إذا ما أسفرت انتخابات الرئاسة عن نتيجة قطعية في الجولة الأولى، كما هو متوقع، فإن
تركيا ستحظى برئيس جديد في الحادي عشر من أغسطس. حقيقة أن الرئيس الجديد سيكون أول رئيس ينتخب مباشرة من قبل الشعب أمر مهم كما هي أيضاً حقيقة أن
أردوغان هو المرشح المفضل. ولذلك قصة.
كان من المفروض أن تجري الانتخابات الرئاسية السابقة في العام 2007، إلا أن النخب الكمالية العلمانية بذلت جهداً هائلاً لمنع ترشح أي من أعضاء حزب أردوغان للانتخابات القادمة. ولو أنه سمح للعملية أن تأخذ مجراها كما ينبغي لانتخب مرشح حزب العدالة والتنمية رئيساً من قبل أعضاء البرلمان. تزامن إعلان منظومة الوصاية اللائكية عن أن مرشحاً للرئاسة من حزب العدالة والتنمية لن يكون مقبولاً مع استنفارها للجهاز القضائي وللعسكر، فما كان من العسكر عشية الانتخابات إلا أن أصدروا بلاغاً كان له فعل الانقلاب الناعم.
بات ذلك معروفاً ببلاغ السابع والعشرين من إبريل. في هذه الأثناء لجأ القضاء إلى الشعوذة، ففجأة خرج إلى الوجود شرط جديد يقضي بأن إجازة الرئيس داخل البرلمان ذي الـ 550 مقعداً تحتاج إلى 367 صوتاً. لم يسمع أحد بهذا الشرط ولم يره أحد من قبل، ولكن بمجرد دعم المحكمة الدستورية لهذا الشرط اللامنطقي بات من غير الممكن لحزب العدالة والتنمية أن ينجح في إجازة مرشح من داخله، وذلك أنه كان يحظى بما يزيد عن نصف مقاعد البرلمان ولكن دون الـ 367 صوتاً التي ورد النص عليها في الشرط المشار إليه.
بالرغم من كل هذه الضغوط إلا أن أردوغان تمكن من وضع اسمه على حدث غير مسبوق في التاريخ السياسي التركي، فمن خلال رده على بلاغ العسكر في السابع والعشرين من إبريل أصبح أردوغان أول مسؤول منتخب يتحدى العسكر، الأمر الذي كان وقعه شديداً على منظومة الوصاية العلمانية التي لم تتوقع أن تقف حكومة مدنية في وجه العسكر. حتى تلك اللحظة كانت الحكومات المدنية تتراجع خطوات إلى الوراء في كل مرة يصدر العسكر فيها تحذيراً، وخاصة أن منظومة الوصاية المتشكلة من العسكر والقضاة كانت قد نفذت أربع انقلابات حتى تلك اللحظة، كان أحدها ضد حزب أردوغان عام 1997. لم تكن مقاومة أردوغان متوقعة، وهو لم يقاوم فحسب وإنما تحرك بسرعة لينظم استفتاءاً حول إصلاح قوانين انتخابات الرئاسة. بموجب الاستفتاء قررت البلاد أن يجري انتخاب الرئيس في أغسطس 2014 عبر الاقتراع المباشر للناس وذلك لأول مرة في تاريخ تركيا السياسي.
أزمة المعارضة الكمالية
لهذا السبب بالضبط، ولأول مرة في التاريخ، لم يتمكن حزب المعارضة الكمالية الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، من ترشيح كمالي لمنصب الرئاسة. من سخريات القدر أن حزب الشعب الجمهوري، وضمن جهوده لمنع حزب العدالة والتنمية من الترشح للرئاسة في عام 2007، هو الذي مهد الطريق من حيث لم يقصد إلى إصلاح نظام انتخابات الرئاسة. وفي النهاية لم يتمكن الحزب من ترشيح أحد أعضائه للرئاسة، وإثر فشله في ترشيح شخص كمالي اضطر الحزب إلى التعاون مع حزب الحركة القومية. فمن هي الشخصية التي اتفق عليها الحزبان؟ كمال الدين إحسان أوغلو – والذي كان أردوغان قد عينه رئيساً لمنظمة لمنظمة التعاون الإسلامي.
