مقالات مختارة

حذارِ من اعتبار «داعش» الشر المطلق البديهي!

1300x600
كتب بكر صدقي: لا يدعو هذا المقال إلى التقليل من خطر داعش أو الانكفاء عن مواجهته أو تفهُّم جرائمه الفظيعة، بل فقط إلى الابتعاد عن البداهات التي يراد فرضها علينا من قبل أطراف لا تقل عن داعش شراً. وهذه الأخيرة طيف واسع من الدول والقوى والجماعات والأفراد، تنتمي إلى جبهات صراع مختلفة، تقاطعت مصالحها على شيطنة داعش وإظهار مواجهته على أنها مواجهة «أخلاقية» أو «إنسانية» وهدفاً لا يعلو عليه أي هدف.

قرار مجلس الأمن الأخير الذي صدر بالإجماع، ضد داعش وجبهة النصرة، تحت الفصل السابع، هو لإضفاء هذه المسحة «الإنسانية العامة» على النسخة الجديدة من الحرب على الإرهاب. ليس فقط الأعضاء دائمو العضوية، مالكي الحق الحصري في الفيتو، أجمعوا على رسم صورة «العدو الجديد للبشرية» بل كذلك كل الدول الأخرى، وبينها دول منغمسة في دعم الإرهاب كإيران، ومعها قوى سياسية وحركات وعصابات إرهابية كحزب الله اللبناني وقوات بشار الأسد الكيماوي. 

أما الإدارة الأمريكية التي وقعت ترسانة من أسلحتها في الموصل في «الأيدي الخطأ» (أي قوات داعش) فقد انخرطت، حتى قبل قرار مجلس الأمن، في الحرب الجوية على «الدولة الإسلامية» جارةً وراءها المقاتلات البريطانية التي تحلق فوق شمال العراق، مع انتقائية لافتة للنظر في تعاملها مع داعش في كل من العراق وسوريا. ففي حين تكفلت المقاتلات الأمريكية بضرب قوافل قوات داعش في شمال العراق، أدى الشريك الأسدي قسطه في «الحرب المقدسة» بغارات جوية مكثفة على الرقة كان أغلب ضحاياها، كالعادة، من المدنيين – العدو الأول لعصابة الأسد. 

تُزَوِّدُ «الحرب المقدسة» الجديدة على «الإرهاب» صناع الإرهاب الحقيقيين، إيران وعصابة الأسد وحزب الله، بغطاء أخلاقي ودولي، وبالتالي إنساني، لجرائمهم الإرهابية، وتتيح لهم عقد صفقات سياسية مع الخصوم تخرجهم من عمق أزمتهم ولو بصورة مؤقتة. هذا ما حصل في لبنان بظهور «إجماع وطني» نادر على دعم الجيش اللبناني في معركة عرسال، الذي كانت نتيجته العملية ارتكاب مجزرة بحق اللاجئين السوريين وترحيل ما تبقى منهم إلى سوريا التي سبق وفروا من أهوال حرب الأسد عليها. 

وهذا ما حدث في العراق بتنحية سبب البلاء نوري المالكي، مع ضمانات بعدم خضوعه للمحاسبة على جرائمه بحق العراق، واستبدال وجه آخر من وجوه حزب الدعوة به، حيدر عبادي، في تكريس لحصر حكم العراق بهذا الحزب الذي يمثل تقاطع المصلحتين الإيرانية والأمريكية. لا يتعلق الأمر بتقليد «النظام التوافقي» المحمي دستورياً بحق الطائفة الشيعية في رئاسة الوزراء، بل بحصر هذا «الحق» بحزب الدعوة وحده: إبراهيم الجعفري – نوري المالكي – حيدر عبادي! 

وعلى هامش الأحداث، استفادت دولة الاحتلال الإسرائيلي من هذه «الحرب المقدسة» والجو النفسي المحيط بها، لتنجو من عقابيل جرائمها الأخيرة في غزة، بعدما استفادت من أعمال عصابة الأسد في سوريا، فاستهدفت المدارس والجوامع، مثلها، للمرة الأولى في تاريخ حروبها على الشعب الفلسطيني. كم يشبه مشهد حي الشجاعية المدمر من قبل الطائرات الإسرائيلية، مشهد مخيم اليرموك في دمشق، وأحياء كثيرة في مختلف المدن السورية.

أما في سوريا، فيبدو أن «الجبهة العالمية ضد داعش» لم تجد بعد لبشار الأسد بديلاً بكفاءته لتدمير ما تبقى من سوريا وقتل المدنيين بالكثافة التي يفعل بها. ليس هذا توصيفاً عاطفياً لما يجري في هذا البلد المنكوب، بل واقع الحال بحرفيته: فبقدر ما هي وحشية حرب عصابات الأسد على سوريا، بقدر ما هي عبثية وبلا جدوى أيضاً. فلا عائلة الأسد قادرة على البقاء في الحكم، مهما كانت شروط نهاية الحرب غير القريبة، ولا السُنَّة في سوريا يمكن أن يتحولوا إلى أقلية سكانية مهما قتلت منهم عصابات الأسد المسلحة أو دفعتهم إلى الهجرة خارج البلاد. العصابة باقية على رأس الحكم، فقط لأن الإيرانيين والأمريكيين لم يقرروا بعد الاستغناء عن خدماتها واستبدالها بغيرها.

فأين هو ذلك البديل، ما دام «الائتلاف» السوري المعارض يتكبد عناء مطالبة الإدارة الأمريكية بمد عملياتها الجوية ضد داعش في العراق لتشمل الإقليم السوري للدولة الإسلامية؟ 

وكأن الإدارة الأمريكية «الغافلة عن مصالحها بالذات» بحاجة لهذا العبقري المعارض ليذكرها بأن داعش منظمة إرهابية واحدة سواء في العراق أو في سوريا. هذا الائتلاف العبقري الذي هنأ الجنرال الانقلابي في مصر بـ»انتخابه» رئيساً، وامتنع بعناد مبدئي عن تهنئة رجب طيب أردوغان في مناسبة مماثلة، مع وجوب التذكير بالفارق النوعي بين الحالتين لصالح الأخير: في مصر إخراج «انتخابي» ركيك للتغطية على افتقاد الدكتاتور للشرعية، مقابل انتخابات شعبية حقيقية في تركيا أوصلت أردوغان بجدارة إلى منصب الرئاسة، مهما كانت مآخذ معارضيه على حكمه. 

داعش أو دولته الإسلامية المزعومة خطر مؤكد، بذاتهما، على شعوب المنطقة كما على الإسلام وصورته. لكن خطورته الأكبر هي في منحه الشرعية لدول وجماعات إرهابية أخرى، بل لما يسمى بالمجتمع الدولي الذي ما زال يحتضن، قبل ظهور داعش وبعده، أخطر مركز لصناعة الإرهاب وتصديره إلى الجوار الإقليمي، في قصر المهاجرين في دمشق.

(القدس العربي)