قال الكاتب الصحفي
ديفيد هيرست في معرض تعليقه على التقرير الذي أصدرته هيومن رايتس ووتش، الثلاثاء، حول مجزرة فض ميداني
رابعة والنهضة بمصر؛ وأدانت سلطات الانقلاب في
مصر بارتكاب جريمة ضد الإنسانية، إنّ معركة إحقاق الحق بدأت لتوها بالكشف عما جرى بالضبط في القاهرة يوم 14 أغسطس من العام الماضي.
وشدد هيرست في مقالته المنشورة بموقع "ذي هافينغتون بوست"، على أن تقرير منظمة هيومان رايتس واتش سيضمن أن يظل زعيم الانقلابيين في مصر مطارداً من قبل أشباح ضحاياه في رابعة إلى أن يهلك، بالرغم من أن طريق
السيسي نحو الهلاك قد يكون طريقاً طويلاً.
ونوه إلى أنّ القلادة التي منحه إياها "مموله" ملك السعودية ما هي إلا رد فعل عصبي آخر على حدث أكبر وأكثر شؤماً، إذ يصادف هذا الأسبوع الذكرى السنوية الأولى لمذبحتين ارتكبتا في وسط القاهرة تقول منظمة هيومان رايتس واتش إنهما سيخلدان في التاريخ على أنهما من أكبر جرائم القتل التي ارتكبت بحق متظاهرين في يوم واحد.
وامتدح هيرست الجهد الذي بذلته المنظمة الحقوقية بالقول "ليست منظمة هيومان رايتس واتش من المنظمات التي تستسلم أو تتخلى عن القيام بواجبها. ها هي المنظمة تصدر تقريراً شاملاً يوثق تحقيقات قامت بها على مدى عام كامل في أحداث المجازر التي وقعت حينما فضت سلطات الانقلاب في مصر اعتصامين كبيرين في ميدان رابعة العدوية وفي ميدان النهضة، في الرابع عشر من أغسطس من العام الماضي".
وأضاف "يسمي التقرير السيسي واثنين آخرين من المسؤولين متهماً إياهم بالمسؤولية المباشرة وإصدار الأوامر بالقتل. ليس هذا فحسب، بل تتهم هيومان رايتس واتش هؤلاء الأشخاص بأنهم خططوا لارتكاب المجازر سلفاً، بدليل أن مسؤولين في وزارة الداخلية كانوا قد كشفوا النقاب في لقاء بمنظمات حقوق الإنسان -تسعة أيام قبل فض الاعتصامين- بأنهم يتوقعون أن يصل عدد القتلى إلى 3500 إنسان".
ونوه إلى أنّ السيسي بوصفه وزيراً للدفاع آنذاك، كان هو صاحب الأمر والنهي داخل القوات المسلحة وقد اعترف بأنه قضى "أياماً طويلة جداً يبحث في التفاصيل" المتعلقة بفض اعتصام رابعة. أما محمد إبراهيم، وزير الداخلية، فهو الذي وضع خطة الفض واعترف بأنه أمر القوات الخاصة بأن "تتقدم وتطهر" المباني داخل الميدان. وأما مدحت منشاوي، قائد القوات الخاصة والمسؤول عن تنفيذ عملية رابعة، فقد تفاخر بأنه أخبر محمد إبراهيم بأننا "سوف نهاجم مهما كلفنا ذلك".
وأكد الكاتب أنّ لهذا التقرير أهمية بالغة، ويمكن تفصيلها من عدة أبعاد:
أما البعد الأول فيتعلق بتسلسل المواقع القيادية وبالمسؤولية عن إصدار الأوامر، وكلاهما أساسي إذا ما أريد التقاضي بنجاح أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وذلك أنها المرة الأولى التي يجري فيها التحقيق وتحديد هوية المتهمين من قبل منظمة حقوق إنسان عالمية بهذا الحجم وبهذه المكانة المرموقة. ورغم أن مصر ليست دولة طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية، ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية ذاتها وضعت عراقيل في طريق مقاضاة المسؤولين عن المذابح، إلا أن تقارير منظمة هيومان رايتس واتش ذات مصداقية عالية وقد تحفز على تفعيل صلاحيات وطنية معينة (في دول حول العالم) تقود إلى توجيه تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق أعضاء الحكومة المصرية. وهذه هي المرة الأولى كذلك التي يثبت فيها التحري والتقصي بطلان حجة الحكومة المصرية بأن قواتها كانت ترد على النيران التي كانت تطلق عليها.
