نشرت صحيفة الغارديان مقالا للفنان
الإسرائيلي الأرجنتيني دانيل بارنبويم، بمناسبة مرور 25 عاما على سقوط جدار
برلين، قال فيه إن تاريخ ألمانيا يمنعها من الضغط على إسرائيل، ولكن إن كانت تريد مصلحة إسرائيل يجب عليها استخدام نفوذها لتحقيق
السلام.
وقال إنه وبعد مرور 25 عاما على تحطيم جدار برلين يعاني المجتمع الدولي من تحديات لم يسبق لها مثيل، فعناوين الأخبار ووعينا الجمعي مليء بالمجاعات والأزمات مثل وباء الإيبولا، بالإضافة إلى مراكز الصراع الكثيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق أوروبا.
ويضيف بارنبويم أن العالم يبدو عاجزا كما كان دائما، وحكوماتنا منقسمة حول طرق العلاج، وهناك الملايين حول العالم الذين هجروا مواطنهم؛ هروبا من الحرب والجوع والظلم والفقر، وتبدو الدول الأوروبية بالنسبة لهم، وألمانيا تحديدا، ملجأ جيدا. والتحدي الذي تواجهه الدول الغربية الغنية تحد أخلاقي واجتماعي في آن.
واعتبر الفنان الإسرائيلي أن ذكرى انهيار جدار برلين الخامسة والعشرين فرصة مناسبة للتفكير في حالة العالم اليوم، وفي المسؤولية التي تقع على أوروبا كلها، وخاصة على ألمانيا، التي توحدت في ربع القرن الماضي.
ويرى بارنبويم أن سقوط الاتحاد السوفييتي شكل نهاية للتوازن الصعب، وبداية لحكم القطب الواحد، الذي تسيطر فيه الولايات المتحدة وأوروبا. وكان من الممكن أن يشكل انتصار النظام الديمقراطي الرأسمالي الغربي سيطرة تامة لهذا النظام، بحيث يصوغ فيه السياسة الدولية في العصر الجديد، ولكن هذا لم يحصل وفشل الغرب في أن يكون قائدا للعالم، فمن خلال الفرقة والتفاخر بالانتصار حدث الفشل الأخلاقي في أزمات مثل رواندا وغزو العراق وأبو غريب وغوانتنامو، ففقدت الولايات المتحدة السلطة الأخلاقية التي نجحت في بنائها في أوروبا، من خلال برنامج مارشال بعد الحرب العالمية الثانية.
ويجد بارنبويم أن النظام الرأسمالي فيه مشاكل، ولم تستغل فرصة بناء نظام يستفيد من الجوانب الإيجابية في الاشتراكية والرأسمالية والديمقراطية، وأثبتت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما تبعها من حرب على الإرهاب، أن وضع الغرب قد تزعزع كثيرا، وأن منطقة كاملة دخلت في أزمة مزمنة.
ويشير الكاتب إلى أن العالم اليوم يبدو بلا دفة توجهه، فحتى الصراعات المحلية الصغيرة تنمو بسرعة، وتصعب السيطرة عليها. ولم تكن 11 سبتمبر وتداعياتها والحروب في الشرق الأوسط، والصراع في أوكرانيا لتحصل لو أن الغرب أوجد توازنات جديدة، وقام بواجباته بعد انتهاء الحرب الباردة، ولكن بدلا من هذا يوجد اليوم فراغ في السلطة، مبينا "أنا مقتنع بأن الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، يجب عليها تحمل جزء أكبر من العبء في هذه الأوقات العصيبة".
ويذهب بارنبويم إلى أن ألمانيا قد رفضت لزمن طويل ـوبالتأكيد لأسباب وجيهةـ أن تلعب دورا قياديا، مفضلة السياسة القائمة على التوافق والتعاون، وخاصة فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، وفي المستقبل أيضا يجب ألا تتصرف ألمانيا وحدها، ولكن يمكنها أن تلعب دورا أكثر فعالية مما هي عليه الآن في السياسة الخارجية.
ويعتقد الكاتب أن إعادة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية تمت بسبب التعاون الدولي، وهذا بحد ذاته يحملها مسؤولية. ولا أحد يدرك ذلك كما تدركه الجمهورية الفيدرالية، فهي اليوم قادرة على تقديم مساعدات طويلة الأمد للكثير من الناس الفارين، والذين يعانون حول العالم، ويجب عليها فعل ذلك. قصة ألمانيا الحديثة قصة نجاج الديمقراطية، ويجب على هذه البلد أن تعطي الدول الآخرى والشعوب الأخرى فرصة لإعادة بناء بلادهم.
ويعلق بارنبويم "عشت كيهودي في برلين على مدى 23 سنة الماضية، ولم يكن هذا ممكنا لو لم أكن مقتنعا بأن الألمان فكروا جيدا وبعمق في تاريخهم، ولم يستطع أحد أن يفعل ذلك إلى نفس الدرجة التي فعلها الألمان، وأنا معجب بهذا، ولكن هذا الفصل من مراجعة النفس يجب أن يكون له أثر على السياسة الخارجية".
وقيّم الدور الذي تعلبه ألمانيا تجاه الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي بأنه "صغير للغاية؛ حتى لا يُساء فهمها بخصوص علاقتها بإسرائيل".
ومن وجهة نظر بارنبويم فإنه لكي يكون هناك حل للصراع على ألمانيا أن تلعب دورا، وتحاول التأثير على السياسية الإسرائيلية، فألمانيا قادرة، ويجب عليها أن تضغط على إسرائيل "فنحن نتحدث عن مستقبل إسرائيل السياسي والفكري، والمنطق الذي يدعم هذا الطرح ببساطة هو أن ألمانيا ملتزمة بأمن إسرائيل، وهذا لا يمكن ضمانه على المدى البعيد ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة، وإن لم يحصل هذا فإن تاريخ تلك المنطقة سيبقى يعاد، وسيستمر المأزق دون حل".
وكان، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحق رابين، مقتنعا بهذا الرأي حيث قال: "كنت جنديا وأعلم أن إسرائيل قادرة على كسب حرب مع سوريا أو لبنان أو مصر أو حتى كلها في آن واحد. ولكن إسرائيل لا تستطيع كسب الحرب ضد الشعب الفلسطيني ومسؤوليتي الأولى هي حفظ أمن الشعب الإسرائيلي، وأستطيع تحقيق هذه المسؤولية فقط إذا توصلنا إلى السلام مع الفلسطينيين". وكلفه هذا الرأي الذي طرحة علنا حياته، بحسب الغارديان.
ويختم الفنان الإسرائيلي بالقول إن "مهمة ألمانيا كبلد رائد هو جعل هذه الحقيقة واضحة لإسرائيل، أي أن مستقبل إسرائيل يعتمد على مدى رغبة حكومتها في التوصل إلى سلام حقيقي مع الفلسطينيين، وهذا صحيح أيضا بالنسبة للفلسطينيين المؤيدين لحماس، ويجب على الجانبين أن يفهما أن عليهما التعايش معا، وأن الكراهية والإرهاب والاستثناء بناء على الإثنية أو الدين لم يؤد يوما إلى سلام، بل إلى القتل والمزيد من القتل، وهذا الدرس تعلمته ألمانيا أكثر من أي بلد آخر بتجربتها المريرة، وهو درس يجب أن يؤثر في السياسة الخارجية لألمانيا".