تناول جدعون راخمان في صحيفة "فايننشال تايمز" عن أثر أحداث
الربيع العربي والاضطرابات التي تبعته على تصرفات
إسرائيل، حيث قال إن أحداث ما بعد الربيع العربي أشعرت إسرائيل بالرضا الذاتي وجعلتها تتصرف برعونة كبيرة.
وقال الكاتب: "عندما شاهدت في الأسبوع الماضي المتحدث باسم البيت الأبيض وهو يعلق على قصف إسرائيل مدرسة تابعة للأمم المتحدة أنه "لا يمكن الدفاع عنه" فكرت قليلا وقلت أنني أرى شيئا جديدا. فبالتأكيد، لم يظهر الأمريكيون نقدا بهذه الشدة من قبل لإسرائيل؟ ولكن زميلا بذاكرة قوية ذكرني بحصار بيروت عام 1982 والذي استفز رونالد ريغان لمهاتفة مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي، متهما إياه بارتكاب "هولوكوست"، فلا جديد إذا في أفعال الجيش الإسرائيلي وقتله المئات من المدنيين ولا جديد في الشجب الدولي الذي تؤدي إليه.
ويواصل الكاتب قائلا "في الثلاثين سنة التي مضت على مكالمة ريغان لبيغن، سقط جدار برلين، وانهار الاتحاد السوفييتي وتغيرت الصين وانتهى نظام الفصل العنصري وثورة الإنترنت ونظام الاتصالات، لكن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني تدحرج صاعدا للأمام أكثر من أي وقت مضى، بانتفاضتين، وثلاث غزوات على
غزة، وحروب أخرى في لبنان، وعدد لا يحصى من المبادرات السلمية الفاشلة".
و"في الوقت الذي استمر فيه الإسرائيليون والفلسطينيون رهن نزاع دموي، كانت المنطقة حولهم تتغير بشكل سريع. وفي الوقت الحالي فقد جعلت هذه الأحداث إسرائيل أقل عرضة للشجب الدولي، ولكن على المدى البعيد، فالتحول في مسار القوة العالمي يقترح أن إسرائيل ستواجه مصيرا قاتما خاصة إن لم تتوصل لتسوية سلمية مع الفلسطينيين".
وفي الوقت الحالي، تعتبر إسرائيل مستفيدة من واقع العالم العربي الذي يمزق نفسه، وهو الذي ظل محاميا عن الفلسطينيين في نزاعات سابقة، فسوريا والعراق تغمرهما النزاعات، وليبيا تعاني من اضطرابات، وقتلت الحكومة المصرية نفسها المئات من الإخوان المسلمين في القاهرة، وتتعامل الحكومة المصرية مع
حماس كفرع من الإخوان المسلمين. كما تعادي السعودية، الدولة القوية في المنطقة، حماس بشكل شديد".
وإضافة للأحداث في العالم العربي، التي حرفت الانتباه عن تصرفات إسرائيل، فالتحولات الجيوسياسية خارج العالم العربي خففت من حدة من النقد لإسرائيل، فحكومات الهند والصين وروسيا قلقتان من تهديد الإسلام المتشدد في بلادهم. وفي الأسبوع الماضي قتل أكثر من 100 شخص في إقليم سينجيانغ بعد قتال بدأه الانفصاليون الإسلاميون، ويعيش في روسيا 20 مليون مسلم، وتشعر بالخوف من التشدد الإسلامي بعد شنها حربين وحشيتين في الشيشان. وفي الهند رئيس وزراء هندوسي متطرف هو ناريندا مودي، وهو نفسه متهم بالتواطؤ بأحداث عنف ضد المسلمين.
ومع ذلك فالتحولات السياسية لم يتم التعبير عنها في السياسة الدبلوماسية الرسمية، فقد صوتت كل من روسيا والصين والهند لصالح إجراء تحقيق في إمكانية ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة وذلك في جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (وامتنعت دول الاتحاد الأوروبي عن التصويت أما الولايات المتحدة فقد صوتت ضده).
ويشير الكاتب إلى التناقض في مواقف هذه الدول المعلنة ومواقفها الحقيقية حيث يرى أن الشجب ما هو إلا تعبير شكلي، فبحسب مسؤول إسرائيلي لم يتحدث المسؤولون الصينيون في لقاءاتهم المهمة مع الإسرائيليين عن القضية الفلسطينية "أكثر من 20 ثانية"، وعلاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو بفلاديمير بوتين، الرئيس الروسي جيدة.
ويضيف الكاتب: "في الوقت الذي يبدو فيه أعداء إسرائيل التقليديين أقل عدائية، فحلفاؤها التقليديون باتو أقل حميمية. فالعلاقة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما باردة، وينظر بعض المسؤولين الإسرائيليين نظرة احتقار لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وتظهر استطلاعات الرأي الأمريكية أن الجيل الشاب بات أقل تعاطفا مع إسرائيل مقارنة مع الجيل الأكبر. ومع ذلك فهذه التحولات تحتاج لعقود كي ترشح وتؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية. فموقع إسرائيل في واشنطن حصين، وصوّت الكونغرس بغالبية كبيرة لدعم الهجوم الإسرائيلي على غزة، وأرفقت إدارة أوباما شجبها لأفعال إسرائيل بمواصلة الدعم وبيع السلاح لإسرائيل".
وبنفس المقام "عبر عدد من القادة الأوروبيين وبشكل واضح عن رعبهم من أفعال إسرائيل في غزة، وقادت الأقلية المسلمة الكبيرة في أوروبا المظاهرات المعادية لإسرائيل، ولكن مسلمي أوروبا مهمشون ولا يحظون بشعبية. فقد شجب مانويل فال، نائب رئيس الوزراء الفرنسي المظاهرات المعادية للسامية التي قال إنها تمزج بين "القضية الفلسطينية الجهادية، ومقت إسرائيل، وكراهية فرنسا"، وهذا المزيج يساعد إسرائيل لأنه يخفف من مستوى التعاطف مع الفلسطينيين.
ويقول الكاتب إن "إسرائيل طالما عبرت عن قلقها من إمكانية فرض أوروبا عقوبات عليها، ولكن الإجراءات التي تمت مناقشتها، مثلا منع الاستيراد من المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، ستكون وبشكل عام رمزية في أثرها".
وبعد" هذا المسح العالمي يبدو أن إسرائيل قررت أنها ستتجاهل الشجب الدولي للحرب على غزة، وقد تكون هذه الحسابات صحيحة فيما يتعلق بالنزاع الحالي، ولكن التحولات التي تساعد إسرائيل تحمل معها الشؤم على المدى الطويل، فالاضطرابات في العالم العربي وإن ساعدت على نشوء طيف مساعد لإسرائيل، لكن هذا قد يتغير بسهولة، كما أن بعض القوى الصاعدة في المنطقة -خاصة في العراق- تجعل من حماس تبدو معتدلة".
وبشكل عام فالتراجع النسبي للنفوذ الأمريكي يظل أخبارا سيئة لدولة -تظل في المعنى الثقافي قاعدة أمامية للغرب- وهناك استعداد أقل من الولايات المتحدة للتورط في نزاعات الشرق الأوسط، وهذا يعني وفي المنظور البعيد أن أمن إسرائيل لا يمكن ضمانه إلا من خلال تحقيق السلام مع جيرانها. لكن تحويل غزة لأنقاض وقتل مئات من المدنيين كل عدة أعوام يجعل من هذا المنظور بعيدا".
"وعلى ما يبدو فالحكومة الإسرائيلية المهووسة بالأمن والمدعومة برأي عام متطرف تخلت عن التفكير البعيد المدى".