خرج الآلاف من الأرقاء (العبيد) والأرقاء السابقين بموريتانيا في مسيرات جابت شوارع العاصمة نواكشوط الرئيسية، وذلك للمطالبة بتطبيق القوانين المجرم للعبودية، ورفضا لما سموه استمرار تهميشهم، من طرف الأنظمة المتعاقبة على البلاد.
ورفع المشاركون في المسيرة الأعلام الوطنية، وعددا من الشعارات الداعية إلى ضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لـ"الحراطين".
وسبق المسيرة حملة تعبئة واسعة في مختلف أحياء العاصمة، بما في ذلك المساجد والشوارع الكبيرة، حيث وزع ناشطون منشورات وبطاقات تدعو المارة والمصلين للمشاركة في المسيرة الأولى من نوعها في موريتانيا.
وشارك في المسيرة العديد من رؤساء الأحزاب السياسية المعارضة وقادة في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وشخصيات سياسية وحقوقية أخرى.
وقال منسق المسيرات محمد سعيد ولد هميد، إن المسيرة تعد أجماعا تاريخيا يجب تشجعه، مشيرا إلى أن مشاركة مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية والعمرية في المسيرة سيمهد لميلاد موريتانيا جديدة متصالحة مع ذاتها، وتأكيدا على ضرورة ضمان الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية لـ"الحراطين".
دعوة لإعادة البناء
وقال الناشط الحقوقي وأحد المشاركين في المسيرة أحمد ولد محمد المصطفى في تصريح خاص لـ "عربي21" إن المشاركين في هذه المسيرات خرجوا بهدف التعبير عن مستوى الغبن الذي تتعرض له شريحة الأرقاء، منذ تأسيس الدولة الموريتانية الحديثة وحتى الساعة، مضيفا: "لن نقبل أن يستمر تهميش هذه الشريحة، فالدولة لا تقوم على الظلم، وإن حجم الحضور لهذه المسيرة الذي ملأ شوارع العاصمة نواكشوط يظهر مدى تعلق الناس ببناء دولة القانون ومدى اشتياق هذا الشعب إلى الوحدة الوطنية، والتآلف في بلد يسع الجميع".
وقال ولد المصطفى، إن مسيرات اليوم أكبر من أن تكون موجهة ضد الدولة أو أن تكون لها أغراض سياسية، مضيفا أنها وجهت رسالة واضحة مفادها أن على الجميع أن يساهم في إعادة بناء الدولة الموريتانية على أسس سليمة لا غبن فيها ولا إقصاء لأي شريحة.
وبدهوره قال الناشط مسعود ولد محمد المختار وهو أحد الأرقاء السابقين ومشارك في مسيرات في حديث خاص لـ"عربي21" ، إن الثلاثاء 29 نيسان/ إبريل شكل منعطفا حقيقيا في تاريخ نضال شريحة الأرقاء، مضيفا أنهم يأملون أن تتجاوب السلطات إيجابا مع مطالب الأرقاء وأن تفهم الرسالة بشكل جيد.
في السياق ذاته استغرب عدد من النشطاء الحقوقيين غياب رئيس حركة (إيرا) بيرام ولد أعبيدي عن المسيرات ومقاطعة حركته لها، معتبرين أن قرار مقاطعة مسيرة بهذا الحجم يعدا أشبه بالانتحار السياسي على الأقل.
ولم تصدر حركة (إيرا) أي تصريح بشأن مقاطعتها لمسيرات الأرقاء رغم كونها من بين أبرز الحركات المدافع عن حقوق الأرقاء، فيما تحدثت مصادر لـ"عربي21" عن اتصال جرى بين أعضاء من الحكومة وقادة الحركة بهدف إقناعهم بعدم المشاركة في المسيرات.
ويشير مؤشر العبودية العالمي في تنصيفه الأخير إلى أن أكثر من 150 ألف شخص مهددين بالاستعباد بموريتانيا، وهو رقم اعتبر مؤشرا خطيرا على استمرار ظاهرة العبودية في البلاد، حيث أبدى عدد من الحقوقيين الموريتانيين قلقهم من المؤشرات الخطيرة على تنامي ظاهرة العبودية بموريتانيا، فيما تقول الحكومة إن الظاهرة كممارسة لم تعد موجودة بالمطلق.
وقامت الحكومة مؤخرا بإنشاء هيئة خاصة لمكافحة الرق ومخالفاته، وأجاز البرلمان أكثر من قانون يحرم الظاهرة، لكن الكثيرين يرون أن تلك الإجراءات لم يتم تطبيقها وظلت مجرد قرارات على ورق.
ويقول الرئيس السابق للبرلمان مسعود ولد بلخير إن العبودية موجودة بالفعل في موريتانيا، وإن نكرانها صب للزيت على النار وقلب للحقائق وتجاهل لأمر واقع ومعاش.
وأكد ولد بلخير في تصريحات سابقة أنه يشعر بالغضب حينما يرى فقهاء وساسة "ينكرون وجود العبودية ويتنكرون للآلام التي يعيشها العبيد في موريتانيا" مضيفا أنه عاش هذه الآلام وعايش أهلها.
وكان عدد من المثقفين من شريحة الأرقاء السابقين أصدروا مذكرة استعرضوا فيها ما قالوا إنها مظاهر لتهميش الشريحة، مؤكدين أن ذلك يتجلى في جميع الأصعدة.
غبن في الاقتصاد والسياسية
وحسب تلك الوثيقة فإنه من بين 12 جنرالا في الجيش الموريتاني لا يوجد واحد من أصول الأرقاء السابقين، وأن محافظا واحدا من بين 13 محافظا هي النسبة التي سمح لهم بها، ودبلوماسي واحد من بين 35 بعثة دبلوماسية، و5 قضاة من بين 200 قاض رئيسي، و30 ضابطا من بين 500 ضابط سام في الجيش، و20 طبيبا من بين مئات الأطباء، كما تحدثت الوثيقة عن اعتماد فقيه واحد في مقابل مئات الفقهاء.