بابتسامة، بلّغ الشاب الغزيّ مصطفى داوود (27 عاماً) خطيبته (نورا)، أن مركب زفافهم الذي سيقلّها من منزلها حتّى صالة
الأفراح، لن ترافقه زفّة شعبية، والمعروفة غزيّاً باسم "
الفدعوس"، مراعاةً لأوجاع أهالي "
الشهداء" والجرحى بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل على القطاع واستمرت 51 يوماً.
ويرى داوود، الذي يقطن في حيّ الشُّجاعية، شرقي مدينة
غزة، أن
الزفة الشعبية التي ستتخللها أصوات موسيقى وطبول صاخبة، ستنكأ جراح ذوي ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة الذي لم يمض على انتهائه سوى شهر واحد.
و"الفدعوس" هي زفّة شعبية
فلسطينية تعتبر من العناصر المكمّلة لحفل الزفاف، وتعطي ذلك الحفل بهجةً، إذ يرافق "الفدعوس" موكب العروسين من منزل العروس، وحتّى الصالة التي سيعقد فيها الحفل.
وفكرة الفدعوس قائمة على فرقة موسيقية تغنّي أغاني شعبية قديمة ويتم استخدام الآلات الموسيقية المختلفة، وأبرزها الطبلة، والمزمار البلدي، كما يتخلل تلك الزفّة دبكةً شعبية، أو الرقص بالخيل.
ولم يكن وقع القرار الذي اتخذه داوود صادماً بالنسبة لخطيبته التي وافقته الرأي، ليبلغها بلا تردد أنه بصدد إلغاء "حفل الشباب".
وحفل الشباب، هو احتفال تقيمه العائلات في قطاع غزة، قبيل موعد زفاف "نجلهم" بليلة واحدة ويشارك فيه أصدقاء وأقارب العريس، ويتخلله فقرات غناء شعبي فلسطيني، ورقص ودبكة شعبية، واسكتشات مسرحية في بعض الأحيان.
ويضيف: "التخلي عن تلك العادات، التي تعتبر صارخة بعد الحرب على غزة، نابع من المسؤولية الإنسانية والاجتماعية، فلا زال حي الشجاعية يضج بـالآلام التي خلّفتها حرب الـ51 يوماً".
وتابع: "لابد لهذه الحياة أن تستمر، فالزواج أمرٌ مفروغ منه خاصة لمن كان قد جهّز كافة أموره قبل الحرب، لكن مع مراعاة حالة ما بعد الحرب التي يعيشها القطاع حالياً".
واستكمل قائلاً:" ومن باب الإنسانية ألغيت الحفلة (حفل الشباب) التي من المفترض أن تضج بالأغاني الشعبية".
أما الشاب وائل يحيى (25 عاما)، فقد غيّرت الحرب مسار خطته التي وضعها سابقاً، بشكل لا يرضى زوجته المستقبلية.
فبعد مرور 51 يوماً من الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، وما صاحبها من تدمير للمباني والمنازل، ارتفعت أسعار العقارات والشقق السكنية بغزة، إذ بات يشكّل ذلك الأمر عائقاً أمام الصورة التي رسمها يحيى لمستقبله، حسب يحيى.
وتابع: "أعمل سائق أجرة، وسعر الشقة السكنية ارتفع إلى الضعف، ولو أردت أن أستأجر شقة سكنية صغيرة فإن ذلك سيكلّفني كامل ما أحصل عليه خلال الشهر".
وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي الذي خلّفته الحرب التي بدأت في 7 يوليو/ تموز الماضي، أثّر على مناحي الحياة المختلفة بغزة، كما غيّر العادات الاجتماعية والخطط المستقبلية.
ولفت إلى أنه وزوجته سيعيشون لعدة أعوام في منزل والده حتّى يتمكن من استئجار منزل يؤويه وأسرته.
وأبدت المواطنة ريم غضبان (22 عاماً) انزعاجها من قرار خطيبها الذي يفرض عليها أن تعيش في بيتٍ مشترك مع أخيه وأسرته المكونة من 5 أفراد، بعد أن دمّرت الطائرات الإسرائيلية منزلهم، خلال الحرب.
وقالت غضبان: " إن الحياة في غزة بعد الحرب، تغيّرت مساراتها، وتغيرت الخطط التي كانت موضوعة لحياة أفضل"، مشيرة إلى أن العادات الاجتماعية بغزة كان لها نصيب من الحرب.
وأضافت: "في عائلتي العادات لها نصيب من حياتنا، مثلا لم نعتد أن نسكن في منزلٍ مشترك، كما أن العائلة تلتزم بالحفلات التي تسبق حفلة الزفاف، إلا أن هذا كلّه فقدناه بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة".
أما المواطنة رانية حامد (23) عاماً، والتي تنتظر حفل زفافها الذي سيقام بعد أقل من 10 أيام، تعبّر عن حزنها لأنها ستتوّج عروساً "دون ملابس جديدة أو حتّى مصاغ".
وتابعت : "الطائرات الإسرائيلية استهدفت منزلنا خلال الحرب، وكنت أضع في غرفتي ثيابي الجديدة التي جهزتها لحياتي الزوجية، كما أن الذهب الذي اشتريته لحفل الزفاف كله ضاع بين ركام المنزل".
وأشارت إلى أن الحرب غيّرت شكل حفل زفافها، وشكل حياتها الاجتماعية المستقبلية.
الفلسطيني محمود زين الدين (27 عاما)، فضل التخلي عن أبرز العادات الغزية في الأفراح بإلغاء "وليمة الغداء"، و"موكب الزفة" بسبب تعرضه لخسائر مالية كبيرة بعد تدمير الطائرات الإسرائيلية لمتجره في مدينة غزة.
ويقول زين الدين، الذي كان يملك متجرا لبيع الملابس في مدينة غزة: "فقدت مصدر رزقي ولم أعد أملك إلا القليل من المال، وموعد حفل زفافي بعد أسبوع، لذلك قررتُ تقليص نفقات الزفاف بإلغاء وليمة الغداء وموكب الزفة".
ويضيف الشاب الغزي "وليمة الغداء ستكلفني 2500 دولار، وموكب الزفة 700 دولار، وبهذا المبلغ يمكنني أن أعيد بناء جزء من متجري المدمر، ولن يلومني أحد على إلغائهما فالجميع يقدر الظروف الصعبة بعد الحرب".
وشنت إسرائيل عدوانا على قطاع غزة في 7 يوليو/ تموز الماضي، استمر لمدة 51 يومًا، وأسفر عن استشهاد 2149 فلسطينيًا، وإصابة 11 ألف آخرين.
ودمر عدوان الـ51 يوماً على غزة، 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق إحصائيات لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.