لا أخفي أن غليلي شُفي في هذه الليلة!..
فقد كانت ليلة ليلاء، على أنصار عبد الفتاح
السيسي، وسيادته يصعد طائرة
خادم الحرمين الشريفين، ويلتقي به في صالونها، وهو يبدو في حالة انكماش فطري، نشاهده عليها عندما يلتقي أحداً من قادة الدول، فهكذا شاهدناه مع بوتين، كما شاهدناه مع ملك الأردن.
لقد اختفى أنصار السيسي في هذه الليلة، فلم نعثر لهم "على جُرة"، وزعيمهم المفدى لم يكتف بهذا المقابلة، غير المسبوقة في اللقاءات بين قادة الدول، ولكن تبدو المشكلة في حالة الخجل التي تملكته، كما لو كان مشهداً قديماً، لعريس يتقدم لخطبة ربة الصون والعفاف.. فلم يعد من يخطبون في هذه الأيام يستشعرون حرجاً كالذي كان يشعر به جيلنا، والأجيال التي خلت.
بعد أن استوعب القوم الصدمة، وذهبت السكرة وحلت الفكرة، وجدناهم يبررون لهذا اللقاء، بأن العاهل السعودي مريض، وهو بالتالي له عذره. وهناك من لم ير في المشهد كله، سوي حيوية السيسي وهو يصعد سلالم الطائرة. وهو مشهد لم أشاهده، وان كان هناك من ذكروا بأن السلالم كهربائية، وبالتالي لم يكن صعوده قفزاً، حتى يكون في هذا درسا للشباب، بأن رئيسهم المفدى يمتلئ حيوية ونضارة!.
الذين قالوا إن الملك مريض، تعاملوا كما لو أن سموه مولود في الطائرة، أو أنه صعد إليها في عافيته، فلم يكن بمقدورها أن يبارحها في مرضه. مع أن اللافت أنه كان في المغرب وقد كان في استقباله ولي العهد (17 عاماً). وقد نشرت صوراً للقاء، وصوراً له وهو يمشي في مطار المملكة المغربية علي قدميه!.
كان بإمكان خادم الحرمين الشريفين، أن يكون لقائه مع عبد الفتاح السيسي في صالة كبار الزوار بمطار القاهرة الدولي، إن لم يكن قادراً علي تبعات الزيارات الرسمية، واستعراض حرس الشرف وضرب السلام الجمهوري وما إلى ذلك. بدلاً من أن يكون اللقاء، في مطار القاهرة، ومع ذلك هو على أرض سعودية، ومن المعلوم أن الطائرات هي ضمن أراضي البلاد التي تمتلكها، بحسب القانون الدولي.
لقد بدا واضحاً أنه أريد لهذه الزيارة أن تكون على النحو الذي جرت عليه، ومن تابعها لابد أن راعاه أن ثلاثة كراسي كانت في صدارة المشهد، جلس الملك علي أحدهم وترك كرسيين شاغرين، بينما جلس عبد الفتاح السيسي على واحد من كراسي الوزراء، لا فرق بينه وبين رئيس حكومته، أو زير دفاعه، أو الوزراء من حاشية جلالة الملك.
وقد بدا اللقاء كما لو كان استدعاء للسيسي ليشرف بالجلوس في حضرة "ولي أمره". وكأنه لقاء للخليفة مع أمراء الممالك.
لا بأس على العاهل السعودي، فالرجل يريد إيصال رسالة إلى شعبه مفادها أن الربيع العربي، الذي كان حلماً لكثيرين من سكان المملكة، قد تحول إلى كابوس، وأنه انتهى لتكون "عقدة النكاح" فيه بيد أولياء الأمر في المملكة، وأن ما انتهى به المطاف بهذا الربيع، أن يفرز حكاماً ليسوا رؤساء دول كما كان شأن حكام ما قبل الثورات، ولكن رؤساء ممالك وإمارات.. وهذا هو بيت القصيد.
لقد أفزعت الثورات العربية، كثير من العروش، ولهذا كانت المؤامرة، من أجل إفشالها، فلا تمثل "عدوى" قابلة للانتقال، وقد انتقلت الثورة التونسية إلى
مصر بالعدوى، ثم انتقلت إلى غيرها. وكانت المؤامرة أسرع في النجاح والانجاز في اليمن. ثم كانت مصر. والمال الخليجي الذي أنفق لضرب الثورة المصرية، وتهيئة الأجواء للانقلاب علي الرئيس المنتخب، يكفي لجلب الرضا علي الأنظمة من قبل مواطنيها.
البأس الشديد هو في خضوع عبد الفتاح السيسي بهذا الشكل، وقبوله الدنية، فيذهب وأركان حكمه إلى الطائرة
السعودية محلقين ومقصرين!.
السيسي يعلم، أنه لو دولاً خليجية بعينها ما كان يمكن له أن يكون رئيساً لمصر، ولأكمل مهمته في التقرب للرئيس محمد مرسي بالنوافل، فيظل ينتظره دون سائر المصلين معه في مسجد الرئاسة، وهو يحمل حذائه في يديه، حتى يفرغ الرئيس من أذكاره، فيكون السيسي آخر من يغادر المسجد خلف "القائد الأعلى للقوات المسلحة" كما كان يقول دائماً.
ولا يمكن للسيسي أن يستمر في موقعه إلا بالمساعدات الخليجية، التي يبدو أنها لن تكون على النحو الذي يمكنه من أن ينجح في مهمته. وقد كان يظن من قبل أن المصريين يمكنهم أن يموتوا من الجوع إذا كان الثمن أن يحكمهم هو، وقد قال كلاماً كهذا من قبل، لكن عندما أجريت الانتخابات ووجد الناس وقد انفضت من حوله، وأن شعبيته لم تكن كما كان يظن أو يتصور، فانه يجد أنه لا لحل لمشاكله إلا بالمساعدات الخليجية، فقبل على نفسه أن يكون علي النحو المهين الذي ظهر به!.
المدهش أن مبارك، الذي كان يحب المال حباً جماً وكان السعوديون يجزلون له العطاء، لم يبدو في الصورة مهاناً كما ظهر السيسي. فمبارك كان يحافظ علي الشكل باعتباره رئيساً لمصر، وبعيداً عن الكاميرا كان يسلم قياده للمملكة. لكن هذا الرجل الكارثة، بدا متنازلاً عن قيمة المنصب الذي يشغله بقوة السلاح، أمام الدنيا كلها!.
فمن يهن يسهل الهوان عليه.. ومن يهن الله فما له من مكرم.