أكد الكاتب الصحفي مايلز أمور أنّه وبرغم الدمار والقتل الذي أصاب
غزة؛ إلا أنّ الغزيين يتعاملون مع مقاتلي
حماس كأبطال.
وفي التقرير الذي أعده أمور لصحيفة "صاندي تايمز" من غزة، وصف فيه مشهد المقاتلين وهم واقفون تحت عمود كهرباء يتناولون البوظة التي نسوا طعمها وهم في الأنفاق التي لم يأكلوا فيها سوى التمر، وقد تجمع الرجال حولهم يشدون على أيديهم ويعانقونهم؛ واليوم "يعتبرون أبطال غزة" رغم ما سببته الحرب من تدمير، على حد تعبير أمور.
وأشار إلى حجم المأساة في غزة "ففي شهر من القصف الشرس قتل أكثر من 1900 فلسطيني معظمهم مدنيون، وتم محو أحياء بكاملها وأصبح ما يقارب من 65.000 مواطن بدون بيت".
ونقل التقرير عن أحد المقاتلين قوله "لقد أظهرنا للإسرائيليين أننا أقوى مما كانوا يتوقعون"، وأضاف المقاتل وعمره 21 عاما "الجميع يدعمنا" أي في غزة.
وأضاف أمور أن ما يتفاخر به المقاتل ليس مجرد دعاية فارغة، فقد كبدت حماس الجيش
الإسرائيلي 64 جنديا من جنوده؛ أي ستة أضعاف ما خسره في الحروب السابقة.
وأكد أن الحرب كلفت إسرائيل أكثر من ملياري دولار. ولأول مرة يتمكن مقاتلو حماس من شن هجمات في داخل إسرائيل، ووصلت صواريخهم المصنعة محليا لكل المدن الكبرى في إسرائيل، وعطلت حركة الطيران في المطار لمدة يومين. وصد مقاتلو حماس هجوما شنته السفن البحرية، وأرسلوا طائرة بدون طيار للأجواء الإسرائيلية، على حد تعبيره.
ونقل عن ناثان ثرول، الذي يتخصص في موضوع غزة بمركز مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، قوله: "مع أن قدرة حماس لا توازي قدرات إسرائيل؛ لكنهم كانوا قادرين على تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر أكثر مما توقع الكثيرون".
وأضاف: "لكن نجاة حماس الأخيرة تعتمد على قدرة الحركة على تخليص شيء من بين الأنقاض، ففي حالة فشلت في الحصول على تنازلات من إسرائيل فما قدمته الحركة من أداء عسكري لن يكون له أثر والدمار والتضحيات التي قدمها الغزيّون ستذهب هباء".
ووفقا لأمور، تريد حماس من مصر وإسرائيل رفع الحصار عن غزة، فيما تطالب إسرائيل بنزع سلاح كتائب عز الدين
القسام. ولن يتم تحقيق أي من الطلبين لكن المراقبين يتوقعون حصول حماس على بعض التنازلات وربما تخفيف الحصار.
وقال ثرول: "من الناحية السياسية لا ينكرون أن حماس حققت الكثير"، فقد "ألهمت الفلسطينيين أنهم قادرون بسواعدهم على إنهاء الإحتلال، وهذا إنجاز مهم".
وأضاف هذا ما عبر عنه المزاج العام في كل مكان. ويقول رفيق الكفارنة الذي كانت الدموع تغالبه وقد عاد لبيته وليجد أن ما بناه من تجارة وعمل خلال 20 عاما مدمرا "كل واحد هنا يقف مع حماس".
مضيفا: "لقد دمرت إسرائيل عماراتنا وحياتنا فمن ندعم غير حماس"، ولكن مع رفض إسرائيل رفع الحصار فلن يكون بإمكان أشخاص كرفيق بناء حياتهم من جديد، مما قد يسبب تراجع الدعم الشعبي وتحوله لغضب عام.
