قبل
الهجوم الذي تعرض له
الجيش المصري في شمال سيناء الجمعة الماضية وأسفر عن مقتل وإصابة عشرات الجنود، كان الرئيس عبد الفتاح
السيسي لا يفوت مناسبة إلا ويوجه نقدا شديدا للإعلام المصري ويتهمه بعدم التعاون معه وأنه يعرقل تقدم الدولة ويزيد الانقسام المجتمعي.
وفي الأسبوعين الأخيرين، ارتفع صوت وسائل الإعلام بالانتقادات العلنية للسيسي وباقي المسئولين بسبب وقوع عدد من حوادث الإهمال، وتردي الأحوال المعيشية للمصريين.
وبلغ التوتر بين الطرفين ذروته الأحد الماضي حينما انتقد السيسي الإعلام في المؤتمر الصحفي مع الرئيس السوداني عمر البشير، وفي نفس اليوم قطعت الحكومة البث عن "وائل الإبراشي" أثناء
انتقاده للحكومة في برنامج العاشرة مساء، وكذلك وجه الإعلامي "عمرو أديب" أعنف انتقاد للسيسي، وقاله له - في نوبة صراحة نادرة – "يا سيادة الرئيس لو مش هاتغير الوزراء الفاشلين يبقى إنت اللي هاتتغير، ولو قولت مفيش كفاءات غيرهم يبقى انت اللي تمشي".
السيسي خط أحمر
وتعددت أشكال النقد للسيسي في معظم وسائل الإعلام المصرية الخاصة المملوكة لرجال أعمال مقربين من نظام مبارك بشكل غير مسبوق منذ الانقلاب، ونشرت الصحف الخاصة الكثير من المقالات والتقارير التي تنتقد السيسي بشكل حاد وتشير إلى أن أحوال البلاد في تدهور مستمر.
وردا على تلك الانتقادات، دشن أنصار السيسي هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت بعنوان #السيسي_خط_أحمر_يا_إعلاميون للتعبير عن رفضهم لما يعتبرونه تطاولا على الرئيس.
وكان من المعتاد طوال حكم مبارك أن يركز الإعلام هجومه على الوزراء والمحافظين فقط دون الإشارة إلى رئيس الجمهورية، بل كان في كثير من الحالات يناشد الرئيس التدخل لعلاج خطأ ما أو معاقبة مسئول مقصر، ولم يعرف الإعلام المصري تحميل رئيس الجمهورية المسئولية إلا في السنة التي تولى فيها محمد مرسي الرئاسة فكان يتم تحميله مسئولية كل مشكلة تحدث في البلاد مهما قل شأنها، مع المطالبة بالخروج عليه لأنه المسئول الأول في البلاد.
ومنذ إنقلاب 3 تموز/ يوليو، كان الإعلام دائما ما يلتمس الأعذار للسيسي ويتعلل بظروف البلد الصعبة ومحاربة الإرهاب والمؤامرات الخارجية، لكنه معظم وسائل الإعلام بدأت مرة أخرى في توجيه سهام النقد مباشرة إلى السيسي، وبدأت في تحميله مسئولية الأخطاء التي يرتكبها الوزراء والمحافظون، والتأكيد بشكل واضح أنهم لن يتوقفوا عنه نقده.
الإطاحة بمحمود سعد
لكن الحال تبدل تماما، في اليومين الأخيرين، حيث تغيرت نبرة الانتقاد في وسائل الإعلام وحل مكانها رسائل الدعم والتأييد غير المشروط للسيسي في حربه ضد الإرهاب.
وأصدرت غرفة صناعة الإعلام - التي تضم ملاك القنوات الفضائية - بيانا مشتركا مع التليفزيون الحكومي أكدت فيه دعم الإعلام للقوات المسلحة والشرطة في مواجهة العصابات الإرهابية، مشيرة إلى أن الإعلاميين سيؤدون واجبهم بشرف فى مجابهة الإرهاب والوقوف وراء الدولة والقوات المسلحة والشرطة فى كل الإجراءات الحاسمة لحفظ أمن مصر.
وأعلنت عدم استضافة أي ضيف أو السماح باستمرار أي إعلامي يشكك في قدرات الدولة أو ينتقد مؤسساتها في هذا الظرف العصيب.
وفي أول تطبيق لهذه القرارات، أطاحت قناة النهار بالإعلامي "محمود سعد" ومنعته بشكل مفاجئ من تقديم برنامجه الحواري "آخر النهار".
وأصدرت "النهار"، بيانا السبت، أكدت فيه اتخاذ إجراءات فيما يخص برامجها لمنع ظهور عدد من الضيوف الذين يروجون لشائعات ضد مصر ومستقبلها وتسويق الاتهامات الأجنبية ضد البلاد أو إضعاف معنويات الجيش المصري.
وجاءت هذه الخطوة في ظل مطالبات من مؤيدي النظام - من بينهم مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك - بوقف محمود سعد عن العمل، واتهامه بأنه بالخيانة والتآمر على الجيش والشرطة.
لا عتاب ولا حساب
من جانبه، دعا رجل الأعمال القبطي ومالك قنوات "أون تي في" نجيب ساويرس، إلى عدم انتقاد الدولة وخاصة المؤسسات الأمنية في هذا التوقيت، مبررا ذلك بأن الإرهابيين يريدون للمصريين أن يختلفوا مع بعضهم البعض.
وكان السيسي قد حذر الشعب المصري من السماح لمن سماهم "أعداء الوطن" من التغلغل بين المصريين ومؤسساتهم الأمنية وهز ثقتهم بها، مطالبا المواطنين بالتوحد خلف القيادة السياسية للبلاد في حربها ضد الإرهاب.
كما أصدرت نقابة الصحفيين بيانا موازيا أعلنت فيه الدفاع عن بقاء الدولة المصرية ووقوفها ضد تقويض المؤسسات بحجة الاختلاف مع الحكم أو معارضته!.
وبين عشية وضحاها، تحول "عمرو أديب" الذي كان يطالب السيسي بالرحيل إذا فشل في حل مشكلات الناس إلى أكبر المدافعين عنه وخرج في حلقة السبت يبكي على الهواء قائلا للسيسي "إحنا كلنا معاك، سمي باسم الله وحارب الإرهاب وإحنا في ظهرك، أوعى إيمانك بالشعب المصري يتهز، إحنا بنقف جنب بعض في الأزمات".
واختتم أديب وصلة التأييد للنظام بجملة لخصت العلاقة الجديدة بين الإعلام والسيسي قائلا: "لا عتاب ولا حساب إلا بعد القضاء على الإرهاب".