نستكمل الدراسة لنوضح طبقا للمعلومات المتوفرة الدور الاقتصادي للأجهزة الأمنية وهو المعلوم بالضرورة لكل متابع وكيف كانت تتحكم في الحياة الاقتصادية حيث تمتلك المخابرات العامة الكثير من الشركات الاقتصادية كالشركة الوطنية لأعمال المقاولات وشركة دهب للسياحة وشركة فالكون للأمن........الخ .كما تقوم المخابرات الحربية بالإشراف على جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة وما يحويه من مشروعات عملاقة كقطاع التعدين والمحاجر و المصانع الحربية ومزارع الثروة الحيوانية والنباتية والشركات كشركة النصر للبتروكيماويات وشركة صافي للمياه المعدنية والزيوت وشركة كوين سرفيس للنقل وشركة الوطنية للمواد البترولية وشركة شرق العوينات وشركة مكرونة كوين.......الخ.
وتقوم الأجهزة الأمنية بخلاف ذلك بالتحكم في أسعار الكثير من السلع الرئيسية ومدى توافرها كوسيلة من وسائل الضغط على الرأي العام.
وبدراسة الواقع الذى تحياه
مصر منذ عام 1952 مع بدء حكم العسكر نجد أن هناك تحورا وتحولا في دور الأجهزة الأمنية المصرية عن المهمة الرئيسية في ظل نظام مبارك وكان سببا رئيسيا في ولادة
ثورة 25 يناير !حيث لم يكتف ضباط تلك الأجهزة الأمنية بتنفيذ أدوارهم الموكلة إليهم والتي يعلمون تمام العلم أنها تساهم بشكل رئيسي في تدمير كيان دولة لصالح فرد، وإنما راحوا يستغلون مناصبهم الرفيعة ووظائفهم الحيوية أبشع استغلال وبما يصب في مصلحتهم الشخصية، فعملوا على الاستفادة من جميع مؤسسات الدولة في القطاع العام والخاص ورجال الأعمال وكبار الموظفين من أجل الحصول على امتيازات شخصية في صورة أراضي وفيلات وشقق سكنية وهدايا عينية وتعيين ذويهم وأقاربهم في وظائف مرموقة وغير ذلك من الامتيازات المادية المختلفة وما سلف ذكره على سبيل المثال لا الحصر، ويكفى أن نعلم أن أكثر من 35% من الوظائف القيادية في مصر كانت حكرا على عناصر الجيش والشرطة شراءً للولاء أو شكرا على الأداء !!.
وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبعد تولي المجلس العسكري زمام الأمور بالدولة، اعتمد المذكور على الأجهزة الأمنية اعتمادا كليا في التخطيط لإعادة إنتاج النظام السابق واستعادة أوضاع السيطرة على مقاليد الحكم إلى ما كانت عليه مع وضع عين الاعتبار ضرورة تفادي الوقوع في أخطاء النظام الأمني السابق، فقام بتنشيط كافة الأجهزة الأمنية ودعمها دعما شديدا وإطلاقها للعمل وفق مخطط مدروس ومحبوك دراميا وطبقا لجدول زمني تم الاتفاق عليه بإجماع الآراء بعد مشاورات عديدة على النحو الآتي:
المرحلة الأولى
في الفترة ( من11 فبراير إلى 8 مارس 2011 )
من يوم التنحي إلى قبل أحداث 9 مارس
1- الشارع المصري:
أ- قيام أقسام العمليات النفسية بالسيطرة على معظم وسائل الإعلام وتوجيهها نحو الاستمرار بأسلوب غير مباشر في التنويه الإعلامي إلى الآتي:
1- حدوث انشقاق بين المجلس العسكري ونظام مبارك.
2- سبب الانشقاق أن المجلس العسكري كان ضد فكرة التوريث ولا يريد استخدام القوة.
3- المجلس العسكري هو الحامي للثورة والثوار.
4- المجلس العسكري كان يعاني من فساد مبارك ونظامه طيلة السنوات الماضية.
5- المجلس العسكري متعاطف تعاطف كلي مع جموع الشعب.
6- نظام مبارك رحل بلا عودة.
وكل هذا ما هو إلا عملية من الخداع والتمويه لتأهيل جموع الشعب نفسيا للمخطط القادم.
ب- قيام كافة عناصر البحث بالأجهزة الأمنية بالاستيلاء على كافة المواد المصورة لأحداث ثورة 25 يناير من ماسبيرو لمنع تسرب الحقائق إلى الرأي العام.
2- القوى السياسية:
قيام جميع أقسام العمليات النفسية بتوجيه الإعلام للتنويه الضمني لإعلان الآتي:
1- نجاح ثورة 25 يناير ورحيل النظام السابق وهرمه السياسي.
2- المجلس العسكري لم يكلف بتولي السلطة من الرئيس السابق وإنما انقلب عليه.
3- المجلس العسكري متواجد على الساحة السياسية لإدارة المرحلة الانتقالية فقط.
4- المجلس العسكري ينوي تسليم السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
5- شمس الديمقراطية تشرق لأول مرة في جمهورية مصر العربية.
والهدف من ذلك بث الأمل لكافة القوى السياسية للتهدئة لكسب الوقت للتعامل مع الأزمة.
3- القوات المسلحة:
1- إصدار الأوامر إلى ضباط المخابرات الحربية التابعين للمجموعات والمكاتب الفرعية بالانتشار مع الوحدات المقاتلة في أماكن تمركزها ومراقبتها مراقبة شديدة والإبلاغ الفوري عن تطورات الأحداث لقيادة المجموعات والمكاتب.
2- إصدار الأوامر إلى هؤلاء الضباط بضرورة الإشادة المستمرة بدور الوحدات المقاتلة في تنفيذ مهامها، و إخبارهم بصفة مستمرة أن العهد البائد للقوات المسلحة قد انتهى وان التغيير للأفضل قادم لا محالة.
3- الترويج لخبر عفو القائد العام عن الضباط المنضمين للثوار وهم الرائد أحمد شومان والنقيب محمد فتحي.
والهدف من ذلك امتصاص الاحتقان التراكمي والذي كان مكبلا في صدور جميع أفراد القوات المسلحة لما عايشوه من قهر وذل وفساد في المؤسسة العسكرية تحت قيادة أعضاء المجلس العسكري.
المرحلة الثانية
في الفترة ( من 9 مارس إلى 21 مارس 2011 )
(من قبل أحداث يوم 9 مارس إلى قبل حادث قطع أذن المواطن أيمن متري)
1- الشارع المصري:
قيام أقسام العمليات النفسية للأجهزة الأمنية بالاستمرار في توجيه معظم وسائل الإعلام للتنويه ضمنيا بالآتي:
1- جميع نقاط المرحلة الأولى.
2- رحيل الثوار الحقيقيين أبطال ثورة 25 يناير عن الميدان بعد نجاح الثورة.
3- انتهاء الثورة وعودة الحياة الطبيعية للبلاد.
4- العناصر المعتصمة بالتحرير عبارة عن مجموعات من الفتيات والشباب.
5- انتشار التحرش الجنسي والزنا والمخدرات بين المعتصمين.
6- الاعتصام بالتحرير سبب لتعطيل المرور وبالتالي تعطيل مصالح المواطنين.
7- انتشار البلطجة وظهور البلطجية بميدان التحرير.
والهدف من ذلك هو بدأ أول خطوة في مشوار شيطنة وتشويه الثورة والثوار بتقسيم الثوار إلى ثوار وبلطجية لمنح المجلس العسكري نفسه المبرر أمام الرأي العام في استخدام القوة ضد الثوار تحت مسمى البلطجية وقد ظهر ذلك في أحداث 9 مارس من تعذيب للثوار وإجراء الكشف عن العذرية وكذلك في أحداث كلية الإعلام.
2- القوى السياسية:
قامت أقسام العمليات النفسية بتوجيه كافة وسائل الإعلام للترويج الإيجابي بالآتي:
1- المجلس العسكري يدعو إلى استفتاء شعبي لإجراء تعديلات دستورية.
2- ضرورة المشاركة في الاستفتاء الشعبي.
3- الموافقة على التعديلات الدستورية هو الاختيار الأمثل.
4- إبراز دور المجلس العسكري في الإفراج عن المعتقلين سياسيا مثل خيرت الشاطر وحسن مالك وعبود وطارق الزمر.
والهدف من ذلك استخدام الأغلبية من طوائف الشعب كوسيلة في بدأ تنفيذ سيناريو مخططاته.
3- القوات المسلحة:
1- قيام ضباط المخابرات الحربية بمراقبة صفحات التواصل لاجتماعي والتوصل إلى مجموعة أطلقت على نفسها ( ضباط الجيش المصري ) على موقع الفيس بوك بلغ عدد أعضائها 3586 ضابط والإبلاغ عنها ثم تتبع العناصر النشطة فيها وإلقاء القبض عليهم جميعا وبلغ عددهم 126 ضابط وبدأ عمليات التحقيق والاستجواب لهم.
2- قيام ضباط المخابرات الملازمين للوحدات المقاتلة في مناطق الانتشار بإبراز دور المجلس العسكري في منح أفراد القوات المسلحة مميزات جديدة كحمل التسليح الشخصي ودفعات عائد الزمالة والتصديق بقرض حسن وإلغاء الدوريات الانضباطية......الخ.
3- قيام ضباط المخابرات الحربية بكتابة تقارير خاصة بالرأي العام داخل القوات المسلحة ورفعها للمستوى الأعلى.
المرحلة الثالثة
في الفترة ( من 22 إلى 28 مارس 2011 )
(من بعد حادث أيمن متري إلى قبل حادث هدم الأضرحة)
1- الشارع المصري:
قيام عناصر أقسام العمليات النفسية بالترويج من خلال وسائل الإعلام المختلفة إلى أن عناصر التيارات الإسلامية يقومون بعمليات إجرامية كقطع آذان المارة في الشوارع المختلفة كقطع أذن المواطن أيمن متري بقنا بدافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والهدف من ذلك هو عملية تأهيل الرأي العام للتصعيد الذي سيأتي في المرحلة المقبلة.
2- القوى السياسية:
قيام قسم العمليات النفسية بالمخابرات العامة بتوجيه بعض وسائل الإعلام الموالية للنظام السابق بالتنويه إلى أنه قد تم عقد صفقات سياسية ما بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس العسكري وذلك للآتي:
1- اختزال شعبية جماعة الإخوان المسلمين كخطوة هامة على هامش خارطة الطريق والتي من أهدافها الرئيسية غرس الفتنة ما بين الفصائل السياسية المختلفة وذلك بالترويج لفكرة أن الإخوان المسلمين قد تسلقوا على أكتاف الثورة بنزولهم يوم 28 يناير وعدم مشاركتهم منذ البداية.
2- التشويه في الدعوة السلفية وذلك بالترويج لفكرة أن السلفيين كانوا ضد الثورة منذ البداية بدليل أنهم حرموا الخروج على الحاكم.
3- الشروع في استكمال مخطط تقسيم قوى التوحد الثوري.
3- القوات المسلحة:
رفع تقارير رأي عام لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة تفيد بضرورة عقد مؤتمرات متعددة ومتنوعة مع جميع أفراد القوات المسلحة بواسطة قادة الجيوش والمناطق ومديري الإدارات ورؤساء الهيئات والبعض من عناصر المجلس العسكري بهدف:
1- الإلمام بتوجهات الرأي العام داخل المؤسسة العسكرية بدقة.
2- المضي قدما في مخطط امتصاص حالة الاحتقان التراكمية بداخل الأفراد.
3- تنفيذ مخطط جديد وهو البدء في عملية التأهيل التدريجي لأفراد القوات المسلحة معنويا للتأثير على معتقداتهم و آرائهم وتشكيكهم في نزاهة الثورة والثوار.
4- السعي في استقطاب ولاء أفراد القوات المسلحة للمجلس العسكري من خلال منحهم امتيازات مادية ممثلة في دفعات إضافية من عائد الزمالة.
لعله بعد استعراض ما تم من إجراءات من قبل المجلس العسكري لتثبيت وجوده وتفريق الثوار وترهيب الشعب واستمالة أفراد القوات المسلحة نفهم بذور الفتنة التي نشرها المجلس العسكري المتضرر الأول من قيام الثورة ! كي يفرق الصفوف ويشترى الولاءات وهذا مهم لفهم أحداث وقعت ومازالت تقع حتى اليوم والى اللقاء في الحلقة الثالثة.