وصف صديق لأبي البغدادي، الخليفة إبراهيم، أنه كان طالبا هادئا عاش معظم حياته في المسجد الذي تحول لملعبه ومكان حياته. ولم يثر الطالب بالنظارات انتباه زملائه في الفصل إلا عندما كانوا يخرجون لممارسة كرة القدم حيث كان يظهر مواهبه. وبحسب أبو علي فقد كان "ميسي الفريق"، و"كان من أحسن اللاعبين". وفي نهاية المباراة كان يقود الصلاة.
والتقت مراسلة صحيفة "
صاندي تلغراف" مع أصدقاء وأشخاص قالوا إنهم يعرفون البغدادي في مسجد الطوبجي ببغداد. وامتنع كل من تحدثت إليهم عن ذكر اسمه لأن "ميسي التسعينات" أصبح
أبو بكر البغدادي المطلوب رقم واحد في العالم ووريث أسامة بن لادن. وتقدم الشهادات التي جمعتها روث شيرلوك صورة رجل حيي لا يحب العنف لزعيم "دولة" تعتمد على العنف.
واسم البغدادي الحقيقي هو إبراهيم عوض إبراهيم البدري، من عائلة معروفة بالعلماء والخطباء، وقضى حياته الأولى وتكوينه الأول في بغداد، وحصل على الماجستير والدكتوراة من جامعة بغداد في الشريعة الإسلامية. وعاش لمدة عقد من الزمان في غرفة ملحقة بجامع الطوبجي، الذي يقع في الحي الفقير الذي يسكنه سنة وشيعة في الجانب الغربي لبغداد.
وتبدو المنطقة اليوم متوترة، خاصة بعد أمر رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي المتسبب بالأزمة بإلقاء القبض على أي شخص له علاقة ولو بعيدة بالبغدادي.
وأصبح الحي مفصولا عن بقية بغداد بسلسلة من الكتل الإسمنتية، ويقضي سكان الحي معظم وقتهم في البيوت، حيث تدور الميليشيات الشيعية في الشوارع.
وفي بيت أبو علي، حيث جلس في غرفة الضيوف والستائر مغلقة، تذكر أبو بكر البغدادي "عندما وصل إبراهيم البدري مسجد الطوبجي كان عمره 18 عاما وكان شخصا هادئا ومؤدبا"، ولم "يكن خطيبا كما يقول الناس"، "فقد كان للمسجد إمام وفي غيبته كان طلاب الشريعة يأخذون مكانه في إمامة الصلاة وليس الخطابة". ويعترف أبو علي بأنه إبراهيم البدري كان صوته جميلا والشخص المناسب للإمامة.
وتعرف أبو علي على البغدادي من خلال النشاطات الجماعية في المسجد "كنا نلعب الكرة، وفي أيام صدام كنا نذهب لأماكن خارج بغداد مثل الأنبار للتنزه أو السباحة". وعرف أبو علي البغدادي من الصورة التي وزعتها الولايات المتحدة بمكافأة 10 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عنه "عرفته من الصورة، ولكنه كان يلبس نظارة بسبب قصر نظره".
وكان البغدادي سلفيا في أول أمره ويتذكر جاره القديم "أتذكر حادثا واحدا حدث أثناء الزفاف في مكان كان الرجال والنساء يرقصون معا، وكان مارا في الطريق وصرخ قائلا لهم "كيف يقوم الرجال والنساء بالرقص معا، هذا حرام، وأوقف الرقص".
وعندما أنهى دراسته العليا وحصل على درجة الدكتوراة في الشريعة تزوج، وبعد أقل من عام رزق بابنه الأول الذي يبلغ من العمر الآن 11 عاما.
ومع قرع طبول الحرب والغزو الذي قاد للإطاحة بصدام حسين عام 2003 واصل البغدادي حياته العادية ويهتم بعائلته "لم يظهر أي عداء للأمريكيين" يقول أبو علي "لم يكن متشددا مثل الآخرين، وربما كان مخططا هادئا".
اختفى البغدادي بعد عام من الاحتلال عندما اختلف مع صاحب المسجد المحلي والذي كان مستأجرا منه بيتا أيضا ولم يعد يُرى في هذا البيت أو الحي.
