تساءل المعلق ديفيد بولوك، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، عن الدعم الشعبي الذي يتمتع به تنظيم الدولة المعروف بـ "
داعش"، خاصة في بلدان "التحالف" الدولي، الذي تقوده أميركا، مثل المملكة العربية
السعودية وكذلك
مصر ولبنان.
ويرى الكاتب أن التحقق من
شعبية "داعش" كان صعبا ومحلا للتكهن، بالرغم من وجود بعض التقارير عن عمليات اعتقال طالت أتباع "داعش" في هذه الدول الثلاث.
ويشير الكاتب في هذا السياق إلى استطلاع للرأي جديد أجرته شركة متخصصة في مجال المسح التجاري في الشرق الأوسط في أيلول/ سبتمبر، لصالح معهد واشنطن في كل من مصر والسعودية ولبنان.
واشتمل الاستطلاع مقابلات وجهاً لوجه مع مهنيين من ذوي الخبرة. وكانت العيّنة عشوائية في كل دولة، دون تفضيل لمنطقة جغرافية على أخرى، وضمت ألف شخص في كل بلد وبخطأ هامشي 3%.
وأظهر الاستطلاع، كما يقول الكاتب، أن "داعش" لا يملك تقريباً أي دعم شعبي في مصر أو السعودية أو
لبنان - حتى في أوساط السنة اللبنانيين. فقط نسبة 3% من المصريين عبرت عن موقف إيجابي تجاه "داعش".
وفي السعودية، كانت النسبة أعلى بقليل 5%، ممن يحتفظون بنظرة إيجابية تجاه "داعش". أما لبنان، فلم يعبر أي من المشاركين المسيحيين أو الشيعة أو الدروز عن نظرة إيجابية تجاه "داعش". وحتى في أوساط السنة في لبنان، كانت النسبة مشابهة تقريباً وبلغت 1%، بحسب الاستطلاع.
ويعتقد الكاتب أن التحليل الدقيق لنتائج الاستطلاع يعطي صورة مغايرة، فـ"هناك فارق حقيقي بين كوْن الدعم (شبه منعدم) أو (منعدما تماماً). فنسبة الـ 3% من المشاركين في الاستطلاع من المصريين البالغين، الذين أعربوا عن دعمهم لـتنظيم الدولة، تعني أن هذه الجماعة تحظى بتأييد من قبل 1.5 مليون مواطن مصري. وفي السعودية فنسبة 5% من السعوديين البالغين الذين يدعمون (داعش) تعني أكثر من نصف مليون مواطن. وحتى في لبنان، البلد الصغير، فإن نسبة الـ 1% من البالغين الذين ينتمون للطائفة السنية تساوي بضعة آلاف من المتعاطفين مع تنظيم الدولة. وفي أي من هذه الدول، تكفي هذه النسبة لإيواء على الأقل بضع خلايا من مثيري الشغب الخطرين".
ويجد الباحث أن المعارضة شبه الإجماعية لـ"داعش" لا تنسحب على حركات إسلامية وسياسية معارضة. ففي مصر على سبيل المثال، أعربت نسبة عالية ومفاجئة -تمثل ثلث مجموع السكان- عن موقف إيجابي تجاه "حماس". وترتفع هذه النسبة في المملكة العربية السعودية لتصل إلى 52 %.
وما يثير عجب الكاتب هو استمرار الدعم للإخوان المسلمين، بالرغم من حملات القمع والدعاية المستمرة من قبل الحكومتين المصرية والسعودية ضدهم، فلا تزال هناك نسبة 35% في مصر، و31% في السعودية تنظر إلى "الإخوان" بعين الرضا. مقارنة مع الموقف من حزب الله اللبناني، الذي حصل على تأييد يتراوح ما بين 12 - 13 % فقط من دعم غالبية السنة في مصر أو السعودية.
ويبين بولوك أن مستويات الدعم للإخوان في مصر تتراوح، بحسب المنطقة الجغرافية والفئات العمرية والطائفة، لكن لا يلغي هذا وجود دعم لهم. في المدن مثل القاهرة أو الاسكندرية يتمتع الإخوان المسلمون بدعم 37%، و35% في الصعيد، و33% في منطقة الدلتا و10% بين الأقباط.
ويلفت الباحث إلى أن الصورة مختلفة في لبنان، بسبب الوضع الطائفي، فكل الطوائف ترفض "داعش"، لكن موقفها من الحركات الإسلامية الأخرى يختلف. فلدى الشيعة يحظى حزب الله بدعم 92%، فيما تنخفض النسبة بين المسيحيين حيث تقترب من 40%، وهناك 8% من أبناء السنة في لبنان يحملون نظرة إيجابية تجاه حزب الله، ولوحظ دعم منخفض لحماس، ربع العينة لديها مواقف إيجابية من حماس.
ويشير الكاتب إلى أن المعارضة الشاملة لـ "داعش" لا تعني دعما كاملا للولايات المتحدة. ففي مصر والسعودية تحظى الولايات المتحدة بتأييد منخفض لا يزيد على 12 %. وفي لبنان تتضاعف هذه النسبة إلى 25%. فيما تحظى الصين بنظرة إيجابية قدرها 38% بين السعوديين و40% بين المصريين و54% بين اللبنانيين.
وفيما يتعلق بإيران، فيوضح التقرير أنها لا تحظى بدعم في مصر والسعودية وتتراوح ما بين 13-14% في كلا البلدين. والوضع مختلف في لبنان حيث يلعب الاستقطاب الطائفي دورا مهما، فبين الشيعة تحظى إيران بدعم يتراوح ما بين 96-97%، وبين السنة لا يتجاوز دعم إيران وسوريا نسبة 12-14%.
ويخلص الكاتب إلى القول بإن الأرقام مهمة وتعني للسياسة الأميركية أمورا كثيرة؛ منها أن استقطاب "داعش" لمناصرين في المنطقة ليس مهما، ولا يترك أثرا على الاستراتيجية الأميركية. كما إن على الولايات المتحدة استهداف تنظيم الدولة وبدقّة، وليس أيّ جماعة إسلامية أخرى كانت موضع انتقادات أميركية مؤخراً، إذ أنّ ذلك قد يزيد من الشعبية الكبيرة لهذه الجماعات. كما أن أي انفتاح أميركي على الرئيس السوري بشار الأسد أو إيران، كشريكيْن محتمليْن لمواجهة "داعش"، يعد مخاطرة كبيرة، إذ أنه قد يبعد الشعبين المصري والسعودي أكثر فأكثر عن الولايات المتحدة، ويؤثر على الاستقطاب الطائفي الخطير بين اللبنانيين.