كتاب عربي 21

من قتل الجنود يا "عبده"؟!

1300x600
كانت الفاجعة التي ذكرتنا بالذي مضي!..

في شهر رمضان المبارك، ُيقتل عدد من الجنود المصريين، من حرس الحدود، في منطقة "الفرافرة"، تضاربت الأنباء حول عددهم، فهم أكثر من عشرين جندياً في قول، وثلاثين في قول آخر. وهم ضحايا للمهربين في قول، وفي قول المتحدث العسكري فان جماعة "جهادية"، و"تكفيرية" هي التي قتلهم ولم تأخذها بهم شفقة!.

أحد قيادات الجيش المصري، تجاوز كل حدود المعقول، وأعلن أن من قتل هؤلاء الجنود، هو "تنظيم القاعدة"، ودليله علي ذلك أن سيارة ترفع علم "القاعدة" كانت ضمن عدد من السيارات التي يستقلها "الجناة". ولا يستبعد بعد ذلك إذا تم الإعلان عن أنه تم القبض علي من ارتكبوا هذه الجريمة وعثروا معهم علي بطاقات هوية، وأن كل واحد منهم يحمل بطاقتين، واحدة موقعة من الشيخ أسامة بن لادن، وهي قديمة، أما البطاقة الحديثة فموقعة من الشيخ "أيمن الظواهري". ومكتوب علي البطاقة عبارة: " علي الجهات المختصة تسهيل مهمة حاملها القتالية"!.

الانقلابيون يتلبسهم "عفريت" اسمه الجماعات الدينية، فكلما وقعت جريمة، لابد أن يكون وراءها تنظيم إسلامي، وكلما تعثرت قدم احدهم فان السبب راجع إلي هذه التنظيمات، التي هي في النهاية تنظيم واحد اسمه الإخوان المسلمين!.

القوم سبق لهم أن أعلنوا انتصارهم علي الإرهاب ونجاحهم في القضاء علي جماعة الإخوان، ومع ذلك يحسبون كل صيحة عليهم، وكل جريمة إنما ارتكبها الإخوان، مع أن المتابع يعلم أن تنظيم القاعدة، ليس متحالفاً مع الإخوان، و"أيمن الظواهري" قائد تنظيم القاعدة الآن، وصاحب العلم الذي كان يرفرف على احدي سيارات الجناة، له كتاب قديم عنوانه: "الإخوان المسلمون والحصاد المر"، قال فيه في الإخوان ما قال مالك في الخمر، ثم أنه لم يكن منحازاً، أو متعاطفاً مع تجربتهم في الحكم، وأوشك أن يقول شامتاً عندما أطيح بهم: "أحسن"، لأن نجاح تجربة الإسلاميين المعتدلين في الحكم، ستخصم من رصيد التعاطف الجماهيري مع الإسلاميين المتشددين، وأن اضطهاد المعتدلين سيعطي المبرر لوجود المتطرفين.  

بيد أن الانقلابيين، وهم يعيشون الفشل الذريع، يعيدون إنتاج تجربة المخلوع مبارك، في أنهم يقومون بمهمة لصالح الغرب مانح الشرعية والاعتراف، فهم يقفون ضد الإرهاب. وتبدو هذه هي تجارة عبد الفتاح السيسي الوحيدة.

الحديث عن أن هناك سيارة ترفع علم القاعدة، وتتحرك في أمان، وتقتل سرية كاملة، أمر يمثل خصماً من قدرات السيسي، وأنصاره لا يجدون ما يقولونه الآن لتبرير انحيازهم له بعد فشله في عموم الملفات: يكفي أنه جاء لنا بالأمن؟!

