في الوقت الذي تتأهب فيه
مصر لخوض معركة دبلوماسية وحقوقية في أروقة المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف للدفاع عن ملفها في قضايا الحقوق والحريات الأساسية، تواجه حرية
الصحافة في البلاد تهديدات وتحديات كبيرة.
وأثار اجتماع رؤساء الصحف القومية والخاصة بمقر حزب الوفد بحضور نقيب الصحفيين، لإعلان تأييدهم التام للإجراءات التي تتخذها السلطة في حربها على الإرهاب والتزامهم بالتوقف عن نشر البيانات التي تدعو إلى التحريض ضد مؤسسات الدولة غضب جمهور كبير من الصحفيين.
وفي المقابل، أجمع منظمات "صحفيون ضد الانقلاب" و"صحفيون ضد قانون التظاهر" و"المبادرة المصرية لحماية الصحفيين"؛ على رفض ما جاء في اجتماع الوفد الذي وصفوه بعسكرة الصحافة المصرية ومحاولة لتقويض السلطة الرابعة.
يقول خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين وصاحب مبادرة الرد على بيان اجتماع الوفد، في حديث لـ"عربي 21": "محاربة الإرهاب تكون بالحرية، وليس بقمع
الحريات، وتكميم الأفواه. وعلى الجميع أن يدركوا أن سياسة
القمع هي التي تولد الإرهاب، مشيرا إلى أنه لا أحد مع الإرهاب، ويجب كشف الحقائق للرأي العام وتقديم الدليل".
وأضاف البلشي: "إغلاق الباب أمام رؤية الأخطاء التي تحدث هو تكريس لتلك الأخطاء وشرعنة للفساد. ونحن ضد الاستبداد وضد الإرهاب لأنهما وجهان لعملة واحدة".
تأميم الصحافة واقع لا خيال
وانتقد البلشي خروج عناوين (مانشيتات) الصحف تحت عنوان واحد، وكتم أصوات المعارضة، معتبرا ما يحدث هو تأميم للصحافة والمهنة.
وكشف البلشي عن ارتفاع عدد الموقعين على البيان الخاص بهم إلى نحو خمسمئة ، مشيرا إلى أن هناك اجتماعا يوم الأربعاء بنقابة الصحفيين لتكوين جبهة للدفاع عن حرية الصحافة وحقوق الصحفيين.
وجاء بيان رؤوساء الصحف عقب يوم من اجتماع غرفة صناعة الإعلام المرئي والمسموع واتحاد الإذاعة والتلفزيون؛ الذي أكدو فيه وقوفهم صفا واحدا وراء الدولة والقوات المسلحة ورجال الشرطة في كل الإجراءات الحاسمة لحفظ أمن مصر وشعبها في الحرب ضد الإرهاب.
بدورها، قالت الصحفية حنان عبد الفتاح، نائبة رئيس تحرير جريدة المساء لعربي 21: "إن أساس تقدم أي دولة يقاس بحرية الرأي والتعبير، والصحافة أحد أهم النوافذ للنظام للاطلاع على واقع المواطن". واستنكرت الإطناب والمديح المتلاحق للحكومة في قراراتها دون مناقشة أو تفنيد، ودعت إلى ضرورة "فتح الباب أمام تنفيس البخار وإلا واجهت الدولة الانفجار".
وأضافت: "أن مصر تشهد نوعا جديدا من الصحافة المتماهية في مجاملة النظام لم تكن موجودة من قبل، منتقدة أن يسلك نقيب الصحفيين هذا المسلك المعيب بل وتشجيعه عليه". واستبعدت وجود أية ضغوط من الحكومة على هؤلاء الصحفيين، "لأنهم ببساطة ملكيون أكثر من الملك، وسعداء بالوضع الذي هم فيه".
المعركة بين حرية الصحافة والنظام
يعتبر بعض الصحفيين المناوئين للنظام في مصر أن بيان نقابة الصحفيين يعد تطورا إيجابيا في تلك المرحلة الفاصلة. وفي هذا الصدد يقول المنسق العام لـ"صحفيون ضد الانقلاب" أحمد عبد العزيز لـ"عربي 21": "لطالما طالبنا بعمل مراجعات، فالمعركة الآن بين حرية الصحافة والنظام الانقلابي، لأنه يخشى الحقيقة، وقد أدنّا بيان رؤساء الصحف عقب صدوره، ونتضامن مع بيان الزملاء الآخرين، فجميعنا نعمل على حقوق الصحفي، وحرية الرأي بغض النظر عن موقفنا السياسية فيما بيننا".
واعتبر عبد العزيز أن هؤلاء الصحفيين يمثلون رأس حربة في الجمعية العمومية، وهم الطليعة التي سوف تتصدر المشهد، مشيرا إلى الكم الكبير من المخالفات التي تقوم بها المؤسسات الصحفية بحق الصحفيين المعارضين من مضايقات وتهديدات وانتهاكات.
مواجهة حقيقية في مجلس حقوق الإنسان
كما أكد المنسق العام لحركة "قوميون ناصريون ضد المؤامرة" الصحفي فايد أمين، لـ"عربي 21" أنه يتوقع "أن تفشل تلك المؤامرة التي تمت في حزب الوفد بحضور نقيب الصحفيين، وسيكون للصحفيين رد يتناسب مع الحدث في انتخابات مجلس النقابة القادمة، مشيرا إلى انقلاب عدد من الصحفيين على النظام بسبب سياساته القمعية، والذي يعد هو (أمين) نفسه أحد ضحاياه، حيث تم فصله من جريدة الأسبوع وإغلاق أبواب جميع الصحف أمامه بسبب معارضته للسياسات "الفاشية" للدولة.
الصحافة لا تكون صحافة إذا لم تنقل للقارئ حقيقة ما يحدث حوله، وبشكل موضوعي ومحايد، بحسب نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وحيد عبد المجيد.
وقال عبد المجيد لـ"عربي 21": "على الصحافة أن تقدم الحقيقة للجمهور، وليس بيانات أو منشورات ونشرات، فالصحافة في مصر تمر بمرحلة مبكرة من التطور ولم تصل بعد إلى مستوى ناضج يمكن أن نطلق عليه إعلاما حقيقيا".
وأمام مصر مواجهة صعبة في مجلس
حقوق الإنسان لمواجهة عشرات الدعاوى تتهمها بتراجع مستوى الحريات، وتسيس القضاء، وانتهاك الحقوق، وقمع المعارضة، وتكبيل الديمقراطيات، ومحاصرة منظمات المجتمع المدني وتقييدها.