لم يكن تاريخ حركة المقاومة الإسلامية (
حماس) حافلا بالمفاوضات المباشرة أو غير المباشرة مع
إسرائيل، باستثناء محادثات اضطرت الحركة لعقدها عبر وسطاء، لإبرام اتفاقيات تتعلق بوقف اعتداءات إسرائيلية على قطاع غزة، وأخرى للإفراج عن أسرى
فلسطينيين معتقلين في سجون إسرائيل.
ومنذ نشأتها ترفض حماس التفاوض بصورة مباشرة مع إسرائيل، وتنتقد قيام حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بذلك.
إلا أن القيادي في الحركة، وعضو مكتبها السياسي، موسى أبو مرزوق ألمح مؤخرا إلى إمكانية حدوث تغيير في وجهة نظر حماس تجاه هذه القضية، حيث قال الخميس الماضي في تصريح لفضائية فلسطينية إن حركته قد تضطر إلى خوض
مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، بضغط شعبي حال استمر الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه من حصار خانق.
وهذه هي المرة الأولى التي يلمح قيادي بارز في الحركة إلى إمكانية التفاوض المباشر مع إسرائيل.
وسارعت حركة حماس، لإصدار بيان الخميس، لتوضيح موقفها حيال تصريحات أبو مرزوق، حيث قالت إن "المفاوضات المباشرة مع إسرائيل ليست ضمن سياسة الحركة، وليست مطروحة في مداولاتها الداخلية، وهذه السياسة المعتمدة في حماس".
وكانت المرة الأولى التي يلتقي فيها قيادي من حماس مع القادة الإسرائيليين عام 1988 حيث اجتمع القيادي في الحركة محمود الزهار، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت إسحاق رابين ونائبه شيمون بيريز.
وقال الزهار في تصريحات للصحفيين في وقت سابق إنه "التقى أكثر من مرة في العام 1988 مع رابين وبيريز بناء على استدعاء من الأخيرين".
ووفق الزهار فإن بيريز، عرض عليه في ذلك الوقت، انسحاب إسرائيل بشكل كامل من قطاع غزة، ومن ثم الانسحاب على مدار ستة أشهر من الضفة الغربية، باستثناء مدينة القدس، ولكن القيادي بحماس رفض الطرح الإسرائيلي.
وبعد نحو 18 عاما، عادت حماس إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، ولكنها هذه المرة كانت عبر وسطاء، بعد أن أسرت كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح للحركة، مع فصيلين فلسطينيين، الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط في عملية عسكرية نفذوها في موقع كرم أبو سالم العسكري الإسرائيلي شرق مدينة رفح جنوبي قطاع غزة في 25 يونيو/ حزيران عام 2006.
وكان هدف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس التي رعتها مصر، إطلاق سلاح أسرى فلسطينيين مقابل الإفراج عن شاليط.
ومرت مفاوضات صفقة تبادل الأسرى بعدة مراحل تواصلت الأولى من 2006 حتى 2009، ولكنها فشلت في التوصل إلى اتفاق بسبب تمسك الطرفين بمطالبهما، وبعد 2009 اتخذت المفاوضات منحى جديدا حيث تدخلت أطراف دولية وإقليمية فيها ومن بينها ألمانيا وفرنسا وقطر وتركيا.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 2009 سلمت حماس إسرائيل عبر الوسيط المصري شريط فيديو مصور، يظهر فيه الجندي الأسير جلعاد شاليط لمدة دقيقتين مرتدياً الزي العسكري وحاملاً جريدة إخبارية فلسطينية بتاريخ 14 سبتمبر/ أيلول 2009.
ومن خلال هذا الشريط نجحت حماس بوساطة ألمانية مصرية في تأمين الإفراج عن 19 أسيرة فلسطينية، حيث كانت إسرائيل تطالب بدليل مادي يثبت أن شاليط لا يزال على قيد الحياة.
وشهدت المباحثات تطورات حقيقية في 2011، ليتم إبرام صفقة في 18 أكتوبر/ تشرين أول 2011 تم بموجبها إطلاق سراح شاليط وتسليمه من حماس إلى السلطات المصرية مقابل الإفراج عن 1027 أسيرا وأسيرة فلسطينيين.
