أطلق الشيخ عاصم طاهر البرقاوي الملقب بأبي محمد
المقدسي، أبرز منظري التيار السلفي الجهادي في الأردن والساحة العربية، بيانا وضع فيه بعض النقاط على الحروف فيما يتعلق بحالة الفوضى التي أشاعتها وتسببت بها بعض التنظيمات الجهادية، بخاصة في سوريا والعراق.
وأكد أبو محمد المقدسي موقفه الحالي الذي لا يناقض ما أورده في بيان سابق بعث به إلى الجهاديين في الساحة السورية، يورد فيه بعض الفتاوى والآراء والمقترحات للوصول إلى حالة من الرضا بين الأطراف، ويقول: "لا زلت أردد بأن الإنصاف حلة الأشراف، والأشراف أقل الأصناف بين كافة الأطراف المتقاتلة وأنصارهم في كافة البلاد. وقد ترتب على قلة إنصاف كثير من المبرزين من إعلاميي ومفتي الأطراف المتنازعة ظواهر سيئة انتشرت بين شباب التيار في كثير من البلاد فقد وجدوا قدوات سيئة يقتدون بها في نهج السباب وقلة الأدب وسوء الظن والافتقار إلى أدب الحوار".
ويضيف:"سمعت قبل الإفراج عني عن إساءات بعض الناطقين الإعلاميين والشرعيين في كلا الطائفتين المتنازعتين ورددت على بعض ذلك وأنكرته، كما طالعت فيما طالعته بعد خروجي من السجن إساءات وسفالات لا يستحق أصحابها وصف المجاهدين ولا وصف الشرعيين، ولو وصفوا بالشوارعيين بدلا من الشرعيين لكان أقرب؛ فمن اتهام للمخالفين باللقطاء وأبناء العواهر ونحوه من الفحش ووضيع القول.. إلى غير ذلك من الكذب والبهتان والافتراء على المخالف بما لا يليق بمن تصدر للتوقيع عن الله والفتوى في دين الله.. إلى التحريض على سفك الدماء المعصومة والاستخفاف بها؛ حتى أمسوا قدوات سيئة لشباب هذا التيار في كافة أرجاء المعمورة وليس في الساحة الشامية وحسب، وعم البلاء بهم وانتشرت قلة الأدب والتطاول على الصغار والكبار والعلماء والمربين؛ بل وانتشر الاعتداء على المخالفين من المسلمين وإباحة أبشارهم ودمائهم، فحسبنا الله ونعم الوكيل من هذه الطوام التي نشروها بين العوام والطغام".
ويستنكر المقدسي تصدر ذلك التيار للمشهد رغما عن الجميع، قائلا: "نحن نعجب بأي شيء يتصدَر أمثال هؤلاء كشرعيين ومفتين وناطقين رسميين وهم يتميزون بمثل هذه الأخلاق الوضيعة والجرأة على دماء المسلمين! ولذلك فنحن نبرأ من باطلهم ونطالب مسؤوليهم من كافة الأطراف إن كانوا حريصين على دين الله ونقاوة هذا التيار وتميز أهله ويهمهم شأن الجهاد والمجاهدين؛ نطالبهم بإقصائهم وإبعادهم عن مواضع التوجيه والخطاب؛ فكل يوم يصدون عن هذا الدين بخطاباتهم المتهافتة وينفرون عن نهجه القويم بنهجهم المعوج؛ ويشوهون أخلاقه الكريمه بأخلاقهم الوضيعة؛ فلا بد لمن أراد مصلحة الجهاد من إقصاء قليلي الأدب والضالين المضلين والمحرضين على سفك دماء المسلمين ونشر أخلاق السوء وألفاظ الفحش بين شباب المسلمين؛ وأن يجعل بدلا منهم هداة مهديين رحماء بالمسلمين يتشبثون بأخلاق النبوة ويسيرون على هديها في الأمة ويعرفون كيف يخاطبون الناس جميعا".
وفي معرض تأكيد تشبثه بمواقفه السابقة، لفت إلى ما نقله له "بعض الفضلاء عن بعض الناس في الشام في محاولة للتأثير علي للتراجع عن البيان أن دماء سفكت بسببه أو على إثر إصداره وأن عملية تفجيرية أهديت لي باسم "ملة إبراهيم" من أطراف معادية لتنظيم الدولة؛ وهذا كلام للتهويل والضغط بأقصى ما يمكن لتحصيل أكبر قدر من التنازلات".