لا يمكن اعتبار إحسان أوغلو شخصاً ينتسب إلى حزب الشعب الجمهوري، ولكنه في نفس الوقت ليس إسلامياً، بل على العكس تماماً، فموقفه من الانقلاب في مصر كان السبب في تدهور علاقته بأردوغان. حينما انقاد إحسان أوغلو وراء الإستراتيجية الأمريكية ولم يصف ما جرى في مصر بأنه انقلاب انتقدته الحكومة التركية بشدة. الحافز من وراء تسمية إحسان أوغلو مرشحاً للرئاسة من قبل أحزاب المعارضة الرئيسية (رغم أنه لا ينتسب لا إلى حزب الشعب الجمهوري ولا إلى حزب الحركة القومية) هو التهرب من الانتخابات. تلك هي إستراتيجيتهم للحيلولة دون تكبد هزيمة تاسعة أمام أردوغان. من الواضح أن ذلك لن يعفي المعارضة من المسؤولية، فحينما يخسر المرشح الذي اتفقوا عليه في الانتخابات، فإن الذي يخسر حقيقة هو حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية.
الحزب المعارض الآخر، حزب الشعب الديمقراطي الجديد، أعلن ترشيح صلاح الدين ديميرتاش، وهو قومي كردي ورئيس لحزب السلام والديمقراطية. ديميرتاش مرشح صغير السن، وقد يحظى ببعض القبول في المناطق الشرقية والشرقية الجنوبية من تركيا حيث الكثافة السكانية الكردية. في كل الأحوال، مايزال حزب أردوغان فيما يبدو الحزب الأكثر شعبية حتى في تلك المناطق، والسبب الرئيسي في هذه الشعبية هو عملية السلام التي بدأت عام 2013 واعتبر أردوغان بسببها أول زعيم ينجز تقدماً باتجاه حل المسألة الكردية.
وبالتالي فإن المواطنين الأكراد الذين عادة ما يصوتون لديميرتاش سيصوتون لأردوغان في الانتخابات، والحقيقة أن الأكراد الذين يعتبرون أنهم حققوا في ظل حكم أردوغان أكثر بكثير مما حققوه خلال ثمانين عاماً من عمر الجمهورية من المحتمل أن يصوت معظمهم لصالح حزب العدالة والتنمية.
أردوغان مرشح الرئاسة
أردوغان هو مرشح حزب العدالة والتنمية. وكان قد فاجأ خصومه السياسيين عام 2007 حينما اختار ألا يترشح للرئاسة حتى حينما كان سيتمكن بسهولة من الحصول على موافقة البرلمان عليه. هو اليوم يسعى لأن يكون منتخباً من الشعب. وينافسه على الرئاسة مرشحان هما إحسان أوغلو وديميرتاش.
بالنسبة لأردوغان، لن يغير من إستراتيجيته في خوض الانتخابات كون المرشحين المنافسين له ضعيفين، بل على العكس من ذلك، من المحتمل أن يسعى أردوغان، مستفيداً من مهاراته السياسية، للفوز بالرئاسة من الجولة الأولى. هناك ثمة إجماع بأن المرشحين الآخرين لا فرصة حقيقية أمامهما للفوز أمام أردوغان. المثير في الموضوع هو من سيصبح رئيساً للوزراء. ثم هناك سؤال آخر حول طبيعة أردوغان الرئيس، وهو الذي ينبغي أن يفوز بعدد من الأصوات يفوق ما يتوفر في العادة لحزبه. حينما أعلن أردوغان أنه سيكون "الرئيس الذي يعرق" قصد إنه لن يكون مجرد رئيس دولة رمزي. سيكون صيف تركيا هذا العام طويلاً وحاراً، يقضيه الناس في حوارات حول الانتخابات الرئاسية وصفة رئيس الوزراء القادم.
*
طه أوجان: رئيس مؤسسة سيتا في أنقره. وهو أكاديمي وكاتب وله عمود في صحيفة ستار ديلي وفي صحيفة ديلي صباح، ويشارك في برنامج حواري أسبوعي في قناة التلفزة الوطنية. وكثيراً ما يكتب للصحافة الدولية ويعلق في وسائل الإعلام الدولية حول الأحداث. آخر ما كتبه "آلام التطبيع" الذي صدر عام 2014 يتحدث عن المسألة الكردية.