المعارضة التركية تعيش منذ فترةٍ حالةً من التخبط والتيه لم يسبق لها مثيل، وبسبب هذه الحالة تنتقل من فشل إلى آخر وبسبب سلسلة الفشل هذه يزداد تخبطها وتيهها. والأدهى من ذلك والأمر أنها كلما حاولت الخروج من حالة التخبط والتيه تبوء محاولاتها بالفشل، بل وتؤدي إلى تكريس هذه الحالة.
آخر حلقة لسلسلة فشل المعارضة التركية ترشيح الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو لرئاسة الجمهورية. وهذا الاختيار هو بحد ذاته فشل كبير للمعارضة يعبر عن عدم ثقة زعماءها بأنفسهم في منافسة رئيس الوزراء رجب طيب
أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وكذلك عن العجز في الحصول على أحد في صفوف أحزابها يمكن أن تقدم إلى الناخبين كمرشح مؤهل لتولي أعلى منصب في
تركيا.
استطلاعات الرأي وآراء المراقبين تتفق في أن حظوظ مرشح المعارضة أكمل الدين إحسان أوغلو أمام أردوغان ضئيلة، ويقول مصطفى ساريغول، مرشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية السابقة، إن إحسان أوغلو يمكن أن يحصل فقط على 30 أو 33 بالمائة في الانتخابات الرئاسية. وهذا فشل آخر يعكس حالة التخبط والتيه، لأن المعارضة التي قامت باستيراد مرشح من خارج الساحة السياسية كان بإمكانها على الأقل أن تختار مرشحا قويا يتمتع بحظوظ أكثر مما يتمتع بها إحسان أوغلو في هذه المنافسة.
الهزيمة المتوقعة للمعارضة في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى جولتها الأولى في العاشر من أغسطس / آب القادم سوف تضيف حلقة أخرى لسلسلة فشلها الطويلة. ومن المتوقع أيضا أن ينعكس هذا الفشل سلبا على حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية. ويدور الحديث حاليا أن هناك أطرافا في حزب الحركة القومية تسعى إلى إسقاط رئيسه الحالي دولت باهتشلي ليتولى رئاسة الحزب أكمل الدين إحسان أوغلو. ولكن الزلزال الأقوى بعد هزيمة الانتخابات الرئاسية قد يحدث في حزب الشعب الجمهوري، لأن رئيس الحزب السابق دنيز بايكال ومؤيديه ينتظرون بفارغ الصبر نتائج الانتخابات لتصفية حساباتهم مع رئيس الحزب كمال كيليتشدار أوغلو.
دنيز بايكال الذي اضطر لتقديم استقالته من رئاسة حزب الشعب الجمهوري جراء انفجار فضيحة جنسية تورط فيها مع نائبة من حزبه، كان يحلم بأن يرشحه حزب الشعب الجمهوري لرئاسة الجمهورية، ولذلك استاء كثيرا من ترشيح أكمل الدين إحسان أوغلو، إلا أنه فضَّل تأجيل تمرده على كيليتشدار أوغلو إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية ليكون وقعه أقوى بعد الهزيمة المتوقعة، ولكن كون دنيز بايكال، الزعيم الفاشل الذي تم إسقاطه بتسريب مقاطع فيديو فاضحة، هو البديل المحتمل لرئاسة حزب الشعب الجمهوري لعله من أقوى الأدلة على حالة التخبط والتيه التي تعاني منها المعارضة التركية.
مرشح المعارضة لرئاسة الجمهورية أكمل الدين إحسان أوغلو هو الآخر يعكس بتصريحاته وتصرفاته تلك الحالة ويواصل مفاجأة الجميع. فالرجل تولى منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي التي تم تأسيسها من أجل الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى ولكنه صرح بأن تركيا عليها أن تظل محايدة في الصراع الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين. ثم أطلق تصريحا آخر من العيار الثقيل قائلا إن تركيا كانت عليها أن لا تفتح أبوابها للاجئين السوريين. وفي جولته بميدان تقسيم في إسطنبول، رفع إحسان أوغلو أمام الكاميرات مجلة "اليسار التركي" التي صدرت بعنوان "لماذا نعم لأكمل الدين؟"، لتلتقط أفضل صورة تعبر عن تخبطه، لأن الخط السياسي الذي تمثله تلك المجلة غاية في التطرف والعنصرية إلى درجة أن الخط السياسي الذي يتبناه حزب الشعب الجمهوري يعد معتدلا بالمقارنة معه.
مجلة "اليسار التركي" صدرت في السابق بعناوين تشير إلى تطرفها وعنصريتها، ومنها ما يدعو الجيش إلى التدخل وعمل الانقلاب وما يدعو إلى اغتيال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وما يهدده بالإعدام. وفي عدد لها صدرت بغلاف فيه صورة مؤسس المدرسة النورسية وصاحب رسائل النور الشهيرة الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي وكتب بجوارها: "ليس رجلا حرا بل رجل سافل".
إن كان إحسان أوغلو لا يدري ما تمثله مجلة "اليسار التركي" التي رفعها في ميدان تقسيم أمام الكاميرات فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أكبر. وكيف سيطلب من القوميين اليمينيين ومن محبي الأستاذ سعيد النورسي أصواتهم بعد أن انتشرت صورته وهو يرفع تلك المجلة العفنة؟
الخطوة الأولى التي يجب أن تقدمها المعارضة التركية نحو المخرج هو الاعتراف أولا بأنها تعاني من حالة التخبط والتيه، لأنها بدون الاعتراف بما تعاني منها لن تجد الطريق الصحيح وسوف تظل متخبطة في صحراء التيه السياسية لتنتقل من فشل إلى آخر لسنوات طويلة.