كتب الصحفي التركي بولنت أرانديتش: لقد بأت كل محاولات من خططوا لتدمير، "مسيرة
السلام الداخلي" في
تركيا، بالفشل، وعادوا خاوي الوفاض بعد آمالٍ عراض. فلقد كان من بين الخطط الخبيثة التي البت الشارع التركي، بأحداث دموية، الحيلولة دون إتمام مفاوضات السلام التي تشهدها البلاد، لكن كان لرباطة الجأش التي تحلى بها
الأكراد والأتراك، العامل الأكبر في إفشال كل هذه المخطات، فضلا عن الحملات الحكيمة التي خاضها كل من رئيس الدولة "رجب طيب أردوغان"، ورئيس وزرائه "أحمد داود أوغلو"، إذا أدت كل هذه الأمور إلى نسف الفخ الذي نُصب ضد البلاد.
ولقد كان لعملية العصف الذهني، التي قادها رئيس الوزراء مع
لجنة الحكماء المعنية بتلك المفاوضات، والتي جاءت في اجتماع جمع بينهم في قصر "دولما بهتشه"، دور كبير أيضا في التصدي لكل هذه المحاولات، فلقد كان اجتماعا مهما انعقد في الزمان المناسب.
ولنحلل معاً فيما يلي التطورات على مسار المفاوضات، في ضوء عملية العصف الذهني هذه التي استمرت 10 ساعات كاملة:
1- أسفر الاجتماع عن نتائج كان من شأنها توجيه ضربة قاصمة موجعة لأولئك الذين يحبون الأجواء الضبابية، ويضعون خططهم في غرف سرية مغلقة. إذ وُضعت خلال ذلك الاجتماع خارطة طريق للمفاوضات، من شأنها تبديد تلك الأجواء الضبابية تماماً.
2- المخربون يريدون تشكيل طرف ثالث: لقد وضع الخونة من الداخل والخارج نصب أعينهم هدفا واحدا يتمثل في إفشال تلك المصالحة، وهم سيطلبون إقحام طرف ثالث في الأمر، وإقحام منظمات المجتمع المدني الزائفة. لكن رئيس الوزراء "داود أوغلو" أكد حقيقة في هذا السياق، وقال: "مسيرة السلام أمر قومي، محلي خالص. ونحن نعرف جيدا، الهدف الذي رمت إليه أزمة الـ7 من شباط/فبراير في العام 2012 – وهي الخاصة بمحاولة استدعاء مدير المخابرات التركية "حقان فيدان" لأخذ أقواله في إحدى التحقيقات هو وآخرين بالجهاز-، التي تلت عملية مفاوضات "أوسلو" التي حدثت في العام 2009 – وكانت عملية لحل الأزمة الكردية في العام 2009 انتهت بالفشل-.
فهناك البعض ممكن يعشقون الأجواء الضبابية المليئة بالكمائن. يظهرون في الأوقات التي يحدث فيها أي تقدم لحل القضية الكردية. وبالفعل، بمجرد الحديث عن مفاوضات (أوسلو)، تعرضت للفشل بتلك الخطوات غير اللازمة التي صدرت عن (جبال قنديل)".
هذا كان كلام رئيس الوزراء، لكن تعالوا نتذكر معاً مفاوضات "أوسلو"... هذه المفاوضات لم يتم التخطيط لها كمشروع قومي وطني.
وكان العامل الأكبر في فشلها في العام 2009، هو أن الحكم الذي كان يديرها، بريطاني الجنسية. كما أن الطرف الثالث "التعاون بين أوروبا العميقة وجبال قنديل"، قد قام بتسريب تلك المفاوضات، بهدف إفشالها والحيلولة دون اكتمالها، هذا إلى جانب قيام الصحافة الأمريكية والبريطانية والألمانية المتعاونة مع إسرائيل، بنشر أخبار كانت تفوح منها رائحة العمليات النفسية التي كانت تهدف في الأساس إلى وضع جهاز المخابرات التركي الذي كان يدير هذه المفاوضات باسم تركيا خلف الأبواب المغلقة في "أوسلو"، في موقف صعب، وبالتالي إفشال المفاوضات برمتها.
وأخذت تركيا التي يقودها "أردوغان" درسا مما حدث في الماضي، وعملت على تطوير عملية سلام "قومية، محلية خالصة...". إذ أخذ مدير المخابرات "فيدان" أمرا مباشرا، وجذريا من الرئيس التركي "أردوغان" – الذي كان رئيسا للوزراء حينها- ببدء المفاوضات بشكل علني يعلمه المجتمع، وليس سريا. وفي هذا الإطار جرت المفاوضات، بين العاصمة "أنقرة"، وجزيرة "إيمرالي" – المسجون فيها "عبد الله أوجلان" زعيم "بي كا كا - حزب العمال الكردستاني"، وبين حزب "الشعوب الديمقراطي"، جرت تلك المفاوضات داخل أرض تركيا، وليس على أرض دولة ثالثة. إذا دخل "فيدان" في مفاوضات مباشرة مع "أوجلان" في محبسه، الأمر الذي أضفى سرعة كبيرة على مسيرة المفاوضات الجارية حاليا، والتي بدأت في شهر كانون الثاني/يناير 2013.
3- اتفاقية "
سايكس بيكو" ستنتهي:
ناقش رئيس الوزراء "داود أوغلو" في الجزء المغلق من الاجتماع، عملية إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط في القرن الـ21، من خلال تحليلات سيُعلن عنها للصحافة خلال الأيام المقبلة. فلا يخفى عليكم أن القوى العظمى، تشن حاليا حرب تقسيم جديدة، على مرأى ومسمع من الجميع، ولقد قال رئيس الوزراء في هذا الشأن "تركيا لن تكون حارسا لسايكس-بيكو". وأكثر كلمات كان لها وقعها على الاجتماع قوله "النظام العالمي الجديد سيتشكل، إما بالحرب، وإما بالسلم".
والسؤال الآن: ماذا تعني كلمات رئيس الوزراء؟
اتفاقية "سايكس-بيكو" هي "الشراكة البريطانية – الفرنسية التي قسمت الدولة العثمانية ومزقتها". فبعد الحرب العالمية الأولى، تمزقت منطقة الشرق الأوسط، ورُسمت خريطة الفوضى بالوعود الجوفاء التي قطعتها على نفسها كل من فرنسا وبريطانيا. وكان تأسيس إسرائيل في العام 1948، بمثابة أول حلقة من "سلسلة الخيانة الغربية" التي امتدت حتى احتلال العراق في العام 2003.
خاتمة القول: الجميع يرون أن بعض المشاكل في منطقة الشرق الأوسط، جاءت نتيجة لحدود مصطنعة بين الدول. و"مسيرة السلام" التي تشهدها تركيا حاليا، ليست مجرد مشروع تركي فحسب، وإنما هى مسألة تاريخية هامة لتحديد والوسائل والسبل، ستكون إذا كُتب لها النجاح بالطبع، مصدر إلهام للشعوب والدول الشقيقة في المنطقة. ولا شك أن تركيا ستصل لموقع قوة بالغ الأهمية، إذا رُسمت خريطة اتفاق تركي – كردي في تركيا الجديدة، من شأنها إتمام هذه المفاوضات بنجاح.
عن صحيفة تقويم التركية 21-10-2014