كتاب عربي 21

"الهشك بشك" في الجامعات المصرية.. من المسؤول؟!

قررت إدارة الجامعة إحالة الطالب للتحقيق- موقع الجامعة
ما باليد حيلة! فقد وددت أن يتوقف الناس عن نشر فيديوهات الرقص في حفلات التخرج ببعض الجامعات المصرية (الإقليمية بالذات)، لأن رأيي أن النشر وإن حمل شعارات البكاء على زمن القيم والمبادئ، والهتاف "وإسلاماه"، فإنه مسؤول عن انتشار هذه التقاليع، من باب التقليد، وباعتبار أن الأمر أصبح ظاهرة، فيكون من المناسب أن يستغل الطالب أو الطالبة؛ الحفل لإظهار مواهبه أو موهبتها!

إعادة النشر تأتي دائما مغلفة بالحزن على مكارم الأخلاق، وهذا من عيوب منصات التواصل الاجتماعي، "فيسبوك" على وجه الخصوص، المنصة الأكثر استخداما في مصر المحروسة، ومن مستخدميه من يعتقد أنه لا بد من النشر اليومي، لهذا فإنه يعيد نشر قصص قديمة، لمجرد أنها مثيرة، فكثير من المقولات تختفي ثم تعود، وتعود ثم تختفي، لأن من يجلبها وجد لديه فراغا قرر أن يشغله، وأحيانا يكون هذا باستخدام ما وصفته بالمنشور الدوار، الذي ينتشر انتشار النار في الهشيم دون أن تعرف صاحبه، فمن يعيد نشره لا ينسبه لمصدره، والفراغ قد يدفع إلى فبركة مقولات على لسان أحد من المنتسبين للسلطة في مصر مثلا، والضرورات تبيح المحظورات، والمعركة ضد النظام تستدعي استخدام كل الوسائل بما فيها الكذب والافتراء، فماذا تركوا لهذه السلطة من سوء؟!

الشيخ كشك وعربة البيض:
توجه يرغب في تعليق الفشل الذي جرى بعد الانقلاب العسكري في رقبة الشعب، الجاهل والبليد، والذي لا يهمه سوى احتياجات معدته، وانفعالاته الدينية ظاهرية فقط، تسقط عند أول امتحان يتعرض له المتدين المصري

وددت لو تعقبت كل هذا بالتعليق، وأحيانا أفعل، كما في منشور شهير يستهدف الإساءة للمصريين، وهو توجه يرغب في تعليق الفشل الذي جرى بعد الانقلاب العسكري في رقبة الشعب، الجاهل والبليد، والذي لا يهمه سوى احتياجات معدته، وانفعالاته الدينية ظاهرية فقط، تسقط عند أول امتحان يتعرض له المتدين المصري!

كم مرة قرأت منشورا متداولا عن كيف أن المصلين خلف الشيخ عبد الحميد كشك كانوا يتجاوبون معه في خطبته، ويبكون وهم يستمعون له، حتى إذا قُضيت الصلاة أفسحوا الطريق لرجال الأمن لاقتياده إلى المعتقل، وأحيانا تكون هناك إضافة، تتمثل في أن المباحث جاءوا أمام المسجد بسيارة لبيع البيض بأقل من سعره، حتى إذا احتشد الناس حولها وتقاتلوا في معركة الفوز بكرتونة بيض، أمكن لقوات الأمن دخول المسجد واعتقال الشيخ!

وهي رواية كاذبة من الألف إلى الياء، فالشيخ اعتقل مرتين، واحدة في عهد عبد الناصر، والثانية في نهاية عهد السادات، وفي المرتين لم يكن الاعتقال من المسجد، ولكن من منزله عبر من يسمون بزوار الفجر، وهو اصطلاح صكه محمد حسنين هيكل، عندما اعتقلوا مديرة مكتبه وأحد مساعديه في "الأهرام"، ضمن الصراع الذي كان دائرا بين عبد الناصر ومؤسسات القوة!

وفي الاعتقال الأخير، خرجت مظاهرات عارمة من المسجد لجمعتين متتاليتين تندد باعتقاله، فمن صاحب رواية إفساح الطريق لاعتقال الشيخ، ومن مؤلف قصة عربة البيض؟!

