري مفاوضات من أجل الانضمام إلى النادي الأوروبي، هذا أمر يعرفه القاصي والداني كما قلت.
والسبب الرئيس في توجيه هذا الاتهام الأوروبي لتركيا، هو أن الحكومة التركية، لم تُخبر الاتحاد مسبقا بأي تعديلات أجرتها بخصوص العديد من القوانين على مدار آخر عامين.
وبناءً على ذلك دأب مفوضو الاتحاد الأوروبي، خلال الآونة الأخيرة، على تحذير المسؤولين الأتراك بخصوص تلك النقطة، واتهموهم بعدم اتخاذ الخطوات التي ينبغي عليهم اتخاذها. وتحول الأمر بشكل تلقائي إلى ضعف في الثقة بين بروكسل وأنقرة. لكن إبلاغ المسؤولين الأوروبيين حاليا بتطورات عملية السلام التي تجريها الحكومة لحل القضية الكردية، أمر يعني أنهم – أي المسؤولين الأوروبيين- سيحظون بالمعاملة التي كانوا ينشدونها. وبذلك تكون الحكومة قد برهنت عمليا على أنها تحترم الاتحاد الأوروبي. وبالتالي من الممكن أن تنظر أوروبا إلى أنقرة على أنها "دولة مرشحة ذات مصداقية".
أما المكسب الآخر الذي يمكن أن نراه من ذلك، هو أن بروكسل يمكنها دعم عملية السلام. فهذا الدعم يمكن أن نراه من طرف ثالث ينضم لعملية السلام بصفته مراقبا معقولا. وودعوني أقول إن تدخل بروكسل في عملية السلام، لا يعدّ انتهاكاً لوطنية هذا المشروع، مادامت لا تطلب أي طلبات غير ما يتعلق بعملية التحول الديمقراطي في البلاد.
ومن الواضح أيضا أن مثلث "أوجلان" - حزب "الشعوب الديمقراطية"- "جبال قنديل"، سيكون راضياً عن سماح أنقرة لبروكسل بالمشاركة في مفاوضات السلام الجارية بينهم. خلاصة القول ومجمله: إخبار الاتحاد الأوروبي، بتطورات عملية السلام، أمر يبدو كنهج من شأنه أن يُسعد الجميع.
ترجمة خاصة بـ "عربي21"
(عن خبر ترك)