تروي صحيفة "واشنطن بوست" قصة أحمد الدروي، الناشط في مجال حقوق الإنسان ولاعب الكرة والشرطي السابق، الذي انتهى وقتل الشهر الماضي في صفوف تنظيم الدولة المعروف بـ "
داعش".
وترى الصحيفة أن التحولات التي تعرض لها الناشط جاءت نتاجا لسلسلة من الإحباطات التي واجهته بعد
الثورة المصرية، التي أطاحت بالرئيس حسني
مبارك.
وتقول الصحيفة "تظهر الصور التي نشرت لمقاتل في تنظيم الدولة بوجه مخيف ويرتدي زيا أسودا، ملتح ويحمل سلاحا، مات هذا العام في معركة بالعراق، وتناثرت أشلاؤه بعد انفجار قنبلة"، كما يقول زملاؤه.
وتضيف "أحمد الدروي كان شابا يأمل بالتغير السياسي في مصر، عمره (38 عاما) وأب لولدين، وكان يحب الأزياء وكرة القدم، وعمل في العشرينيات من عمره ضابط شرطة، ومن ثم وكيل مبيعات في مجال أدوات الرياضة. ولكن في السنوات التي تبعت ثورة عام 2011، التي شارك فيها مدفوعا بحماس عال، تحول إلى ناشط في مجال حقوق الإنسان ليموت في أحضان تنظيم الدولة".
ويشير التقرير إلى أن أخبار مقتله الشهر الماضي صدمت أصدقاءه وزملاءه، لكن تحوله من رجل كان يطمح بدخول البرلمان إلى مقاتل صعب المراس كشف عن الأسباب المتعددة التي تدفع آلاف الشباب في المنطقة لحمل السلاح باسم تنظيم يعد الأكثر رعبا في العالم، أي تنظيم الدولة، الذي يسيطر على مناطق شاسعة في كل من سوريا والعراق.
ويذكر التقرير أن باحثين في تغريدات الدروي عثروا على تغريدة أرسلها في 24 شباط/ فبراير الماضي، قال فيها "ما أحلى الحياة بين القرآن والكلاشينكوف".
وترى الصحيفة أن قصة الدروي تعكس الطريق المدمر الذي يمضي فيه العالم العربي منذ سنوات، من وعود الديمقراطية إلى رعب النزاع الطائفي.
وتنقل الصحيفة عن كمال حبيب، الذي شارك بتأسيس حركة الجهاد الإسلامية، قوله "إن فشل الحكومات العربية للتصدي للأمراض الاجتماعية، ومنح مواطنيها الهوية الوطنية في ضوء ما شهدته الدول العربية من انتفاضات، عمل على دفع أشخاص مثل الدروي إلى أحضان جماعات مثل تنظيم الدولة".
ويضيف حبيب، الذي نبذ العنف، إن تنظيم الدولة الذي يطبق تفسيرا متشددا للدين، يمنح المحرومين أملا في العيش، في ظل مجتمع عادل قائم على المبادئ الإسلامية لا القيم المدنية، مشيرا إلى أنهم "يعتقدون أن الدولة الإسلامية المفترضة ستعطيهم الاحترام الذي لم يحظوا به كمواطنين في بلادهم، وتقدم لهم البنية والمكان اللذين يستطيعون من خلالهما البحث عن معاني الحياة الكريمة".
ويرى التقرير أنه بالرغم من دفاع الدروي عن فكرة الجماعة الإسلامية، إلا انه كان عنصرا مهما في النشاط على الإنترنت، والذي ظهر من ثورة ميدان التحرير.
وتجد الصحيفة أنه نظرا لعمله السابق في سلك الشرطة، فقد عمل ضابط اتصال بين المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية والمسؤولين في وزارة الداخلية. وكان الدروي قد استقال من عمله في الشرطة عام 2007؛ احتجاجا على الفساد المستشري في كل أوصال قوى الأمن.
ويلفت التقرير إلى أنه في عام 2012 قال لرجال الشرطة أثناء مشاركته في حوار على قناة تلفزيونية خاصة "أريد إخباركم أنكم جزء من الشعب، ولا تكونوا أعداء للثورة". وكان في ذلك الوقت دون لحية، ويحب الأزياء الحديثة، حيث دعا الشرطة وبحرارة لإعادة الأمن في البلاد.
