مشهد متوتر شديد الاضطراب حين تتم عملية زرع قلب لمريض؛ تتسارع الأحداث، وعقارب الساعة تأبى إلا أن تصدر ضجيجاً معلنةً انقضاء بعض الوقت من زمن قدره ساعات أربع -أقصى فترة يستطيع القلب أن يحياها خارج جسم الإنسان- محفوظاً في إناء خاص، ومحاطاً بقطع الثلج التي تبقيه باردا ثم فترة نقاهة يجتازها صاحبنا المريض متماثلا للشفاء؛ فتتبدل الأحوال، ثم نرى من أمره ما يلفت انتباهنا عجباً: إذ يفعل أشياء لم يكن يبدى لها أي اهتمام، أو شغف ينم عن ولع الهواية وتملقها منه، أو تعلمون أن هذه الظاهرة شغلت علماء كبارا وحبستهم النوم والراحة رافضين كل شيء إلا أن يصلوا إلى الحقيقة وسببها؟ حتى اكتشفوا أن هواياته الجديدة تتشابه إن لم تتطابق مع طبيعة صاحب القلب الأصلي وسجيته، كانت تملأ عليه قلبه، وتشاغله أوقات فراغه، كانت ولازالت مخزنة ومحفورة على جدار قلبه، لا يمكن محوها أو إزالة آثارها، هذا و يذكر العلماء أن لكل قلب عقلا يتحكم بالإنسان تصرفاتِه وأفكارِه، لكنهم عجزوا عن تحديد مكانه داخل القلب؛ بيد أنه ليس مكونا فيزيائيا للقلب؛ ولذا أحب أن أقول إن: "عقل القلب كروح الجسد كلاهما خفي الوجود جوهري التأثير".
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن :أين يقع العقل في القلب أم في الدماغ ؟؟!، والجواب أتى واضحاً في كلام ربنا عز وجل، تدبر معي أخي الكريم هذه الآيات:
"أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها..." (الحج :46)
وقوله تعالى "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها..." (محمد :24)
ومن المعلوم بالمنطق أن تدبر آيات القرآن لا يكون إلا بالعقل والإدراك لفهم مقصد الآي ومعانيه، وقوله تعالى ذاماً أصحاب النار "ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها..." (الأعراف: 179).
وفقه الشيء أعلى درجة من مجرد العلم به فسبحان الله العظيم الذى وسع علمه السموات والأرض، ويعلم ما نبدي وما نخفي، ويعلم ما سيكون وما كان وما هو كائن.
وفى نهج محاكاة الإنسان للطبيعة نجد أن المعالج (البروسيسور) وهو قلب كل الأجهزة الإلكترونية وعصبها يحتوى على الريجسترز وهى المسجلات والتي تكون أسرع في الاستجابة من مثيلاتها في الذاكرة الثابتة (الهارد ديسك)، و لها سرعة في التصرف وبديهية عنه، كما أن عقل القلب أسرع استجابة وتحكماً في الإنسان من ذاكرته الدماغية.