علق
روبرت فيسك في صحيفة "
إندبندنت" البريطانية على التقارير التي تحدثت عن منح الحكومة السعودية حكومةَ رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ثلاثة مليارات دولار، بأنها جزء من لعبة المال في
الشرق الأوسط، والتي تلعبها الدول النفطية.
وتساءل عن السبب الداعي للمنحة، مشيرا إلى أن الصحافيين الباكستانيين منعوا من طرح هذا السؤال، ولكن عندما ألحوا بالسؤال قيل لهم إنها مبادرة كريمة من دولة مسلمة لشقيقتها نبعت من "العلاقات الشخصية" بين نواز شريف والعائلة السعودية المالكة، وبناء على هذا فالشخصيات السعودية البارزة بدأت تحج لإسلام أباد، فيما سافر شريف وقائد جيشه للرياض. وبعدها بدأت إسلام أباد تتحدث عن "الحكومة الانتقالية" في سوريا، مع أن حكومة باكستان دعمت أو اتسم موقفها بالحياد تجاه الأزمة السورية. وينقل فيسك ما قاله الصحافي الباكستاني نجم سيتي "نعرف جيدا أنه في العلاقات الدبلوماسية لا يوجد شيء اسمه هدايا".
ويواصل أن التقارير القادمة من باكستان بدأت تتحدث عن موافقة حكومة نواز شريف على تزويد السعودية بصواريخ مضادة للطائرات والدبابات، والتي سترسل فيما بعد للمقاتلين السوريين، مشيرا إلى أن الأمريكيين سيتوقفون عن إرسال الأسلحة التي أكلتها الفئران من الترسانة الليبية، لأن واشنطن ترى أنه ليس من مصلحتها تغيير النظام في دمشق.
ومن أجل حشد الدعم لها، قامت الرياض بتجنيد البحرين لدعم مشاريعها ضد النظام السوري، خاصة أنها لا تستطيع الاعتماد على العراق، أو قطر التي سحبت سفيرها منها، ولهذا فقد عبرت مملكة البحرين عن خطط لها للاستثمار في باكستان.
وما يجري مع باكستان هو انعكاس لفيلم أو منظور سينمائي، تنفق عليه مليارات الدولارات التي تأكل الشرق الأوسط. وهي قصة لا تهم "الخبراء" المعروفين على القنوات التلفازية، ولا كتاب الخطابات في البيت الأبيض أو المتحدثين باسم مؤسسات الإدارة الأمريكية، ولا الخارجية البريطانية المنشغلة بالحديث عن منع الشبان المسلمين من السفر لسوريا كي لا يعودوا ومعهم أفكار متطرفة، فهم هناك "لأنهم متشددون" حسب فيسك.
ويقدم الكاتب نظرة على المنطقة؛ من أفغانستان إلى مصر عبر سوريا، حيث يرى أن الفساد في أفغانستان ليس معروفا فقط، فهذا البلد لا يعمل بدون الرشاوى وعلى كل مستويات الحكم والقبيلة والانتخابات والمؤسسة العسكرية وما إلى ذلك، وتنافس أفغانستان كوريا الشمالية في غياب النزاهة والشفافية (تذكر فضيحة بنك كابول الذي حلب من عملائه 980 مليون دولار).
ويقول إن الأمريكيين موّلوا الحرب في أفغانستان وأمراء الحرب، ثم جاءت المنظمات غير الحكومية التي وزعت الأموال في كل أنحاء البلاد. والآن سيغادر الأمريكيون ومعهم "مرتزقة" الناتو كما يقول، وعليه فسيتوقف تدفق المال، وهو سبب قلق أمراء الحرب الأفغان أكثر من قلقهم من عودة طالبان. فقائد عسكري لديه ثلاث فلل و200 حارس؛ عليه الحصول على المال بعد رحيل الأمريكيين، والمصدر الرئيسي له سيكون التجارة بالمخدرات وغسيل الأموال وتهريب السلاح.
ولا تختلف الصورة في العراق عن باكستان، حيث أصبح النفط العراقي في ميناء البصرة تحت إدارة المافيا، وكما أظهرت تقارير الصحافي باتريك كوكبيرن العام الماضي عن انتشار الفساد ومأسسته في العراق بإدارة المالكي.
وفي سوريا، الفصائل المعارضة التي تسيطر على مناطق تحكمها من خلال المال، ولهذا السبب فكل شيء له ثمنه وأي "تراجع" تدفع ثمنه الحكومة السورية، أو الروس وفي غالب الأحيان إيران.
وفيما يتعلق بمصر، علينا كما يقول، أن "نهضم" قصة قيام الجيش المصري الخيّر بحماية البلد من سيطرة الإسلاميين عليه، ومن محاولات محمد مرسي، الرئيس المنتخب إقامة خلافة إسلامية. فمصر حسب القصة كانت في طريقها للعودة لحكم العصور الوسطى، ثم جاء وزير الدفاع الذي أصبح مرشحا رئاسيا يؤمن "بحكومة انتقالية وديمقراطية". ويرى فيسك أن المسار الانتقالي للديمقراطية يستخدم بكثرة هذه الأيام، لكن الثورة الحقيقية المضادة في مصر لم تكن الإطاحة بمرسي، ولكن ما تبع ذلك من عودة الجيش لتعزيز مكاسبه المالية؛ مراكز التسوق وشركات العقارات والبنوك، والتي تحقق مليارات الدولارات للنخبة العسكرية في البلاد، والتي أصبحت تعاملاتها المالية في مأمن، وبعيدة عن عيون الحكومة الديمقراطية التي أطيح بها.
وعن طبيعة المستقبل الذي يجب أن نواجهه في الشرق الأوسط، فهو من صنع الغرب، ولن يكون تعبيرا عن عودة الخلافة أو عرقنة العراق ومصرنة مصر وسورنة سوريا، بل ما يحدث في المنطقة ليس نتاجا للإرهاب الذي يحبذ الغرب تكرار الحديث عنه، بل
المال القذر، والاسم الذي يوحد كل هذا هو المافيا.