منذ إسقاط العاصمة صنعاء قبل نحو 4 أسابيع وقبلها محافظة "عمران"، حاولت جماعة "أنصار الله" التمدد في خمس محافظات أخرى هي "حجة" و"ذمار" و"الحديدة" و"إب" و"البيضاء"، وتحقق لها بعض ما أرادت؛ وهو ما اعتبره خبير يمني تدشينا من الجماعة لعهد "دولنة الميليشيا" (تولي المليشيا المسلحة مهام الدولة).
وبينما بسط
الحوثيون سيطرتهم على بعض هذه المحافظات دون عناء، في ظل التزام قوات الجيش بالصمت المعهود، وجنوح السكان المحليين للسلم، واجه
الحوثيون صعوبة في السيطرة على محافظتي إب والبيضاء، حيث تصدت لهم القبائل ومسلحو تنظيم القاعدة.
وتختلف مبررات الحوثيين في السيطرة على المزيد من المحافظات
اليمنية؛ ففي حين كان "تغيير المحافظ" سببا لدخولهم محافظة عمران، جاء تغيير الحكومة والتراجع عن رفع أسعار الوقود كمطلب مقنع قادهم إلى دخول صنعاء، ليتحول الشعار في المحافظات التالية التي سيطروا عليها أو حاولوا ذلك إلى "محاربة القاعدة والمحافظة على الأمن".
ويسود سخط شعبي مما يصفونه بـ"التواطؤ" من قبل الأجهزة الأمنية التي تسهل اجتياح مسلحي الحوثي للمحافظات، لكن وزارة الداخلية، نفت الخميس الماضي، تلك الاتهامات، وأعلنت عبر موقعها الرسمي أن سيطرة الحوثيين على المحافظات لا يتم بالتنسيق معها.
الباحث السياسي في جامعة كاسل الألمانية، أيمن نبيل، اعتبر أن التمدد الحوثي الحالي في المحافظات اليمنية هو تدشين منها لـ"عهد دولنة الميليشيا" في اليمن، معتبرا أنه "لا يمكن فهم تمكن الحركة الحوثية من التوسع السريع في المحافظات اليمنية المختلفة إلا في إطار الرضا الإقليمي والدولي عن ذلك".
وفي حديثه دلل على صحة وجهة نظره، قائلا إن "عبارات إبداء القلق ومشتقاتها، تتلاشى عند حديث البعثات الدبلوماسية عن توسع الحركة الحوثية في البلاد".
وأضاف أن "هذا الرضا والتوافق تتبدى معالمه في نسخ ذات الحالة، التي يسرت للحركة إسقاط صنعاء، في إسقاط كل من الحديدة وإب، ومساندة قوات من الجيش، وليس التغاضي فحسب، وتغاضي القوى السياسية المحلية في مواقفها الرسمية عن تناول الموضوع بحدة، مع تيسيرات أكبر، تؤكد بأن دولنة المليشيا هي المعلم الرئيس للمرحلة القادمة فيما يخص جغرافيا الشمال".
وتابع الباحث اليمني: "التوافق الإقليمي والدولي، يضع اليمن في سياق تفاهمات النفوذ الدولية الخاصة بالمنطقة العربية؛ أي كجزء عضوي من سياق تفاهمات النفوذ في المناطق الملتهبة في العالم العربي وليس معزولا عنه".
وتتهم السلطات اليمنية إيران بمساندة جماعة الحوثي في إطار مساعيها للتغلل ودعم نفوذها في المنطقة العربية وبينها اليمن، وهو ما تنفيه طهران، كما ينفي الحوثيون كذلك أي صلة لهم بإيران.
من جانبه، حذر الصحفي في جريدة الجمهورية (حكومية)، جمال حسن، من اندلاع "حرب طائفية" في البلاد جراء التوسعات التي يقوم بها الحوثيون، حاليا، في المحافظات اليمنية.
وقال: "عندما تتوسع جماعة الحوثي، وترسل مقاتليها إلى محافظات إب والحديدة، والرغبة قائمة لإرسالهم إلى تعز (وسط)، ومحافظات أخرى؛ فإن ذلك سيكون تمهيدا لإشعال الحرب الطائفية.. البعض يبسط المسألة، لكن القادم سيؤكد ذلك".
وأضاف: "الاستفزاز كفيل بدفع الناس إلى حمل السلاح، جماعة الحوثي ليس لديها مشروع، بخلاف تأمين التواجد الإيراني في المنطقة، وهي ستستفز الهويات الصغيرة بأقصى حد".
وبحسب أحد الخبراء بالشأن اليمني فإنّ الأمر "لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن دخول الحوثيين في مواجهات مع القاعدة، لا يحتمل سوى معنى واحد هو الحرب الأهلية، لأن حربا كهذه لا تهدف إلى فرض القانون، بقدر ما تهدف إلى تصفية الحسابات المذهبية والعقائدية، وهي مهمة، قد تُرضي واشنطن والغرب، ولكنها سوف تأتي حتماً بنتائج عكسية وستكلف اليمنيين ثمناً باهضاً من دمائهم وأمنهم واستقرارهم وعيشهم المشترك".
وتطمح جماعة الحوثي للسيطرة على محافظة تعز، ذات الكثافة السكانية الأعلى في البلد، والتي يتبعها جغرافيا مضيق باب المندب وميناء المخا التاريخي، لكن اجتماعا لقيادات الجيش والسلطة المحلية، تعهد الأربعاء الماضي، بعدم السماح لمليشيات الحوثي، بالدخول إلى المحافظة، وهو ما يفسر الخشية الدولية من سيطرة أي جماعة مسلحة على منفذ ملاحي هام كباب المندب.
وكان الحوثيون قد سيطروا على ميناء الحديدة وميناء ميدي القريب من السعودية، لكن سيطرتهم على تعز، ستضمن لهم السيطرة على الشريط الساحلي اليمني على البحر الأحمر كاملا، من ميدي بمحافظة حجة، إلى باب المندب والمخا بمحافظة تعز.