مقالات مختارة

توني بلير والمحافظون الجدد في الخليج

1300x600
كتب ديفيد هيرست: بعد عام على إجهاض المسار الديمقراطي في مصر تعيش البلاد أزمة خانقة، فالسجون ملأى، ويتعرض نسيج مصر الاجتماعي للتمزق، ولا يكاد يسلم من ذلك بيت واحد، حيث يرفض الآباء الحديث مع بناتهم، وينفصل الأزواج عن بعضهم البعض. بعد عام، لا يمكن لأحد أن يصف عبد الفتاح السيسي بأنه شخصية جامعة موحدة، بل هو رئيس سيسجل التاريخ أن رئاسته ملطخة بمزيج من الدماء والدموع.

لكي يشن المرء حرباً على شعبه، فإنه بحاجة إلى أعداء خارجيين، والرئيس المصري الجديد لم يتأخر في التعرف على هؤلاء الأعداء. منذ اليوم الأول عقد العزم على اجتثاث الإخوان المسلمين داخل البلاد كجزء من حملة لمكافحة التطرف الإسلامي في الخارج.

السيسي ومعه دائرة داعميه الدوليين -الملك عبد الله ملك المملكة العربية السعودية وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان وتوني بلير الذي عاد وظهر في المشهد بصفته مستشاراً لدى السيسي -هؤلاء كلهم يشكلون الآن ما يمكن اعتباره مجموعة من المحافظين الجدد في منطقة الخليج جيدة التنظيم والتمويل.

ترى توني بلير يتعمد استحضار أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولا تراه نادماً أو معتذراًعن مشاركته في غزو العراق قبل أكثر من عقد، بل يعتقد جازماً بأن الفشل الغربي سببه عدم إكمال المهمة التي بدأها هو. ما لا يُصدَّق هو أن هذا الرجل مازال يحمل لقب "مبعوث السلام في الشرق الأوسط".

ولكن بعد مرور عقد على غزو العراق يعيش الرأي العام الغربي في عالم مختلف تماماً، إنه عالم تشكله ذكريات الخديعة التي بررت التدخل، وكذلك التكاليف الباهظة التي تكبدها العراقيون نتيجة للغزو، إضافة إلى عقد كامل من الفشل العسكري. جيل اليوم فقد الثقة في مشروع  "بناء الدولة"، ولذلك لئن وجد توني بلير نفسه منسجماً "كيميائياً"معوليالعهدالإماراتي،إلا أن رئيس الوزراء السابق أصبح ساماً بالنسبة لشعبه.

نفس السياسات التي انتهجها جورج دبليو بوش في فترة رئاسته الأولى تم توريثها الآن إلى أقرب حلفاء أمريكا العسكريين في المنطقة.

وهذا بحد ذاته يمثل مشكلة لكل أولئك الذين ميزوا أنفسهم عن تلك الحقبة وسعوا إلى التبرؤ منها وفي طليعتهم الرئيس باراك أوباما.
 
وهي مشكلة عملية وآنية ومباشرة: ما الذي ستؤول إليه أوضاع الإسلام الجهادي إذا ما نجح حلفاء أمريكا في سحق الإسلام السياسي؟ ما الذي سيحصل لمصر بعد عام من الآن إذا ما نجح السيسي في إبادة الإخوان المسلمين؟

قبل عام من الآن كان لدى الإخوان المسلمين ثلاثة خيارات واضحة. كان بإمكانهم، كما توقع الجيش المصري ذلك منهم، أن يعودوا إلى السجن بهدوء، فقد حصل ذلك على الأقل أربع مرات من قبل في التاريخ حينما جوبهوا بقمع شامل من قبل الدولة في عام 1948 وفي عام 1954 وكذلك في (مطلع)ثمانينيات القرن الماضي وتحت حكم حسني مبارك. فالإصلاح، أي الاعتقاد بأن الدولة يمكن أن تتغير بإصلاحها من الداخل، راسخ في فكر الإخوان المسلمين وكان بإمكانهم أن يقبلوا بسلطة العسكر.

