كتب روشن تشاكير:
من المؤكد أن هناك عقبات وانسدادات تعترض طريق "مسيرة
السلام الداخلي" في
تركيا. ومن ثم علينا أن نحدد المشكلات التي تواجهها، وأن نعرف مصدرها، أي نرى الحقائق ونواجهها، هذا بالطبع إذا كنا راغبين بإخلاص في استمرار تلك المسيرة ووصولها حتى النهاية، وإذا كنا نرغب في إيجاد حل دائم للقضية الكردية التي تعتبر "أم المشاكل كلها". وأنا أرى أننا في المرحلة التي وصلنا إليها حاليا، علينا أن نواجه هذه الحقائق:
لا توجد فروق كبيرة بين "أوجلان" ومنظمة "بي كا كا" وحزب "الشعوب الديمقراطية":
الأوساط الحكومية، ترى منذ بداية مسيرة السلام، أن هناك فرقا بين "أولاجلان" الذي يقضي عقوبة السجن في جزيرة "إيمرالي"، وبين الحركة السياسية الكردية المكونة من 12 حزبا كرديا وغيرها من الأفرع الأخرى، وخصت "أوجلان بالإيجابيات، بينما خصت الآخرين بالسلبيات. وزعمت تلك الأوساط أن "بي كا كا" وحزبي "الشعوب الديمقراطية"، و"السلام والديمقراطية"، يحاولان القيام بمؤامرة ضد زعيمهم، بدعم خارجي. لكن اتضح بعد ذلك أن كل المتواجدين خارج تلك المسيرة يتحركون وفق المنظور الذي وضعه "أوجلان"، وهذا على عكس ما قاله "يالتشين آق دوغان" نائب رئيس الوزراء، وعلى عكس ما كتبه "مراد يتكين" في صحيفة "راديكال" في هذا الشأن. لذلك فإنه لن يكون من الممكن الاستمرار أكثر من ذلك في سوق لعبة "نحن نتحدث مع أوجلان، وهو يتولى إقناع من بالخارج"، كلما اعترضت طريق المسيرة أزمة من الأزمات. لأن الشخص الذي لابد من إقناعه، هو "أوجلان" نفسه.
ظاهرة "القوى الخارجية" تم حسابها بشكل خاطئ:
الحكومة جعلت "أوجلان" في قلب مسيرة السلام، انطلاقاً من الدروس التي استفادتها من تجربة محاولة تسوية القضية الكردية السابقة التي عُرفت باسم عملية "أوسلو"، وانطلاقا من تصورها بأن "جبال قنديل" يتم توجيهها تماما من قبل قوى خارجية. في الواقع هذه استيراتيجية صائبة. لكن هذه الاستيراتيجية تفقد فاعليتها، حينما تتعثر مسيرة السلام لأي أسباب سياسية، وحينما لا يتم التوقع بأنه من الممكن أن يتم وبشكل سريع تحويل القضية الكردية إلى مشكلة إقليمية، أو حتى عالمية من خلال الاستفادة من ظاهرة "داعش". وفي هذا الإطار خرج "جميل بايك" الرئيس المشترك لمنظمة المجتمع الكردستاني "KCK"، ذات مرة، ودعا إلى دخول مراقب ثالث ليكون طرفا في حل تلك القضية، وخص بالذكر الولايات المتحدة، لتكون هذا الطرف. وحينما نضع نصب أعيننا أن "بايك" لم يتحدث رغما عن "اوجلان"، يتضح لنا أن فرصنا في حل تلك القضية من خلال مسيرة السلام، دون إقحام طرف ثالث، فرص تتضاءل مع مرور الوقت.
لا نية لدى "بي كا كا" للتخلي عن الأسلحة
من الشروط الأساسية لنجاح عملية السلام، نزع سلاح "بي كا كا"، فضلا عن وقف إطلاق النار. فكما تعلمون الأسلحة فقدت شرعيتها منذ زمن، كوسيلة من وسائل طلب الحق. لكن مع استهداف تنظيم "داعش" للأكراد في العراق وسوريا، بشكل مباشر، برزت الأسلحة من جديد كضرورة لابد منها، لمواجهة ذلك التنظيم. إلا أن "بي كا كا" لا تمتنع عن دراسة حساباتها الأخرى على خلفية الشرعية التي قدمها لها تنظيم "داعش". ومن الواضح أن تهديد "داعش" لم يضفِ أي شرعية على الهجمات التي استهدفت أشخاصا مقربين من حزب الله خلال الأحداث التي شهدتها تركيا يومي 6 و7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولا على قتل الجنود الأتراك ذوي اللباس المدني في كل من "يوكسك أوفا" و"ديار بكر"، ولم تضفِ كذلك أي شرعية على عملية قتل شاب في منطقة "جزرة" بزعم أنه جاسوس.
ومن الأكيد أن هذه الجرائم باستثناء عملية قتل الشاب، من تنفيذ "بي كا كا"، حتى وإن لم تعلن هذه المنظمة مسؤوليتها عنها بشكل واضح. وهكذا نرى أنه سيكون من الصعب جدا الوصول لحل، وتحقيق السلام، مادامت الحركات السياسية الكردية، ترى أن العنف وسيلة من وسائل العمل السياسي في تركيا.
الحكومة تجد صعوبة في تطوير السياسية
لاجرم أن جهود النظام البيروقيراطي في تركيا "وتحديدا جهاز الاستخبارات"، لها بالغ الأثر في وصول مسيرة السلام واستمرارها حتى يومنا هذا. لكن كان يتعين على الساسة أن يأخذوا على عاتقهم الحمل عنهم، بعد فترة معينة. ومن المؤسف أن هذا لم يحدث. الأمر الذي أدى إلى حدوث عقبات وانسدادت ليست بالبسيطة اعترضت طريق المسيرة، وذلك لأن المتحدثين باسم الحكومة وقفوا عاجزين عن شن حملات سياسية تواكب التطورات التي تشهدها تلك المسيرة، حتى وإن كانوا يؤكدون مرارا وتكرارا ولائهم وثقتهم بالعملية كلها، فهذا وحده لا يكفي. وغالبا أن الأمور ستستمر على ما هي عليه الآن، حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة. لكن إذا حدثت تطورات طارئة بالمنطقة، فالوضع سيتغير، وحينها سيكون قد فات الآوان.
(روشن تشاكير - خبر ترك)
10-11-2014