ويوضح أنه "أسلوب ربما يكون نافعا في التفاوض أو البيع والشراء، ولكنه غير نافع في المحاججة والإقناع وإحقاق الحق وإبطال الباطل؛ فلا جدوى في استخدامه في هذا المجال، والدعوى تفتقر إلى المصداقية لأن البيان لم يحرض على سفك دم مسلم ولم يتطرق لدعوة إلى قتل أو قتال بل كل الجهود التي بذلت خلال ثمانية أشهر وأثمرت هذا البيان كانت لأجل حقن الدماء وكف توجيه البنادق إلى صدور المسلمين والمجاهدين وترك إهمال الآخرين من المسلمين أو الإعراض عن أداء حقوقهم؛ والكف عن الاستخفاف بدمائهم وأموالهم بذرائع مصلحة الدولة وبناء الدولة وما إلى ذلك؛ وكأن الآخرين جميعا لا يريدون بناء دولة ولا تحكيم شرع الله".
وينبه المقدسي مبرئا ذمته بعد الإدلاء بدلوه، إلى أن "من رفض التحكيم هو من يتحمل مسؤولية استمرار سفك الدماء؛ كما يتحمل ذلك كل من باشر سفكها من كافة الأطراف؛ أما أنا فأحمد الله الذي سلمني من سفك قطرة من دم مسلم وأسأله تعالى أن لا أكون سببا ولو بحرف أو شطر كلمة في ذلك؛ فأقول للضاغطين بمثل هذه الأساليب على رسلكم، (فلست ممن يققع خلفه بشنان)، كما أقول لمن أهداني أي عملية يسفك فيها دم مسلم من أي طرف من الأطراف ((بل أنتم بهديتكم تفرحون))، أهدوني إن شئتم طاعة لنصائحي واستجابة لدعواتي لحقن الدماء ورضا بالتحكيم والإصلاح واستقامة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والجهاد؛ هذا ما نطالبكم بإهدائه لنا إن كنتم تحبوننا أو تحبون إقرار عيوننا؛ فعيوننا لا تقر بسفك دم مسلم من أي طرف من الأطراف التي هي داخل دائرة الإسلام ولو كانوا من العصاة؛ ولا نبيح قتال مسلم كائنا من كان إلا دفعا للصائل ومعلوم أن دفع الصائل لا يعني القتل تحديدا بل يدفع بالأولى فالأولى؛ وما أمكن دفعه باللسان أو اليد لم يجز دفعه بالسلاح لأن الأصل حرمة دم المسلم وماله وعرضه".
وعن رأيه في مستجدات ما يحدث مع تنظيم الدولة في العراق، قال:"لا يوجد مؤمن لا يفرح بانتصارات مسلمين مهما كان حالهم ووصفهم على روافض ومرتدين؛ وإنما الخوف على مآلات هذه الانتصارات وكيف سيعامل أهل السنة والجماعات الأخرى الدعوية أو المجاهدة وعموم المسلمين في المناطق المحررة؟ وضد من ستستخدم
الأسلحة الثقيلة التي غنمت من العراق وأرسلت إلى سوريا؟ هذا هو سؤالي وهمي؟ ونتخوف من الإجابات عليه على أرض الواقع لأننا لا نثق بالعقليات التي تمسك بذلك السلاح لأسباب كثيرة".
ويقول صراحة في موضوع إعلان
الخلافة: "صباح هذا اليوم قيل لي هل اطلعت على كتابة لفلان يتكلم فيها عن الخلافة وأنها لا يشترط لها التمكين؟! فقلت: لا لم أطلع عليه ولكن المكتوب يقرأ من عنوانه ولا بد أن الإعلان عن تسميتهم لتنظيمهم بالخلافة قد صار وشيكا. فقال: وما رأيك لو أعلنوا بذلك؟ فقلت: لا يضيرني المسمى وإعلانه ولن أضيع وقتي في تفنيد ما سوده فلان في كتابه؛ فكلنا يتمنى رجوع الخلافة وكسر الحدود ورفع رايات التوحيد وتنكيس رايات التنديد ولا يكره ذلك إلا منافق؛ والعبرة بمطابقة الأسماء للحقائق ووجودها وتطبيقها حقا وفعلا على أرض الواقع؛ ومن تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه؛ ولكن الذي يهمني جدا هو ماذا سيرتب القوم على هذا الإعلان والمسمى الذي طوروه من تنظيم إلى دولة عراق ثم إلى دولة عراق وشام ثم إلى خلافة عامة؛ هل ستكون هذه الخلافة ملاذا لكل مستضعف وملجأ لكل مسلم؛ أم سيتخذ هذا المسمى سيفا مسلطا على مخالفيهم من المسلمين؛ ولتشطب به جميع الإمارات التي سبقت دولتهم المعلنة، ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم".
