فجّرت حادثتا وفاة السجينين علي بن خميس اللواتي ومحمد علي السويسي، في فترتين مختلفتين خلال الأيام الأخيرة، قضية جرائم التّعذيب في
السجون التونسية ومراكز الإيقاف من جديد.
وربّما بات من الصعب على المنظّمات الحقوقية وأهالي الضحايا تصديق روايات وزارة الداخلية وتأكيدات تقارير الطبّ الشرعي من أنّ الوفاة ناجمة عن أسباب لا علاقة لها بالتعذيب، بسبب ما شهدته تونس من ممارسات شبيهة، ضدّ الإسلاميين خاصة، خلال فترة الحكم البورقيبي ونظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
محمد علي السويسي (33 سنة) ألقي عليه القبض أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بسبب عقوقه لوالدته. وبقي في مركز الإيقاف حوالي الأسبوع، لكن سرعان ما تدهور وضعه الصحّي فتمّ تحويله إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.
لا يشكو من أيّ مشاكل صحّية
وقال معزّ السويسي، الذي أدلى بشهادته الخميس أمام قاضي التحقيق، لـ"عربي 21" إنّ شقيقه متزوّج وأب لطفل (8 أشهر) وقد اشتكته والدته إلى الشرطة بسبب العقوق لكن انتهى به الحال إلى غرفة الأموات بعد تعرّضه إلى
التعذيب، بحسب تأكيد محدّثنا.
ويضيف قائلا: "شقيقي تمّ إيقافه في منزلنا وكان بصحّة جيّدة ولا يشكو من أيّ مشاكل صحّية، لكن حين تغسيله بعد وفاته كانت عديد الكدمات تغطّي أماكن مختلفة من جثته بالإضافة إلى أثار عنف في رأسه وهو ما يؤكّد تعرّضه إلى التعذيب".
تعذيب وحشي
وكرّرت الحقوقية ورئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب راضية النصراوي في تصريحات صحفية شكوك منظمتها حول وفاة السجينين محمد علي السويسي وعلي بن خميس اللواتي، الذي توفّي الاسبوع الماضي بالسجن المدني بالمرناقية.
وأكّدت أن هلاكهما ربّما يكون بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرّضا له من قبل أعوان الأمن والسجون وعدم الاكتراث بعلاجهما، مطالبة في الوقت ذاته السلطات القضائية بضرورة فتح تحقيق قضائي.
ونقلت النصراوي، التي قدمت شكاية جزائية ضدّ وزارة الداخلية، تأكيد والدة الهالك علي بن خميس اللواتي بأنّها لاحظت وجود آثار تعذيب على جثّة ابنها.
الرئيس على الخطّ
ولم تكتف النصراوي بالبيانات والتصريحات الصحفية بل أصرّت على ملاحقة الحقيقة من خلال مقابلة رئيس الجمهورية محمد منصف المرزوقي الخميس وعرض قضيتي وفاة السجينين اللواتي والسويسي على أنظاره.
ومن جانبه تفاعل الرئيس المرزوقي وكلف مستشارَيْه لحقوق الإنسان خالد مبارك، وللشؤون القانونية، محمد المسعي، بمتابعة ملف "احتمال وفاة السجينين بسبب التعذيب من قبل قوات الأمن" وذلك بحثا عن إنصاف للمشتكى بهم وضمان عدم الإفلات من العقاب في صورة تورّطهم في تعذيب الهالكين.
توظيفها سياسي
لكن في المقابل شدّد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي في تصريح لـ"عربي21" قائلا إنّ حادثة وفاة السجينين وقع توظيفها سياسيا أكثر من اللزوم وأنّ هناك من استغلها بهدف القيام بحملته الانتخابية لرئاسة تونس، ويعني مرشحي رئاسة تونس، على طرفي النقيض، رجل الأعمال الملياردير سليم الرياحي وزعيم الجبهة الشعبية اليسارية حمّة الهمّامي.
ورفض العروي ما يتمّ تداوله من أن ممارسات وأساليب نظام بن علي بخصوص التعذيب مازالت تعشّش في المنظومة الأمنية في تونس. مضيفا أنّه لا يمكن الحديث عن سياسة أو منهجية تعذيب بعد ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول، 14 يناير/ كانون الثاني 2011 لأن ذلك يتطلّب تواطؤ من عديد الأطراف المتدخّلة في أيّ قضية وهي النيابة العمومية وقاضي التحقيق والطبيب الشرعي ومُعطي التعليمات والمنفّذ وهو ما لا يمكن أن يتوفّر اليوم على عكس ما كان يحدث قبل الثورة.
وأكّد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية أنّ هناك اكثر من 20 عون أمن اليوم متعلّقة بهم قضايا تجاوز القانون والتعذيب وهم موقوفون ويخضعون للتحقيق. مضيفا: "لا ندعي الفضيلة ولم نقل إن اعواننا لا يخطئون ولا يتجاوزون القانون. ربّما ثمّة سوء معاملة لكن لا يرتقي ذلك إلى سياسة أو منهجية تعذيب. ووزارة الداخلية في كلّ الأحوال لا تسارع إلى الدفاع عن أّيّ كان من أعوانها قبل التثبّت والتأكّد من الحقيقة، فهي لا تدافع بشكل دغمائي عمّن ينتسبون إليها ويتجاوزون القانون ولا يحترمون
حقوق الإنسان".
تقرير الطبيب الشرعي
ورغم صدور تقرير الطبيب الشرعي من مستشفى شارل نيكول بالعاصمة والتأكيد على أن الوفاة ليست ناتجة عن الاعتداء بالعنف إلاّ أن ردود الفعل الغاضبة في الأوساط الحقوقية بدت غاضبة جدّا وساخطة على أعوان الأمن والسجون.
وقد أكّد تقرير الطبيب الشرعي بخصوص السجين الهالك محمد علي السويسي وجود عديد التعفنات المتطورة بعديد الأعضاء وخاصة منها بالقلب والرئة والدماغ والكليتين. أيضا وجود آثار وخز إبر قديمة على مستوى الأعضاء اليمنى اليد والساق وتعفن حاد في كامل الأعضاء وصولا إلى تعفن في القلب وذلك بسبب استهلاك مواد مخدّرة على اعتبار أن الهالك من مروّجي المخدّرات ومن أصحاب السوابق في التهديد بالسلاح والاعتداء بالعنف الشديد بواسطة آلة حادة على السلف وافتكاك متاع الغير والسرقة والنشل والعقوق بحسب بلاغات تفتيش لوزارة الداخلية.
وتبقى قضية السجينين مفتوحة على ما سيقرّره القضاء وما سيتوصّل إليه مستشارا الرئيس منصف المرزوقي، لكن هل تعيد الحادثتين المعزولتين جرائم تعذيب الوحشي للإسلاميين ولضبّاط وعسكريي قضية "برّاكة الساحل" خلال نظام بن علي إلى سطح الأحداث من جديد؟.