ويضيف أبو علي "أراد صاحب المسجد منه الانضمام للحزب الإسلامي الذي كان هو عضوا فيه". ولكن البغدادي رفض وتطور الخلاف لعراك بالأيدي. وفي عام 2004 طلب منه صاحب البيت إخلاءه، ولأن رواد المسجد هم من نفس عشيرة صاحبه وجد البغدادي أنه أصبح شخصا غير مرغوب فيه بالحي "ويعيش الآن صاحب المسجد في خارج العراق خشية انتقام البغدادي منه"، ولم يسمع عنه أبو علي أي شيء وآخر ما علمه هو أن "الشيخ إبراهيم" في السجن.
وتقول شيرلوك إن الصورة الشخصية عن البغدادي التي توفرت للصحيفة من أحمد دبش، قائد الجيش الإسلامي العراقي، تطابق نفس الصورة التي قدمها أبو علي. ويقول دبش: "كنت مع البغدادي في الجامعة الإسلامية، ودرسنا نفس المساق، ولم يكن صديقي لأنه كان هادئا ويقضي وقته وحيدا".
وبعد أن ساهم في إنشاء الجيش الإسلامي، قاتل دبش مع قادة التمرد ومنهم أبو مصعب الزرقاوي الذي "كان قريبا مني أكثر من أخي".
و"لكنني لم أعرف البغدادي فلم يكن مهما، وكان يؤم الصلاة في المسجد القريب مني ولم يلاحظه أحد". وبحسب المعلومات التي وزعتها المخابرات الأمريكية عام 2005 انتقل البغدادي لبلدة القائم، واتخذ لقب أبو دعاء، واتهمته القوات الأمريكية بالتورط في عمليات قتل وتعذيب المدنيين في البلدة.
وتنقل عن هشام الهاشمي، وهو محلل عراقي استراتيجي، قوله إن الفترة التي قضاها البغدادي في السجن قوّت رؤية البغدادي المتطرفة. فقد قضى المدة في السجن المعروف بمعسكر بوكا. ونتيجة لعدم أو لتجاهل إدارة السجن للبغدادي وكونه شخصا خطيرا، أفرج عنه عام 2009 بعد إغلاق السجن. ويقول العقيد كينيث كينغ، قائد سجن بوكا: "كان شخصا سيئا ولكنه لم يكن أسوأ الأشخاص"، ولم يسجل الحرس آخر كلام له عندما غادر السجن: "أراكم أيها الرجال في نيويورك".
ويعتقد أن البغدادي قوى صلاته وهو في السجن مع ناشطي القاعدة، وعندما أفرج عنه أكد هذه الصلات، حتى بعد مقتل زعيمها أبو مصعب الزرقاوي عام 2006. وفي عام 2010 قتل أبو عمر البغدادي بعد غارة أمريكية. وفي هذه اللحظة بدأ اسم أبو بكر البغدادي يظهر للعلن، حيث اختير لزعامة القاعدة. ويقول هاشمي: "هناك لغز حول السبب الذي جعلهم يختارون البغدادي، فقد كان هناك آخرون قبله في التنظيم"، ولكن البغدادي انتخبه مجلس شورى القاعدة في العراق "وصوت له 9 من 11 عضوا" حسب الهاشمي.
وكان قرار البغداداي إرسال المقاتلين للقتال في سوريا قرارا مهما، حيث استطاع التنظيم تحقيق السيطرة على مدينة الرقة. وخلال عامين من دخول التنظيم سوريا كبر من ناحية الحجم والعدد والتأثير، وأصبح اسمه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش. وحقق في الشهر الماضي ما لم يحققه أي جهادي بمن فيهم زعيم القاعدة الذي فصله من التنظيم، ودمج بين منطقة واسعة تضم سوريا والعراق. وساعده على تحقيق كل هذا إعلام دعائي ناجح واستقلالية مالية وعسكرية. وأعلن أخيرا عن الدولة الإسلامية والخلافة وطالب الناس بالبيعة، بل ووعد بفتح روما.