لم يكن "و.خ" قادراً أن يتفوه ولو بكلمةٍ واحدة عن موقفه مما يحدث في البلاد عند التحاقه كاحتياطي بالقطعة القريبة من البحر في أحد مدن الساحل السوري، حيث أنه "لم يستطع التحدث حتّى عن فساد مدير المياه" على حد قوله.
"و.خ" وهو مدرّس الأطفال هو أب لطفل لم يتجاوز أعوامه الثلاث قال لـ"عربي 21"، إنه "عندما طُلب للاحتياط فكر بزوجته وطفله وعمله وعن مصيرهما من بعد التحاقه، لكنه ذهب للخدمة الاحتياطية، وما إن فُرز إلى قطعته القريبة من البحر حتّى تنفّس الصعداء، إذ إنّه في مكان آمن وبعيد عن مناطق النزاع، ويستطيع أن يستمرّ بحياته دون مصاعب تذكر".
أخبرنا "و.خ" عن مزاج العسكر حوله من متطوعين واحتياط، يقول: "جميعهم يريد الخلاص، وبعضهم ترك قطعته، ولكن وجود بعض المتشددين من العسكر والذين كانوا معروفون بولائهم المطلق للنظام كان يفرض عليهم السكوت وعدم الشكوى أصلاً"، مبينا أنه "حتى الجو المشحون الذي كان يفرضه المتشددون بدأ يتلاشى إثر فشل النظام الواحد تلوى الآخر، حيث بدؤوا هم أنفسهم يشتكون ويشتمون قادة النظام الذي أحال وضعهم إلى المأساوي".
تحدث "و.خ" عن كلامه هو ورفاقه عن الحقوق التي تنتهك يوماً إثر الآخر، متابعا "كانت مخاوفي تتركز حول المهام التي تأتي من قيادة القوى الجويّة لعناصر من كتيبتي بالذهاب لمنطقة ساخنة، إلى أن اقتربت داعش من مطار الطبقة العسكري، وجاء الأمر من قيادة القوى الجويّة لخمسة عشر عنصراً بالتوجه فوراً إلى مطار الطبقة، وكنت أنا من بينهم".
قال: "أحسست باقتراب الموت، وإنّ لحظة اتخاذ القرار الحاسم قد حانت فرفضت علناً الذهاب إلى مطار الطبقة العسكري وهددت بترك الاحتياط كما فعل كثير من عناصر قطعتي، والمفاجأة أن تسعةً من رفاقي رفضوا الأمر معي أيضاً وأصبحنا مجموعةً لا يستهان بها".
أضاف "و.خ"، أنّ ضابط أمن الكتيبة أصيب بالجنون وراح يتوعد ويتعهّد بأشدّ العقوبات علّهم يعودون عن قرارهم، لكنّهم رفضوا وبقوا في الكتيبة، وذهب الباقون وقتلوا بعد يومين بدم بارد وكأنّهم أضحية، لكنّ الأمر لم ينته هنا فقد طلب ضابط الامن وقائد الكتيبة من هؤلاء ان يوقعوا على رفض الأمر العسكري، فما كان منهم إلّا ان يوقعوا على رفض أمر القيادة موقعاً بأسمائهم".
قال: إن "حكم رفض أمر عسكري سابقا هو الموت، إلا أن عقوبتنا كانت السجن لستة أيام فقط".
تابع "و.خ"، "بعدها خطب فينا قائد القطعة لثلاث ساعات متواصلة وهو يحضنا على الالتزام بأوامر القيادة وعلى الصبر على محنة الوطن، وعلى المخاطر التي تتعرّض لها البلاد، وعلى حكمة القيادة بتصرفها معهم، كما تحدّث مطوّلاً عن مناقب الشهادة والشهداء، وكم هم الشهداء سعداء وعظماء في أعين الناس وفي عين الوطن".
لكنّه بين أن القائد "لم يتحدّث إطلاقاً عن النصر، ولا بكلمة واحدة مما أثار حفيظة أحد
الجنود، فلم يستطع السكوت وسأله لما تتحدث يا سيدي عن الشهادة ولم تتحدث عن النصر؟، لكن القائد أنهى خطبته الطويلة بكلمة انصراف، أما الجنود فكانوا يضحكون ويحزنون على رفاقهم الموتى".