وتحدث عدد من مقاتلي القسام، الذين خرجوا من الأنفاق بعد انسحاب القوات البرية الإسرائيلية من غزة وهم يشعرون بأنهم منتصرون، عن شبكة الأنفاق والأسلحة طويلة المدى وعمليات التنسيق الدقيقة التي قاموا بها، وكان لها الأثر الأكبر في منع إسرائيل من التوغل عميقا كما فعلت في عام 2008.
ووصف أحد المقاتلين من وحدة البحرية كيف صد المقاتلون هجوما من البحرية الإسرائيلية؛ حيث خرجوا من الأنفاق إلى الشاطئ وبدؤوا بضرب الإسرائيليين وهم يتقدمون نحو الشاطئ. ويقول أبو وليد (19 عاما) "ضربنا شواطئهم ولأول مرة"، و"كنا نريد اختطاف جندي وكان هناك غواصان ينتظران تحت الماء".
وأضاف الكاتب كما نجحت حماس في عمليات اختراق للأراضي الإسرائيلية قامت بها "وحدة مكافحة الإرهاب"، و"كان أفرادها أهم رصيد لنا"، كما يقول القائد أبو مجاهد الذي نجا عام 2005 من محاولة اغتيال إسرائيلية، ويقود الآن وحدة نخبة مكونة من 35 مقاتلا. ومع حشد إسرائيل قواتها على غزة قام أبو مجاهد بالتحرك وتفجير أبواب الأنفاق للتسلل نحو الأراضي الإسرائيلية "كل ما تريده، إيمان وصبر وتمر وماء حتى تنجز المهمة في الأنفاق".
ويتحدث محمود 23 عاما كيف نفعه التدريب الجيد عندما خرج مع خمسة من المقاتلين في اليوم الـ 12 من الحرب لمواجهة العدو وضرب سياراته، وقاموا بالمهمة مخلفين وراءهم أربعة جنود قتلى؛ لكنهم علقوا في النفق عندما ضربه صاروخ من طائرة بدون طيار، وأخذوا يحفرون للخروج منه وبعد خمسة أيام عاشوا فيها على بعض التمر ورشفات الماء خرجوا منه، ولم يصدقوا ما حدث لهم، "شعرت أننا خرجنا من القبور".
ويقول التقرير إن الحرب أخرجت حماس من عزلتها التي عاشتها في الداخل والخارج، فبعد تراجع علاقتها مع كل من سوريا وإيران خسرت حلفاءها في مصر، متمثلين بالإخوان المسلمين، وقام نظام عبد الفتاح السيسي بتدمير شبكة الأنفاق التي كانت تهرب من خلالها البضائع والأسلحة. وهو ما أدى لشل اقتصاد غزة، وتدفقت مياه المجاري في غزة وهو ما أدى لتلويث 90% من المياه الجوفية. وجاء بعد ذلك اتفاق المصالحة مع فتح، حيث سلمت حماس إدارة القطاع للسلطة الوطنية، لكن شروط الاتفاق، فتح المعابر ودفع رواتب الموظفين لم يتم الوفاء بها.
ونوه الكاتب إلى أنّه بالرغم من تقوية ساعد حماس إلا أن الحرب بلا شك أضعفت قدرات حماس العسكرية؛ فقد دمرت إسرائيل ألآلاف من منصات إطلاق الصواريخ، وفجرت 32 نفقا، وقامت بضرب 4760 هدفا، ودمرت البنية التحتية لغزة، حيث تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بحوالي 6 مليار دولار.
ويختم التقرير بحديث لأبي مجاهد أثناء جولة له في حيه المدمر نظرا لما خلفه القصف، يقول فيه "يريدون إثارة الناس ضدنا وضد المقاومة، وما لم يعرفوه هو أنه لم يكن لدينا أي شيء هنا، ولا أي شيء لنخسره، فنحن نموت موتا بطيئا في داخل السجن، ولا يهم إن مات بعضنا وهم يحاولون كسر السجن، ولم يبق أمامنا إلا خيار القتال".