والبعد الآخر وفقا لهيرست أنّ التقرير يؤسس للمسؤولية الجنائية المستمرة لتلك الحكومات التي تستمر في تسليح نظام السيسي في مصر وتستمر في التعامل معه بشكل رسمي.
وأكد أنّه "لم تتوقف بتاتاً انتهاكات نظام السيسي لحقوق الإنسان، بل لقد أثبت قتل ما يزيد عن ألف متظاهر في أغسطس من العام الماضي أن ذلك لم يكن سوى بداية عهد من الرعب تسلط على مختلف مكونات الطيف السياسي المعارض له، سواء كانت علمانية أو إسلامية، وشمل حتى تلك الجماعات التي نزعت في البداية نحو تأييد الانقلاب الدموي الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي بل وأيدت اعتقاله وسجنه. ما لبثت جرائم القتل الجماعي أن توالت، مثل ما جرى في الثاني من أكتوبر 2013 وفي الخامس والعشرين من يناير من هذا العام. ويقدر عدد الذين ألقي القبض عليهم في عمليات القمع والملاحقة بما لا يقل عن 22 ألف شخص".
واستدرك بالقول بأنّه "رغم ما صدر عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من شجب وانتقادات وصفت أعمال القتل بأنها لم تكن مبررة، إلا أنهما ما يزالان يدعمان بفاعلية هذ النظام المغموسة أياديه في دماء المصريين. كانت واشنطن قد علقت جزءاً من مساعداتها العسكرية في أكتوبر من العام الماضي إلا أنها أعلنت في إبريل عن نيتها برفع الحظر عن تسليم عشر طائرات عمودية من نوع أباتشي وما قيمته 650 مليون دولار من المساعدات على اعتبار أنها إنما تساعد في مكافحة الإرهاب وتخدم المصالح الأمنية القومية".
ونوه إلى أنّ "هناك نقطة تتعلق بإطار أوسع، حيث أن الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية ما يزالون يسعون لتحقيق قبول دولي واعتراف بأدوارهم، فالتهامي على سبيل المثال هو الشخص الذي يتزعم جهود التفاوض على هدنة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وبإمكان السيسي السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية دون أن يخشى الاعتقال، رغم أن الجرائم التي ينبغي أن يحقق معه بشأنها بلغت من الخطورة ما يجعلها خاضعة للمساءلة أمام جهات الاختصاص القضائي على المستوى العالمي ومحلياً في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وأمام المحاكم البريطانية".
وخلص هيرست إلى أنّ "القضية التي تتبناها منظمة هيومان رايتس ووتش يمكن عرضها ببساطة على النحو التالي: إذا كان رد مصر على المجازر هو منح مكافآت مالية للذين ارتكبوها وإقامة نصب تذكارية لتكريمهم، فقد آن الأوان لأن يتصرف المجتمع الدولي، سواء من خلال هيئة تابعة للأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو الاتحاد الأفريقي. إلا أن شيئاً من ذلك لن يحدث، بالطبع، لأنه -وكما كان عليه الحال مع جيل من طواغيت أمريكا اللاتينية من قبل- هؤلاء الرجال ما هم إلا حلفاء للغرب، توفر لهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الحماية من خلال الصمت على ما يرتكبونه من جرائم. ولذلك، يمكن إضافة إلى ما حصل الآن أن يكون لهم دور في الصراعات الأهلية الأخرى مثل الصراع الدائر حالياً في ليبيا. ليكن معلوماً أنه طالما استمر السيسي في التمتع بالحماية من الملاحقة والمحاسبة على جرائمه، فإنه سيظل مصدراً أساسياً من مصادر انتشار الفوضى والقلاقل في منطقة الشرق الأوسط".