كتب فهد الخيطان: بعد أيام ستشهد القاهرة حفل تنصيب عبد الفتاح
السيسي رئيسا لمصر، ويقال إن رؤساء وملوكا عربا سيتوافدون على العاصمة
المصرية للمشاركة في مراسم الحفل. ستطوي مصر إذا صفحة انتخابات، أقل ما قيل عنها أنها مهزلة، فهل تستمر المهزلة في الحكم أيضا؟
بعد الآن لن يكون للكلام المعسول عن المستقبل الوردي قيمة عند جموع المصريين، فالجميع أمام لحظة الحقيقة.
دافع أنصار السيسي عن مبدأ تدخل الجيش للإطاحة بحكم مرسي بالقول إن المصريين ثاروا بعد أقل من سنة على حكمه لأنهم لم يحتملوا الصبر على ظروفهم المعيشية الصعبة. إذا كان المصريون على عجلة من أمرهم فعلا، فكم من الوقت سيصبرون ليلمسوا فرقا في مستوى معيشتهم، وماذا سيكون موقف أنصار السيسي لو أن المصريين ثاروا عليه بعد أشهر؟
مصر تواجه وضعا اقتصاديا كارثيا رغم شلال الدولارات الذي انهمر عليها في الأشهر الماضية. لم يحدث أي تحسن يذكر في المؤشرات
الاقتصادية؛ البطالة في ارتفاع، والاستثمارات في تراجع. الدين الداخلي بلغ في عهد الحكم المؤقت سبعة مليارات دولار!
السيسي لم يقدم أي تصور اقتصادي لمعالجة معضلات مصر الكبيرة، واكتفى بنثر الوعود الخيالية,والدولة الراعية لحكمه لاتبدو مستعدة للدفع بسخاء كما كان الحال في الأشهر الماضية.
وثمة تحديات لابد من مواجهتها، مثل دعم السلع، وإصلاح الجهاز البيروقراطي المترهل، وهيكلة المؤسسات الأمنية التي استعادت نفوذها مثلما كانت أيام مبارك.
مؤسسة الجيش ستبقى محصنة من أية مساءلة؛ هذا لاشك فيه,لكن هل يمكن للسيسي أن يفي بكل طلباتها، بينما عليه في المقابل أن يتبنى إجراءات تقشفية، ليضمن تخفيف عجز الموازنة، وكباح جماح التضخم، والحصول على الدعم من البنك والصندوق الدوليين؟
لم يقل السيسي شيئا بهذا الخصوص للشعب المصري,فقد مضى شهر الدعاية الانتخابية، أفراحا وأعراسا دون كلمة سياسة واحدة، باستثناء الحوار الشهير مع زمرة من الإعلاميين المطبلين، كرس جله للتغزل بشخصية السيسي، وبهاء طلعته.
ستتوقف أمور كثيرة على فريق العمل الذي سيختاره السيسي,وتشكيلة حكومته الجديدة، وشكل البرلمان المقبل في مصر.
وقبل هذه المحطات، إذا لم يدرك السيسي أن أزمات مصر المزمنة، لايمكن التغلب عليها بضربة رئيس ساحر، أو إعلام مهرج يخفي الحقائق ويزين الواقع المتردي، فإن مصر كلها ستدخل في نفق مجهول.
لقد أثبتت الأحداث في مصر بأن سياسة الإقصاء، والاستفراد بالسلطة لن تزيد مصر والمصريين إلا تعاسة. وإذا ظل السيسي متمسكا بمنطقه الإقصائي الحالي، فإنه سيواجه مصير سابقيه.
مصر في مرحلة انتقالية خطيرة، لايمكن لطرف واحد أو زعيم ملهم أن ينقلها خطوة واحدة إلى الأمام، بغير إشراك كل قوى المجتمع وتياراته في عملية البناء والنهضة.
قال أنصار السيسي في معرض انتقادهم لحكم مرسي أن الدول في المراحل الإنتقالية لاتحكم بمنطق صناديق الاقتراع، فهل لايزالون على موقفهم هذا,خاصة وان الصناديق هذه المرة بدت خاوية من الأصوات؟
إن أراد السيسي النجاح فعليه أولا أن يرمي خلف ظهره كل ماقاله من كلام متبجح خلال حملته الانتخابية، ويرفض كل الأصوات المهللة من حوله لثقافة الإقصاء، وقمع الحريات وتجريم المعارضين، والتنكيل بهم.
لايمكن لمصر أن تنهض وفي سجونها عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، وقواتها تطارد مثلهم وأكثر.
ومؤسساتها تخضع من جديد لحكم المستبدين والفاسدين من رجال نظام مبارك. ولن يكون بمقدور مصر أن تواجه التحديات الجسام بسلطة يحكمها لون واحد وفريق واحد، ويصوغ خطابها الإعلامي حفنة من الموتورين والمجانين. لكي تنهض مصر يتعين على السيسي أن يقود انقلابا جديدا، هذه المرة على نفسه وعلى منطقه الإقصائي.
(عن صحيفة الوطن القطرية 6 حزيران/ يونيو 2014)