لم يعد أمام الدبلوماسية الفلسطينية لملاحقة مجرمي الحرب
الإسرائيليين سوى الاستعداد التام للمعركة القانونية القادمة، والتي يمكن خوضها بعد انضمام
السلطة الفلسطينية للمحكمة
الجنائية الدولية، حيث طالب حقوقيون السلطة بمقاومة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية والانضمام للجنائية.
المسار الوحيد
وقال رئيس الهيئة الفلسطينية لملاحقة جرائم الاحتلال، الدكتور محمد النحال، وهو أستاذ القانون الدولي المساعد في الجامعة الإسلامية بغزة، إن "توقيع السلطة الفلسطينية رسميا على ميثاق روما والانضمام لمحكمة الجنايات الدولية يسمح لها بطلب التحقيق في
جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الاسرائيلي، وهذا هو المسار الوحيد المتوفر حاليا"، على حد قوله.
وهنالك ثلاثة مسارات لتحريك الدعوة الجنائية، الأول يتمثل بطلب مجلس الأمن من محكمة الجنايات الدولية أن تحقق في جريمة تدخل في اختصاصها، ولكن "بات هذا مستحيلا بسبب وجود الفيتو الأمريكي"، والثاني أن توقع إحدى الدول الأعضاء على ميثاق روما، والثالث أن يقوم المدعي العام للمحكمة من تلقاء نفسه ببدء التحقيق و"هذا بعيد المنال بسبب الضغط الأمريكي على المدعي العام"، بحسب النحال.
وبدوره، انتقد المدير التنفيذي لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، كينيث روث، رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي لم يحسم موقفه من الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، خلال كلمته أمام الأمم المتحدة.
وقال: "على عباس أن يتوقف عن الحديث عن العدالة بصفتها ورقة مساومة، ويتقدم لإعطاء المحكمة الولاية القانونية في فلسطين، لأن ذلك حق من حقوق ضحايا جرائم الحرب في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، على حد تعبيره.
تحريك الدعوة
وأكد النحال أنه "لا خيار سوى انضمام دولة فلسطين إلى ميثاق روما، وبالتالي يصبح لزاما على المحكمة تحريك الدعوة"، محذرا من التأخير في ذلك من قبل رئيس السلطة الفلسطينية باعتباره الجهة المخولة بالتوقيع"، معتبرا أن التأخير "يضر بمصلحة الشعب الفلسطيني".
وحول تأجيل الانضمام للمحكمة خشية ملاحقة بعض القيادات الفلسطينية، بيّن النحال أن الاحتلال الإسرائيلي "من الصعب عليه أن يثبت مزاعمه بارتكاب المقاومة الفلسطينية جرائم حرب، لأنها تمارس حق الدفاع الشرعي عن النفس".
وكان الرئيس التونسي محمد المرزوقي، دعا إلى ملاحقة القادة الإسرائيليين أمام القانون الدولي، وقال: "نعتقد أن منطق الإفلات من العقاب قد انتهى، من ارتكبوا الجرائم ضد الفلسطينيين عليهم أن يحاكموا أمام القانون الدولي".
جرائم منظمة
وانتقد النحال "عدم وجود التنسيق" بين المؤسسة الرسمية والمؤسسات الأهلية التي تعمل على توثيق جرائم الاحتلال، مطالبا وزير العدل "بالإشراف على هذه الجهود".
وأضاف: " لا توجد مظلة رسمية تجمع الجميع كما هو الحال لدى الاحتلال حيث لديه جهات رسمية ترعى المعركة القانونية في محاولة لتحقيق انتصار قانوني".
وتعمل العديد من الجهات على توثيق جرائم الاحتلال، ومنها الهيئة الفلسطينية لملاحقة جرائم الاحتلال (توثيق)، وهي جهة رسمية، إضافة إلى العديد من المراكز الحقوقية.
واتهم النحال السلطة الفلسطينية بعدم "الاهتمام الكافي بما يرقى بمستوى الملاحقة الجادة لمجرمي الحرب"، مطالبا بجهة ترعى كافة الطاقات لتكون في بوتقة واحدة لتحقيق انتصار في المعركة القانونية".
بدوره، شدد مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة، عصام يونس، على أن "ما حدث في قطاع غزة شهد جرائم حرب منظمة، وغير مسبوقة كما ونوعا"، معتبرا أنه " لم يعد بالإمكان تحقيق الحد الأدنى من العدالة وضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب إلا بالانضمام إلى ميثاق روما كي يتمكن الفلسطينيون من تحريك الدعوة الجنائية".
الاشتباك القانوني
وقال يونس: "لا يوجد مبرر لعدم الانضمام للجنائية، جميع القوى السياسية والشعبية الفلسطينية أجمعت على التوجه للجنائية الدولية"، مضيفا: " نحن نريد عدالة بحسب الدم الذي سال ولا زال يسيل".
وتأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وبالتوقيع على ميثاق روما تصبح فلسطين عضوا فيها.
واتهم يونس المؤسسات الدولية بالكيل بمكيلين "فمن جهة تدعي الدفاع عن العدالة وقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى تمارس عكس ذلك من خلال فرض شروط وضغوط على السلطة والرئاسة"، على حد قوله.
وتكون ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين من خلال "عمل متواصل يحتاج للاشتباك القانوني مع الاحتلال كلما توفرت نافذة لذلك"، وفق ما أكده مدير مركز الميزان، الذي يطالب بالبقاء على "صدارة القضية الفلسطينية، والعمل على تقديم مجرمي الحرب للعدالة".
وقال: "يجب الإبقاء على هذا الدفع بشكل قائم ودائم، من أجل إرباك حياة هؤلاء المجرمين بشكل دائم، في تنقلهم ترحالهم".