يحسب للإخوان أنهم لم يفلعوا ذلك هذه المرة. ولكنهم أيضاً لم يحلوا أنفسهم، ولا هم اختاروا المقاومة العنيفة، وإنما اختاروا طريقاً رابعاً، وهو الاستمرار في النضال من خلال المظاهرات والاعتصامات السلمية ومن خلال حملات العصيان المدني. وبذلك تمكن الإخوان المسلمون من الحفاظ على تماسك قاعدتهم، الأمر الذي تؤكده كافة الاستطلاعات التي تتمتع بمصداقية من مثل استطلاع بيو.

ولكن، ما الذي كان سيحدث لو أن الإخوان استسلموا قبل عام؟

يمثل العراق سابقة في هذا المجال، فالإخوان المسلمون هناك تعاونوا مع بول بريمر حاكم العراق بعد صدام حسين. كان الحزب الإسلامي -وهو الجناح السياسي للإخوان المسلمين -حينها أكبر الأحزاب السنية في العراق. بمجرد موافقة الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي محسن عبد الحميد على المشاركة كواحد من الأعضاء السنة الخمس في مجلس الحكم العراقي الذي أسسه بول بريمر تدافع السنة في العراق للالتحاق بالمقاومة، ومنذ ذلك الوقت والتكفيريون، سواء ممثلون في القاعدة حينذاك أو في الدولة الإسلامية الآن، يزدادون قوة وانتشاراً.

وهناك أيضاً النموذج السوري. كان الإخوان المسلمون في يوم من الأيام هم القوة الأكبر إلى أن تم سحقهم من قبل الأسد الأب في ثمانينيات القرن الماضي. أما اليوم فليس لديهم قوة مسلحة، فسارع الجهاديون إلى ملء الفراغ. وتتكرر القصة ذاتها في ليبيا حيث لا يملك الإخوان المسلمون هناك جناحاً عسكرياً وحيث تعرضوا لهزيمة في الانتخابات الماضية.

والآن قارن تلك الحالات بالأوضاع في تركيا ومصر وتونس والمغرب حيث يشارك الإسلاميون في العملية السياسية الديمقراطية والتعددية ويسعون للتواصل مع العالم. وحتى في حالة الإسلاميين الذين يملكون جناحاً عسكرياً مثل حماس في فلسطين ينطبق نفس المبدأ. حماس هي المسيطرة في غزة ولهذا فالجماعات المرتبطة بالقاعدة ضعيفة. في مرة من المرات حاصرت حماس مسجداً ودمرته بعد أن فشلت المفاوضات. لو أن إسرائيل نجحت في تدمير أو إضعاف حماس، فأين سيذهب أنصارها؟ نحن بصدد طريق؛ المرور فيه باتجاه واحد ولا يؤدى بحال إلى العودة إلى أحضان محمود عباس.

حينما أعلنت الدولة الإسلامية عن قيام الخلافة يوم الأحد الماضي تضمن إعلانها كلمات قاسية بحق الحركات الإسلامية الأخرى. "أمابالنسبةلكمياجنودالفصائلوالتنظيمات،فاعلمواأنهبعدهذاالتمكينوقيامالخلافةبطلتشرعيةجماعاتكموتنظيماتكم". إذاً،فليذهبهؤلاءالقادةإلىالحجيم،ولتذهبتلكالأمةالتيأرادواتوحيدهاإلى الجحيم، فهي أمة العلمانيين والديمقراطيين والقوميين، أمة المرجئة (مذهب يفصل بين الأعمال والإيمان) والإخوان والسرورية، وهو فصيل متأثر بالإخوان وإن كان يزعم أنه سلفي.

إذاً،ليس السعوديون والإماراتيون والسيسي وحدهم هم الذين يريدون القضاء على الإخوان المسلمين، بل يريدأبو بكر البغدادي الانضمام إليهم في سعيهم هذا. هل يخدم مصالح الغرب أن ينجح في مراده؟ هل من الحكمة أن نحصر أنفسنا، كما هو حال العرب اليوم، بين خيارين لا ثالث لهما:إما الجهاديون أو العسكر الفاشستي؟ هل هذه هي وصفة السلام في الشرق الأوسط؟ هل هذا هو ما يريده ديفيد كاميرون، لو أنه أعطى نفسه فرصة للتفكير؟ هل يرغب بجد في قمع القوة الإسلامية الوحيدة القادرة على تهدئة الأمور في المنطقة؟ 

(نقلا عن موقع "ميديل إيست آي"، بترجمة "عربي21")