من قبل قتل المهربون من نفس السرية خمسة جنود، قبل شهرين، ومع ذلك تتكرر الجريمة مرة أخرى، ويبدو أن سلطة الانقلاب ليست مشغولة بأمن هؤلاء "الغلابة"، لتوفر لهم الحماية، فهي مشغولة بمنافذ البيع، التي تقوم عليها القوات المسلحة، وتوفير "كحك العيد"، وقد أعلنت القوات المسلحة عن مهمة توفيره للمستهلكين بأقل الأسعار، فهي صدقت فعلاً أن الإخوان فازوا بالزيت والسكر الذي كانوا يوزعونه علي الفقراء، وهو ما كان مثار استنكار من خصومهم، فقرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة منافستهم بعد أن أرغموا علي ترك الساحة بقوة السلاح، وحتى يساهموا في إنجاح تجربة مرشحهم المختار عبد الفتاح السيسي.

واللافت، أن الضحايا في المرة الأولي كانوا جنوداً، وعندما تم الإجهاز علي السرية بكامل عناصرها، تم الإعلان عن أن الشهداء جنود أيضا، وهم أبناء الناس الغلابة، فأبناء الطبقة العليا لا يرمون بهذه الطريقة، ولا يستغيثون لحظة قتلهم فلا يغاثوا؟!

فلا يوجد ضابط واحد قيل أنه كان في المرتين وأصيب إصابة ولو طفيفة أو حتى هرب عندما التقي الجمعان!.

لقد ذكرتنا هذه الجريمة النكراء، بوقائع أخرى قتل فيها الجنود المصريين، دون القبض علي الجناة، ولم يكن أولها جريمة قتل (25) جندياً، قالت الجهات المختصة أن شخصاً وراء الحادث، مع أنهم وبحسب البيان الأمني وجدوا مقيدين، فهل استطاع شخص واحد القيام بهذه الجريمة.

الجريمة التي تتشابه مع حادث "الفرافرة" هي جريمة مقتل الجنود في رفح، في شهر رمضان أيضاً، منذ عامين، وهي التي استخدمها إعلام الثورة المضادة في التشهير بالدكتور محمد مرسي وبحركة حماس، ولا يزال التشهير إلى الآن. فقادة الجيش، بحسب النغمة، كانوا يعرفون الجناة، لكن مرسي منعهم من إلقاء القبض عليهم لأنهم من أهله وعشيرته في غزة.

ولم يصدر بيان من وزير الدفاع يرد فيه علي كلام السفهاء، ومؤخراً اعترف "أشقاها" بأنه كان على علاقة بعبد الفتاح السيسي منذ كان مديراً للمخابرات الحربية وانه كان يلتقي به يومياً بمعدل أربع ساعات في اليوم.. وأعني به توفيق عكاشة. لنقف بدون جهد علي من كان يقف وراء الدعاية السوداء بأن من قتلوا الجنود هم من حركة حماس.

مرسي تم عزله، واختطافه، ولم يتم القبض علي الجناة، وقام إعلام الثورة المضادة بإعادة إنتاج نفس الاتهام، لتبرير انحياز الانقلاب لإسرائيل في عدوانها علي غزة، وفي شيطنة هذا الإعلام لحركة المقاومة.

"عبده" الذي هو عبد الفتاح السيسي، عثر له علي كلام قديم من خلال تسريب أذاعته الجزيرة مؤخراً وسط الجنود وعندما كان وزيراً للدفاع وهو يعلن أن جريمة قتل الجنود محكمة ومن العادة في الجرائم المحكمة ألا يتم التوصل للجناة. وأنه يعتقد أن جهازاً كبيراً هو من قام بذلك. ولا يطلق في المنطقة علي جهاز بهذا اللقب "الكبير" سوى الموساد.

والمأساة أنه بسب الانقلاب، فان الجيش صار مشغولاً بالسياسة وبالحياة العامة وبتمكين عبد الفتاح السيسي من الحكم، علي حساب مهامه الحقيقية. ليصبح سؤالنا للسيسي: من قتل الجنود؟ هو ترف لا قيمة له، لأنه سيدفعه للقبض علي أبرياء لتسديد الخانات وإسكات الألسنة، كما حدث وتم اتهام عددا من الفلسطينيين بعلميات إرهابية في مصر لنكتشف أن منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر في سجون إسرائيل.

لن نسأل من قتل جنودنا يا عبده.