ولإيضاح فكرة الدولة يروي منظر التيار السلفي أنه سبق أن أعلن "الإخوة في القوقاز إمارتهم المباركة ولم يرتبوا على ذلك شيئا يلزم عموم المسلمين في نواحي الأرض ولا سفكوا لأجل هذا المسمى أو به دما حراما، فما مصير إمارة القوقاز الإسلامي عند هؤلاء القوم بعد الصدح بمسمى الخلافة؟".
ويضيف مثلا أنه "أعلن الطالبان إمارة إسلامية قبلهم ولا زال أميرها الملا عمر حفظه الله يقارع الأعداء هو وجنوده وما رتبوا على مسمى الإمارة التي وجدت فعلا على أرض الواقع لسنين سفك دم حرام أو حل عقدة معقودة؛ فما مصير هذه الإمارة عند من تسمى بمسمى الخلافة وأعلنها؟ وما هو مصير سائر الجماعات المسلمة المقاتلة المبايع لها من أفرادها في العراق والشام وفي كافة بقاع الأرض؟ وما هو مصير دمائهم عند من تسمى بمسمى الخلافة اليوم ولم يكف بعد عن توعد مخالفيه من المسلمين بفلق هاماتهم بالرصاص؟؟؟".
ويؤكد أن "هذه الأسئلة هي الأسئلة المهمة عندي والتي تحتاج إلى إجابات.. وها نحن قبل أن نمسي قد صاح العدناني بالإجابات المتوقعة فكان كما هو ظننا فيه لم نظلمه قيد أنملة.. اللهم ارحم المسلمين والطف بهم يا رب العالمين وول عليهم خيارهم واصرف السوء والضراء عنهم"..
ويختم الشيخ بالقول محذرا "للوالغين في دماء المسلمين كائنا من كانوا: لا تظنوا أنكم بأصواتكم العالية ستسكتون صوت الحق؛ أو أنكم بتهديدكم وزعيقكم وقلة أدبكم وعدوانكم ستخرسون شهاداتنا بالحق، لا وألف لا.. فسنبقى حرسا مخلصين لهذا الدين؛ وحماة ساهرين على حراسة هذه الملة نذب عنها تحريف المحرفين وانتحال المبطلين وتشويه
الغلاة والمتعنتين وغيرهم من المشوهين"..
ويقول متوعدا: "فإما أن تصلحوا وتسددوا وتتوبوا وتؤوبوا وتكفوا عن دماء المسلمين وعن تشويه هذا الدين أو لنجردن لكم ألسنة كالسيوف السقال تضرب ببراهينها أكباد المطي ويسير بمقالها الركبان.. وأنتم وغيركم يعلم أننا لم نصمت في الأسر والقضبان؛ فلن نصمت بعد فكاك سطوة السجان؛ ووالله الذي رفع السماء بلا عمد لن نترك أحدا يعبث بهذا الدين ويستخف بدماء المسلمين ولو تخطفتنا الطير ورمانا بالعداوة والافتراء والكذب والبهتان كل قريب أو بعيد.. وها نحن نحذركم تشويه دين الله والإفساد والفساد والتلطخ بدماء المسلمين والمجاهدين فاتقوا الله وقولوا قولا سديدا.. ولكل حادث حديث ولكل مقام مقال".
يذكر أن المقدسي سعى في مبادرة للتوفيق بين الأطراف الجهادية في الساحة السورية في الأشهر الماضية بعد تفاقم النزاعات بين التنظيمات، ثم أصدر بيانا في ذلك في شهر أيار/ يناير الماضي، شرح فيه حال الدولة الإسلامية في العراق والشام (
داعش) والموقف الواجب تجاهها، وقد أشار إلى موقفه السابق في هذا البيان.
يشار إلى أن السلطات الأردنية كانت أفرجت عن منظر التيار السلفي الجهادي أبو محمد المقدسي بعد سجنة أربع سنوات لإدانته بدعم حركة طالبان الأفغانية.
ونقل المقدسي بعد إطلاق سراحه لدائرة المخابرات العامة التي أفرجت عنه بعد الانتهاء من إجراءات روتينية.
وكانت محكمة أمن الدولة قد حكمت على المقدسي بالسجن بعد اعتقاله عام 2010 واتهامه بدعم حركة طالبان الأفغانية عن طريق نقل زكاة أموال بقيمة ثمانمائة دولار للمنظمة.
وخلال السنوات العشرين الأخيرة قضى المقدسي نحو 14 عاما في السجون الأردنية بتهم عدة تتعلق بما يسمى بالإرهاب، ومكث بسجن المخابرات الأردنية نحو خمسة أعوام دون محاكمة بعد أن أصدرت محكمة أمن الدولة قرارات بالبراءة بحقه.