لقد كان لافتا في الآونة الأخيرة أن يصطنع أحدهم شكلا منسوبا لموقع مهم، يحتوي على تصريحات لمفتي مصر الجديد، فيه من الإساءة والهرطقة ما فيه، وقام كثيرون بتوزيع المنشور على نطاق واسع، في معركة التشويه والتشهير، وكأن معارك الحق يباح الانتصار فيها بالفبركة والتأليف!

ولأن البعض يرى ضرورة أن يثبت حضورا على مدار الساعة لدى متابعي "فيسبوك"، ولأن هناك اتجاها لإثبات أن المصريين ضعف إيمانهم بغياب من يحبون، وكأنهم من قوم موسى، فكان لا بد من الترويج لمظاهر التحلل الأخلاقي بنشر مقاطع الفيديوهات هذه على نطاق واسع، لأنها تؤدي الغرض، وفيها من الإثارة ما فيها! وقد صارت القضية على الشيوع، لا سيما في المقطع الأخير الخاص بجامعة الزقازيق، فقد أصبح من غير المناسب تجاوزها!

الضحك على الذقون:

لقد شاهدنا حفلة تخرج في الجامعة، وجاء من الخلف أحد الشباب، وهو لا يفرق بين احتفال يخص الجامعة وبين ملهى ليلي، في وصلة رقص مثيرة صعد بها على المنصة، ومع الانتشار للفيديو مع الاستنكار له، قررت إدارة الجامعة إحالة الطالب للتحقيق! وهو تصرف لا يمكن فهمه إلا في إطار سياسة "الضحك على الذقون"، فماذا تملك الجامعة حيال خريج لم يتبق له سوى استلام شهادته، وليس من سلطة الجامعة حجبها؟ وهو إجراء كاشف عن أن ما جرى هو ذر للرماد في العيون، ومنذ الإعلان عن ذلك لم نسمع خبرا عن الموقف!
حفلات التخرج التي تنظمها الجامعات المصرية، وصارت تمثل المادة الخام للإثارة التي يستغلها البعض في الترويج لصفحاتهم، مع الصراخ "واإسلاماه" الذي ينقلهم من التأييد إلى الرفض، وإن ساعد في الحالتين في الترويج لهذه المساخر على أوسع نطاق

وهذا فضلا عن أن ملامح الجدية من جانب الجامعة، أن يحال الأساتذة الذين كانوا يقفون على المنصة إلى التحقيق أيضا، ومنهم من شجع، ومنهم من احتفى، وقد شاهدنا جميعا واقفة من أعضاء هيئة التدريس تشارك في التصفيق منذ بداية وصلة "الهشك بشك"، وكأنها تقف في "فرح بلدي"، وكأنها أم العروس في هذا الفرح!

لم تكن هذه هي الوصلة الوحيدة لحفلات التخرج هذا العام، كما لم يكن هذا العام وحده الذي شهد هذا الإخلال بالقيم الجامعية، فالأمر يحدث منذ سنوات، بحسب ما نشاهده عبر منصات التواصل الاجتماعي، فلا نعرف إن كان هذا حفل تخرج أم قاعة أفراح!

فهناك أمران لا يعرف المرء بدايتهما الحقيقية في مصر، الأول هو حفلات التوقيع للكتب وحفلات التخرج من الجامعات. وأذكر أن المرة الأولى التي شاهدت حفلة توقيع كانت في منتصف التسعينات، عبر جريدة "السفير" اللبنانية، لكتاب صدر لرئيس تحريرها طلال سلمان؛ "الهزيمة ليست قدرا"، ولم نكن وقتئذ نعرف هذا اللون من الحفلات في مصر، لكن الأمر شاع الآن، وصار الناشرون الجدد يهتمون بالنشر لمن يملك متابعين له على منصات التواصل الاجتماعي، يمكن حشدهم في حفلات التوقيع بمعرض القاهرة للكتاب لشراء الكتاب، ولو كتب الكاتب "ريان يا فجل"، سيجد -بالتالي- من ينشر له!