في تلك الأيام المليئة بالأمل والتفاؤل قرر الدروي ترشيح نفسه للانتخابات، ولكن المقعد الذي قرر التنافس عليه فاز به أحد الداعمين المعروفين للنظام، بحسب التقرير.
وينفل التقرير عن شقيقه قوله إن قرار المحكمة لحل أول برلمان منتخب أغضب أحمد، وآخر مرة شارك فيها بحملات سياسية عندما عمل على دعم الحملة الانتخابية لعبد المنعم أبو الفتوح.
وبحسب شريف حسن، وهو صحافي رياضي، فإن الدروي "يؤمن بقوة بشعار الإسلام هو الحل" ولكن دون حمل السلاح.
وتذهب " واشنطن بوست" إلى أنه مع ولادة حالة الاستقطاب السياسي في مصر، وانقسام المجتمع، والصراع الأيديولوجي الذي رافق تجربة ما بعد الثورة، تسببت بدفع الدروي، الذي كان ناقدا للإخوان المسلمين، لتبني مواقف إسلامية فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
وينقل التقرير عن ناشط يعرف الدروي قوله "كان يمكن رؤية أن مواقفه لم تكن تدعم التعددية في المجتمع، وكانت لديه مواقف مثيرة للجدل حول تطبيق الشريعة".
وبعدها انسحب الدروي من المشهد السياسي، حيث قال لرفاقه إنه يخطط للسفر إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج هناك.
وتشير الصحيفة إلى أنه في تلك الفترة دخلت الثورة السورية مرحلة عسكرية ودموية، وبدأت الجماعات الإسلامية التي ازدهرت في مرحلة ما بعد الثورة المصرية بتسهيل سفر المقاتلين المصريين إلى هناك. وكانوا يعبرون الحدود التركية مع سوريا، وينضمون للجماعات المقاتلة هناك.
ويقول باحثون إن هناك مئات من المصريين، إن لم يكن أكثر يقاتلون الآن في سوريا. وأصبح من الصعب الاتصال مع الدروي، حيث ظل يغير رقم هاتفه النقال في تركيا، وفق الصحيفة.
ويوضح الصحافي حسن للصحيفة أنه التقى الدروي في رحلة بالطائرة من القاهرة إلى اسطنبول في حزيران/ يونيو 2013. وقال إنهما تحدثا حول تزايد المعارضة لحكم الرئيس محمد مرسي، الذي أطاح به انقلاب في ذلك الشهر، ولكنه لم يكن مهتما بالوضع السياسي في مصر.
ويفيد التقرير أنه بعد أشهر ظهرت صور على الإنترنت، وفيها الدروي يقود كتيبة من المقاتلين في محافظة اللاذقية، ويلقب بأبي معاذ المصري، واسم كتيبته "أسود الخلافة"، والتي بايعت لاحقا تنظيم "داعش".
وبحسب تغريدة كتبها الدروي في 6 آذار/ مارس قال "ببركة الله سنغرس شجرة (داعش) وستثمر"، وفي تغريدة أخرى تعود إلى 14 شباط/ فبراير انتقد فيها مشكلة الإقليمية، التي تعوق بناء الدولة الإسلامية "كيف ستكون الخلافة وكل واحد يرفض الحكم إلا من أبناء قومه؟، وكيف سنحرر الأقصى عندما يقولون سنطبق الشريعة، ولكن دون اختراق حدود الآخرين؟"، وبعد خمسة أشهر من الإطاحة بمرسي انضم الدروي ورفاقه لتنظيم الدولة، بحسب التقرير.
وتحتم الصحيفة تقريرها بالإشارة لقول شقيق الدروي إن عائلته تلقت مكالمة من شخص مجهول، يخبرهم أن أحمد قتل في أيار/ مايو. ويقول باحثون "إن إعلام عائلات القتلى بوفاة أبنائهم بعد أسابيع أو حتى أشهر من مقتلهم ليس غريبا"، وعلق أحد مستخدمي التويتر المؤيدين لتنظيم الدولة على وفاته قائلا "ترك زوجته وأولاده راغبا في مرضاة الله".