قررت المحكمة العليا البريطانية رفع
الحصانة عن
ولي العهد البحريني، الأمير ناصر بن حمد
آل خليفة، والمضي بإجراءات المحاكمة في الدعوة المقدمة ضده بتهمة
تعذيب بحرينيين اعتقلوا خلال المظاهرات المعارضة للنظام بالبحرين في عام 2011، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام ملاحقة مسؤولين آخرين بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في بلدانهم، حسب خبراء قانونيين.
وقد أبطل قضاة المحكمة العليا بهذا الحكم قرارا سابقا للنيابة العامة البريطانية برفض اعتقال الأمير ناصر، باعتباره يمتلك حصانة ضد الاعتقال.
وقال مصدر قانوني مطلع لـ "عربي21" إن المحكمة العليا البريطانية عقدت جلسة للبت في حق الأمير البحريني بالحصانة، وإن مكتب الادعاء العام تراجع خلال هذه الجلسة عن قراره السابق بتثبيت الحصانة للأمير، ما دفع المحكمة لاتخاذ قرارها بنزع الحصانة عنه.
وكانت الدعوى قد قدمت ضد الأمير ناصر أثناء وجوده في لندن لحضور بعض فعاليات الألعاب الأولومبية في لندن في العام 2012، ولكن السلطات البريطانية سمحت له بالعودة لبلاده في ذلك الوقت لامتلاكه الحصانة الدبلوماسية.
وقال المراسل القانوني لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي بي سي) إن قرار المحكمة العليا يتيح المجال لاعتقال الأمير، والتحقيق معه في حال عودته إلى
بريطانيا.
القرار يفتح الباب أمام ملاحقة مسؤولين مصريين وإسرائيليين وإماراتيين
من جهته، قال خبير قانوني بريطاني لـ "عربي21" إن هذا القرار يعتبر خطوة كبيرة تجاه نزع الحصانة عن الطبقات الحاكمة التي تواجه اتهامات بالمشاركة في جرائم دولية، وسيحقق العدالة ضد "أولئك الذين يرتكبون جرائم خطيرة، ثم يختبئون خلف مواقعهم السياسية".
وأضاف الخبير القانوني البريطاني الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن جماعات الضغط والمحامين كانوا دائما يؤكدون إن الحصانة لا تنطبق ويجب أن لا تنطبق على السياسيين والقيادات العسكرية في حال وجود تحقيقات وادعاءات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مشيرا إلى أن قرار المحكمة البريطانية العليا يظهر مدى الإنجاز الذي يمكن أن يتحقق عندما يتمسك الضحايا بنضالهم القانوني للحصول على العدالة من خلال المحاكم.
وأكد الخبير القانوني البريطاني إن قرار المحكمة بنزع الحصانة عن ولي عهد البحرين يقوي فرص الضحايا في أماكن أخرى بمتابعة قضاياهم أمام المحاكم في بريطانيا وغيرها من الدول، لتقديم المسؤولين عن الجرائم الدولية للعدالة. مضيفا، "لم يعد لدينا أدنى شك بأن المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية في مصر، إسرائيل،
الإمارات وغيرها من الدول، سيقدمون للعدالة.. هؤلاء المسؤولون السياسيون والعسكريون لم يعودوا محميين من خلال درع الحصانة المشين"، حسب قوله.
ويذكر أن قادة الانقلاب العسكريين والسياسيين في مصر قد يواجهون خطورة الاعتقال؛ في حال نجح محامو جماعة الإخوان المسلمين بالحصول على قرار مشابه بنزع الحصانة عن مسؤولين مصريين متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بعد انقلاب 3 يوليو من العام الماضي.
وكانت الجماعة قد كلفت فريقا قانونيا لملاحقة المسؤولين المصريين في بريطانيا وعدة دول أوروبية، بتهمة قتل واعتقال الآلاف، وممارسة التعذيب الممنهج ضد معتقلين معارضين للانقلاب.
قضية مستمرة منذ عام 2011
وكانت الدعوى ضد الأمير ناصر قد قدمت من قبل مواطن بحريني أطلق على نفسه اختصارا اسم "ف.ف"، متهما الأمير ناصر بالمسؤولية عن تعذيبه أثناء اعتقاله في البحرين، دون أن يتهمه بالمشاركة الفعلية والمباشرة بالتعذيب.
وبحسب القانون الدولي الإنساني فإن على الدول "تجريم التعذيب" أثناء الاعتقال، بغض النظر عن نوع أو تهمة المعتقلين، وهو ما يعني أن الدول التي لا تنفذ الالتزامات المترتبة عليها في القانون الدولي الإنساني تعتبر شريكة في جرائم التعذيب ضد المعتقلين.
ومع تطور القوانين الإنسانية في العالم، أصبح مبدأ "الحصانة الدبلوماسية" ضيقا إلى أبعد الحدود، حيث استثني منه مسؤولون سابقون كما حصل مع الدكتاتور التشيلي السابق بينوشيه.
ولكن إسقاط الحصانة عن الأمير ناصر يمثل سابقة في القضاء البريطاني بنزع الحصانة عن مسؤول سياسي كبير لا يزال على رأس عمله.
وأشار موقع "بي بي سي" باللغة الإنجليزية إلى أن المركز الأوروبي للحقوق الدستورية والإنسانية ومقره برلين، كان قد أرسل ملفا لمكتب الإدعاء العام البريطاني يحتوي على "أدلة تؤكد الادعاءات بتورط الأمير ناصر بتعذيب ثلاثة معتقلين في نيسان/ أبريل 2011".
وقدم المواطن البحريني "ف.ف" طلبا بمراجعة قانونية قرار المدعي العام البريطاني بمنح الأمير ناصر الحصانة، وهو الأمر الذي قاد إلى صدور القرار الجديد بنزع هذه الحصانة، ما قد يعرض الأمير للاعتقال في حال دخوله بريطانيا.
وبدوره، قال محامي المواطن "ف.ف" إن بريطانيا ملزمة باعتقال الأمير والتحقيق معه بالادعاءات.
وفي المقابل، أكدت السلطات البحرينية على أهمية القرار الأصلي بعدم اعتقال الأمير، كونه سيكون "إجراء غير لائق في ظل غياب الأدلة"، مشيرة إلى أن الدعوى ذات دوافع سياسية، وتحاول إساءة استخدام "الفرص القانونية" المتاحة في النظام القضائي البريطاني.