الأمر الثاني هو حفلات التخرج التي تنظمها الجامعات المصرية، وصارت تمثل المادة الخام للإثارة التي يستغلها البعض في الترويج لصفحاتهم، مع الصراخ "واإسلاماه" الذي ينقلهم من التأييد إلى الرفض، وإن ساعد في الحالتين في الترويج لهذه المساخر على أوسع نطاق!

قرأت لأستاذ جامعي كتب على استحياء أن هذه الحفلات صارت بيزنس لبعض الأساتذة المقربين من إدارة الجامعات، وأن شركات تقوم على تنظيمها وليس شرطا أن تكون في قاعة داخل الجامعة، وإنما يحدث أن يتم تأجير قاعة في ناد أو فندق، وتمثل هذه الحفلات أعباء مضافة على كاهل الأسر!

ولأن الهدف معروف، فهناك تحلل من إدارة الجامعات من التقاليد الجامعية، وتتحول القصة على النحو الذي نراه إلى رصيد سلبي مضاف ينال من سمعة الجامعات والتعليم في مصر، وكأن المشرحة بحاجة إلى المزيد من القتلى!
قبل تقليعة حفلات التخرج، كانت بعض الجامعات الإقليمية تنظم حفلات غنائية بداخلها، ولا بأس في ذلك إن استدعت مطربين يليقون بوقار الجامعة، وما ينبغي أن يكون عليه الأمر، وقائمة المطربين في هذا الصدد طويلة، وإحدى الجامعات الإقليمية لم تدعُ لحفلها فيروز، أو نجاة، أو عفاف راضي، أو هاني شاكر، ولكن دعت لإحياء المولد؛ المطرب الشعبي صاحب أغنية بحبك يا حمار

وهذا الانفلات تتحمله إدارة هذه الجامعات، ووصلات "الهشك بشك" لا تحدث في عموم الجامعات المصرية بالمناسبة، وإن عمم الترويج لهذه المقاطع حتى جعل من عموم الجامعات تشارك في ذلك، وهذا غير صحيح!

بحبك يا حمار:

وقبل تقليعة حفلات التخرج، كانت بعض الجامعات الإقليمية تنظم حفلات غنائية بداخلها، ولا بأس في ذلك إن استدعت مطربين يليقون بوقار الجامعة، وما ينبغي أن يكون عليه الأمر، وقائمة المطربين في هذا الصدد طويلة، وإحدى الجامعات الإقليمية لم تدعُ لحفلها فيروز، أو نجاة، أو عفاف راضي، أو هاني شاكر، ولكن دعت لإحياء المولد؛ المطرب الشعبي صاحب أغنية بحبك يا حمار!

وقد نشرت مقالا لأحد الأساتذة في هذه الجامعة استنكر فيه ذلك، فأحالته إدارة الجامعة للتحقيق، وقد استدعاه برنامج في التلفزيون المصري ليناقشه في الموضوع، وإذ تم استدعاء رئيس الجامعة على الهاتف للتعليق، فقد أخذ القضية في اتجاه آخر، فالأستاذ محال للتحقيق لأن طالبة اتهمته بالتحرش بها، وارتبك الأستاذ، وارتبكت المذيعة، وارتبكت أنا كمشاهد، فلم يتم التطرق إلى الشق الآخر في القضية وهي من شقين، شق الإحالة للتحقيق، وشق تنظيم الجامعة لهذا السيرك!

وموضوع التحرش كان بفعل فاعل، وقد قررت الجامعة استخدام العمليات القذرة لتمرير حفلتها التي أحياها مطرب بحبك يا حمار، فلما تم تجاوز الحفل الساهر، تم سحب بلاغ التحرش!

وبدون البحث عن كبش فداء، وإجراءات إبراء الذمة، وذر الرماد في العيون، وإخلاء سبيل المتهم الحقيقي وهو إدارة هذه الجامعات، فإن الأمر مسؤولية وزارة التعليم العالي، التي عليها أن تلغي حفلات التخرج تماما.

هذا، بدون لف أو دوران!

x.com/selimazouz1