وخاضت حماس مع عدد من الفصائل الفلسطينية بينها "الجهاد الإسلامي" مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل برعاية مصرية عام 2012، من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار متبادل، حيث شنت إسرائيل حربا على القطاع استمرت ثمانية أيام متواصلة، بدأتها في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، بعد أن اغتالت نائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام أحمد الجعبري بمدينة غزة.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 نجحت المفاوضات، بتدخل من قطر وتركيا والولايات المتحدة ومصر، في التوصل إلى اتفاق تهدئة نص على وقف الأعمال العدائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وفتح معابر قطاع غزة، وإلغاء المنطقة العازلة، وتوسيع مساحة الصيد لتصل إلى ستة أميال بحرية بدلا من ثلاثة.
وبعد أقل من عامين، عادت حماس إلى التفاوض مع إسرائيل بوساطة مصرية في محاولة للتوصل لاتفاق هدنة في قطاع غزة، بعد أن شنت إسرائيل حربا على القطاع بدأتها في7 يوليو/ تموز 2014 وانتهت بعد 51 يوما.
وهذه المرة خاضت حماس المفاوضات كجزء من وفد فلسطيني موحد يرأسه عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عزام الأحمد، ويشارك فيه منظمة التحرير الفلسطينية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي.
وجاءت هذه المفاوضات، بعد أن طرحت مصر في 14 يوليو/ تموز 2014 مبادرة لوقف الحرب في غزة، قبلتها إسرائيل في حين رفضتها حركة حماس، لتبدأ في 10 أغسطس/ آب 2014 أولى جلسات التفاوض بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي في القاهرة لإضافة تعديلات على تلك المبادرة تحقق مطالب الفلسطينيين.
وفي 26 أغسطس/ آب 2014 توصل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي إلى اتفاق هدنة شاملة، نص على وقف إطلاق النار، وفتح معابر القطاع، وإدخال مستلزمات الإعمار، وتوسيع مساحة الصيد البحري إلى ستة أميال بحرية، بالإضافة إلى استئناف المفاوضات لبحث بقية القضايا خلال شهر من توقيع اتفاق الهدنة.
وبخلاف مراحل المفاوضات السابقة التي خاضتها حماس بصورة غير مباشرة، فإن قيادات الحركة المعتقلين في السجون الإسرائيلية يتفاوضون بصورة مباشرة مع السلطات الإسرائيلية في قضايا تتعلق بتحسين ظروف اعتقالهم.
ومن جانبه رأى هاني حبيب، الكاتب السياسي في صحيفة الأيام الفلسطينية، إن حركة حماس أخطأت في بداياتها عندما جرّمت وحرّمت التفاوض مع إسرائيل، باعتباره خيار ووسيلة يجب أن تظل قائمة لاسترداد الحقوق، بغض النظر عن أسلوب التفاوض الذي تستطيع أن تحدده بضوابط تضعها لنفسها.
وقال حبيب للأناضول إن "تصريح أبو مرزوق الذي لم يستبعد فيه إمكانية التفاوض المباشر مع إسرائيل، يؤكد أن المقاومة الفلسطينية باتت في ظل الظروف الراهنة لا تستبعد أي خيار من خيارات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي ومن ضمن هذه الخيارات العملية التفاوضية".
وأضاف أنه "في ظل نتائج الحرب على غزة، من الممكن لحركة حماس أن تبدأ بمراجعة سياساتها وتكتيكاتها، ولا تستبعد أي خيار من خيارات المواجهة وخاصة في ظل الأوضاع السائدة في المنطقة".
وأوضح أن القوى الإسلامية الفلسطينية تتخذ عادة من عملية المراجعة وسيلة للخوض في العملية السياسية، وتصريح أبو مرزوق يشير إلى أن حماس ربما بدأت تراجع سياساتها المتعلقة بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل.
ورأى حبيب أن المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل فشلت في كثير من مراحلها، وهذا كان باعتراف الرئيس محمود عباس الذي لجأ إلى الأمم المتحدة، لانتزاع اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، ولكن ذلك لا يلغي أنها تبقى خيارا مفتوحا لاسترداد "الحقوق الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي".